أنت هنا

قراءة كتاب أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

على الرغم من تطور مجالات الثقافة والعلوم السريانية في بداية القرن السابع الميلادي، فإن سيطرة البيزنطيين على المدارس العليا في سوريا وضغوط الفرس وتدخلهم في حياة أهالي العراق وإشعال نار الفتنة بين المناذرة والغساسنة الذين كان من بينهم عدداً كبيراً من المسيحيي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

المبحث الثالث : نشوء المسيحية في العراق

يعتبر القديس بطرس حسب الأخبار السريانية الموثوقة، مؤسس المسيحية في الشرق، حينما استطاع هداية جمع من الناس في مدينة انطاكيا وذلك في عام (36م) تقريباً، وأول شخصية بارزة آمنت بالمسيحية آنذاك كان بولس الذي كان من أشد المناوئين للمسيحية، أعقبه أحد علماء اليونان المسمى (اغناطيوس) الذي سرعان ما ألقي القبض عليه ومات شهيداً في روما أيام الإمبراطور تراجان (98-117م) وله رسائل مشهورة تدل على وجود أسقفية مسيحية منذ بداية القرن الثاني الميلادي في انطاكيا([20]).
كان مار ادي من بين تلاميذ السيد المسيح السبعين الذي أرسل إلى بلاد بابل لهدايتها، ورحل معه تلميذه المثابر مار ماري، وكان ذلك في منتصف القرن الأول للميلاد، وقد حل مار ماري في سلوقية المبنية على دجلة التي كانت آنذاك قرية صغيرة مقابل طيسفون لكنه اصطدم بقساوة قلوب أهل ساليق – قطيسفون وكتب بذلك إلى رؤسائه، ومع ذلك طلبوا منه الصبر والمثابرة، وانحدر مار ماري إلى كشكر التي كانت مدينة تسكنها قبائل آرامية وبابلية - قلدية ارتحلت من ميشان وقد وجد مار ماري في مدينة تتحدث بالآرامية التي تنحدر منها السريانية، وسط مناسب لقبول المسيحية ولذلك اعتبرت كشكر أقدم مدينة مسيحية في بلاد الرافدين([21]).
ثم انحدر ما ماري إلى مملكة ميشان وعاد إلى ساليق حيث استطاع أن يهدي بعض من أهاليها ويؤسس أول كنيسة في العراق في قرية كوخي، ثم استقر في بلدة دورقني وبنى هناك ديراً وكنيسة حيث توفي ودفن هناك في عام (82م) وقيل في عام (116م) ([22]).
أما مار ادي فقد رحل إلى منطقة حدياب وصل في مدنها وسعى إلى نشر المسيحية في أربيل وأطرافها ، ثم غادر إلى بلاد فارس لهدايتها ، وقيل أن بواكير نشأة الديانة المسيحية فيها ظهرت في أوائل القرن الثالث للميلاد.
لم تكن قرية كوخي([23]) الواقعة جنوب شرقي سلوقية منفصلة عن المدينة القديمة إلا بوادٍ تتخلله بعض المستنقعات، وكذا الشأن مع المدينة الجديدة التي شيدها اردشير الأول نحو سنة (230م) مقابلها ودعاها (فيه – اردشير) وسميت أيضاً بهرشير أو بهرسير، وقد غيّر نهر دجلة مجراه بين سنة (79-116م)، واتخذ مجرى أخر يفصل بين كوخي وطيسفون، وكان المؤرخ اوسابيوس قد كتب قائلاً: (أن كنائس مقاطعة بين النهرين ومدنها وافقت هي أيضاً على القرار الذي اتخذته سائر الكنائس الغربية في الولاية السورية بشأن الاحتفال بعيد الفصح المجيد يوم الأحد وكان ذلك في عهد البابا فكتور (189-119م) وفي السنة العاشرة لحكم الإمبراطور كودموس (180-193م)، هذا يدل على أن الكنائس في بلاد ما بين النهرين كان لها أهمية ورأي يؤخذ به في نحو نهاية القرن الثاني الميلادي([24])، كما يدلل على توحدها الذي استمر حتى القرن الخامس الميلادي.
