في تاريخ الفن المعاصر وأقنعته الشكلانيـــة يتطلع الباحـث والطالب وكل متذوق للفنون للبحث عن النتاجـات الفنيـة التي تحفــزه روحياً وجماليـاً وتستوقفـه فيها طبيعة تجربتهاالمتفردة وأي قنـاع يرتسم على ملامحها .
أنت هنا
قراءة كتاب أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر
الخامة والحدس
وتعمق (الحدس) كثيراً في الفنون التي تظهر (خاماتها) وتتصدر النتاج الفني، فيتحرك من المساحة التخيلية الواقعة فوق معطيات الحواس الخمسة، وبذلك تتحرك هذه المواد مثل الحديد، والبلاستك، والأشرطة والأسلاك والزجاج والجلود والبرونز، وقطع الغيار، مثل المواسير، والأحواض في نطاق ما فوق الحسّي، لتؤدي دوراً خاصاً يتعلق بما يقدمه الفنان من إمكانيات في عمله الفني، قابلة لكي يجعل منها المشاهد تجربة (حدسيـة) متميزة جمالياً. حتى أن اللوحة في ( أوب – آرت) وآخر التوصلات البصرية التموجية الغامضة، والتي يشكلها الوعي لدى المتلقي ويؤطرها بطريقته الخاصة، ليكون لها هيئة (Shaape) وشكل (Form) ودوال حسيّة لونية وضوئية معينة، حتى هذه التجارب مازالت عرضة للنسف والإقصاء أمام رعشات الفن ورغائبه السرّية التي تتوسل العلم، والتقدم التقني الهائل لخدمة مآربها، فتضم عناصر جديدة من خارج الإطار المحكم للوحة أو للصنيع الفني التشكيلي التقليدي، وتخلط بقصدية واضحة، وبتشوش متعمد مابين البنية السطحية للوحة بالبنية الحجومية والملمسية للتمثال بالبعد الهندسي والمعماري والتصميمي الرقمي في النتاج الفني الواحد.
تطور المسرح الحديث
وبمثل هذا الركب الفضائي المتطور للفنون المختلفة استجاب المسرح (الملحمي) الذي نادى به (برخت) إلى التراث الحافل الذي تركه المسرح العالمي، والى تجربة (ستانسلافسكي) التي حاول برخت استكمال شوطه خلال تطويرها وفق معالجات جديدة، أبعد مما أراده رائد المدرسة الواقعية هذا في زمن الصراعات الأيدلوجية الكبرى واختراق الفضاء الكوني وانتصار أبناء عصر العلم أنهك برخت في تطوير كتابة النص الدرامي، وأساليب الإخراج والتمثيل التغريبي بتوظيف التقنيات البصرية والسمعية والحركية، خلافا للتغيرات الأرسطية، وتجلياتها المختلفة، ففي عالمنا المعاصر، ظهرت نظريات جديدة، ومنها هذه (الملحمية) البرختية التي انقلبت على (الإيهامية) الواقعية، وأرادت أن لا تكتفي بتفسير العالم، بل تغيره حسب منطلقات الفلسفة (الماركسية) الموظفة في الفنون.
فليس المهم، لهؤلاء الدعاة الجدد، تقليد الواقع ونقل الحياة اليومية، بل تطوير نزعة نقدية للواقع لدى المتلقين، من خلال وضع مسافة مابين العرض المسرحي ومتفرجـه أي يجعل (المألوف) غريباً، باستثمار (الراوي) الذي يسرد الحكاية ويستعرض الأحداث (الأسطورية) و(الغريبة) والحافلة (بالحكمة) ذات اللبوس الشرقية القديمة في الغالب، أو الموضوعات الخاصة بالعلاقة القائمة مابين السلطة القاهرة لإرادة المجموع، أو الدكتاتور والشعب المستلب وصراع التاجر مع الأجير الذي يقود إلى قتله بحجة الدفاع عن النفس، في (محكمة) هي امتداد لفكرة الاستقلال والاضطهاد نفسها!! أو صراع (الملاكمة) أو علاقة التاجر بالفقراء !! وتوظف هذه العروض الملحمية (البرختية) أيضا (الشعارات) السياسية المكتوبة على شكل (لافتات) أو شرائح فلمية أو أشرطة ووثائق تستقطب الناس لخدمة نظرية سياسية مطلوبة أو إدانة موقف مرفوض من قبل الجمهور العام العريض.
فضلا عن استخدام (الأغاني) لزيادة وتيرة الحدّة الإيقاعية المسموعة للتعبير عن موقف خاص من الأحداث، وعرض نضال الإنسان المكافح ضد الطغيان والاستلاب من أجل تكريس روح القانون والعدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق المدنية للناس، وحرية التعبير، وإيجاد فرص العمل والانخراط في الأحزاب السياسية، التي يراها (برخت) في الاتجاهات الثورية الاشتراكية والتي تكافح بدورها النظرية الرأسمالية ممثلة باقتصاديات السوق، وكان برخت يدعو إلى ضرورة قيام ثورة تمثل إرادة الطبقة العاملة بعيداً عن الطبقات واستغلال أصحاب رؤوس الأموال لجيوش من العاملين الفقراء، أو في فضح تلك القوى الاستعمارية وهي تستبيح حقوق الشعوب، وتحتلها لتستثمر خيراتها وظف برخت كل هذه الأفكار والمعالجات في ما اسماه بـ( أثر التغريب) ليحرض متفرجة على تغيير واقعه الاجتماعي.