إن أول أسقف على أربيلا في مملكة حدياب كان عام (104م) وأول من رقاها إلى مقام المطرانية هو الجاثليق (فافا) وذلك سنة (300م)، وكانت مدينة حصنا عبرايا (الموصل) ومنطقة بانوهدارا (زاخو) أسقفيتان تابعتان لها([25]).
ويظهر أن جماعة في (كرخادبيث سلوخ) قد اهتدت إلى المسيحية في القرن الثاني الميلادي وقد قيل في أعمال شهداء النصارى كما أفادنا (ساخاو) في كتاب تاريخ أربيلا أو حوليات أربيلا (The Chronicie Of Arbella) أنه: (منذ عهد بالاش إلى السنة العشرين من حكم سابور بن اردشير، تسعين سنة في المجموع، كانت كرخا روضة مقدسة لم يكن فيها عود خبيث).
وبالاش هنا لم يكن إلا الملك البارثي ولكاش الثالث الذي حكم بين سنتي (148-191)، ولم يكن للمسيحيين أي دور سياسي أيام البارثيين ولذلك لم يكن لهم أهمية بالنسبة للفرس الذين تركوهم وشأنهم.
وبعد ذلك وضع كتاب (الآباء الغربيين) الذي أرخ في أوائل القرن الثاني، وكذلك بالنسبة إلى الإنجيل الجامع للأناجيل الأربعة المسمى الدياطسرون الذي أعده تتيانس، كان تتيانس قد ولد بالعراق سنة (120) في أحضان أسرة نبيلة تدين بالزرادشتية، وبعد أن أتم دراسته الأولية في موطنه، رحل إلى مدينة الرها حيث درس الثقافة والعلوم السريانية واليونانية، ثم سافر إلى أثنيا وبعدها استقر في روما، حيث التقى بالقديس جستين (St.Justin) الشهيد، وقد تنصر على يده ثم درس فس مدرسته.
وبعد تخرجه قرر أن يجعل من الأناجيل الأربعة إنجيلاً واحداً يضم جميع الوقائع والأعمال والأقوال التي ذكرها السيد المسيح أثناء دعوته، وقد أعده تتيانس بين الأعوام (150-170) باللغة اليونانية التي كانت لغة الثقافة والعلوم في العالم، وسمّاها بالدياطسرون أي بمعنى (إنجيل واحد من مكونات أربعة أناجيل ) ثم ترجم الدياطسرون إلى الآرامية والسريانية والنسخ الباقية حالياً هي النسخة السريانية، وقد انتشر الدياطسرون بين المسيحيين في العراق، وقد أشارت المصادر العربية المسيحية، أن وجود ملخص للدياطسرون باللغة العربية في مدينة الحيرة، وقد انتشر هذا النص الموجز للدياطسرون في مناطق عديدة من الشرق بضمنها مدينتي تكريت وطيسفون ونجران المدينة المسيحية التي ضمت كنيسة كبيرة تدعى (القليس) وقيل أنها بنيت في صنعاء.
لعبت مملكة اورهاي (الرها) دوراً كبيراً في تاريخ نشأة المسيحية في سوريا إذ كانت سلالة ملوكها تعود في أصولها إلى الآراميين أو الأنباط ذوي الأصل الآرامي قد آمنوا بالمسيحية في وقت مبكر من القرن الأول الميلادي، وكانت هذه المملكة تارة تحت حكم اليونانيين وتارة أخرى تحت حكم الفرس حتى سقوطها بعد أربعة قرون.
وتميزت الفترة بين أواخر القرن الثاني والربع الأول من القرن الثالث بانتشار هادئ للمسيحية في بعض جهات إيران الجنوبية وفي معظم مدن بلاد الرافدين الرئيسية وبدون أي اضطهاد، وعندما جاء الساسانيون تم القضاء على الممالك الرافدينية الثلاث، واضطربت البلاد ولكن لم يكن هناك أي اضطهاد منظم حتى الأربعينات من القرن الرابع الميلادي على أيدي الحكام ورجال الدين الساسانيين.
وخلال الفترة الأخيرة من الحكم البارثي ظهر (ابرسيرس) اسقف هيرابوليس في سوريا الذي قام برحلة إلى ما وراء الفرات، وذكر أنه أينما يذهب كان يجد له أخوة من المسيحيين([26]).

الصفحات