في تاريخ الفن المعاصر وأقنعته الشكلانيـــة يتطلع الباحـث والطالب وكل متذوق للفنون للبحث عن النتاجـات الفنيـة التي تحفــزه روحياً وجماليـاً وتستوقفـه فيها طبيعة تجربتهاالمتفردة وأي قنـاع يرتسم على ملامحها .
أنت هنا
قراءة كتاب أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر
الهندسة التجريديــة
أما المذهب (التجريدي) فهو - أيضا- من بين المحاولات الرائدة لتغيير تضاريس التركيب الفني، وهندسته التصميمية وبناه الإنشائية، ويرفض هذا المذهب مظهر الأشياء الحسّية ومألوف أشكالها الحياتية الواقعية، وتشخيصاتها الإنسانية، أنها تغادر هذه المظاهر، لتبحث عن لغة غير واقعية، وترسم صفات تدرك بالذهن وضوابط العقل والمنطق الفني أكثر مما تدرك بالحواس مثلا: عندما يريد الفنان التجريدي رسم (شجرة) فإنه لا يرسم لها ساقاً وأغصاناً وأوراقاً وثماراً بل يجردها إلى بضعة خطوط ومساحات لونية وأشكال هندسية، لتوحي من خلال شكلها المجرد هذا، وتقاطعات ألوانها بتكوين جمالي عن (شجرة) غير مرئية كما الحال في السابق، لأنه لا ينقلها كما هي في الواقع وإنما كما يجردها في عقله وتخيله.
تفوق الشكل السريالي
في حين تذهب (السريالية) في غلوها (الشكلاني) كل مذهب! وتتجه في معالجاتها الفنية لتؤكد على انحلال الأشياء الواقعية لصالح الأشكال الغريبة المبتكرة، وكأننا نندفع في عالم حاشد من الأحلام والجنون والمتاهات، حيث يضمحل دور العقل والمنطق الحياتي العادي، ويتصدر اللاشعور واللامنطق والحلم والفوضى على عالم اللوحة، مثلاً كان الفنان (سلفادور دالي) يحول أشكال الطبيعة إلى كائنات غريبة، وكأنها تحمل ملامح بشرية، ومن زوايا منظورية كثيرة متشابكة مختلفة وتتبعثر فيها (البؤر) المنظورية هذه لتحطيم أطر المألوف وزواياه وأشكاله وحجومه، فتجد مناظر بحرية وشاطئ فيه خزانات مركبة على أشكال بشرية مجوّفة ومنحلة ، أو ساعات مائعة وكأنها بيوض دجاج وهي في المقلاة! أو أثداء نسائية متخشبة أو ممطوطة بطرائق تجنح فيها المخيلة الفنية، لتحول هذا الواقع الجديد إلى كينونات تضم مخلوقات طبيعية محرفة بالكامل عن أصلها، ومركبة وفق نسق جديد من العلاقات والعناصر البصرية التي تقطع مرجعياته الواقعية، وتدمجه في عالم (اللوحة) أو (الشريط) السينمائي كالذي يظهره المخرج السريالي (بونويل) في تلك العين البشرية، المقطوعة من منتصفها بموس الحلاقة!!
صدمة الشكل الالكتروني للموسيقى
هذه الروح الصادمة انبثت في الموسيقى الالكترونية لتقوض من نسيجها وبنائها المنسجم المعهود وتحشوه بالضجيج والمفرقعات والمؤثرات الغرائبية وكذلك دهمته بمنجزاتها، العروض المسرحية، والروايات، والقصائد وأفلام السينما بأعاجيبها الخارقة، ومعالجاتها الخرافية و(الفنطازيا) التي ستتبدل تجلياتها في فنون الحداثة تبعا لكل جديد تبتكره في عالم الألحان والأغاني وسماع أصوات عجزت عن التقاطها الأذن البشرية في عهودها السابقة.
السمات الفنية المعاصرة
يحصر الناقد والباحث الإنكليزي (هربرت ريد) سمات الفن المعاصر وفق تقسيمات محدّدة، منها : (التفكيرية) ويقصد بها الفن الواقعي والانطباعي، لان هذا الفن يتميز باقترابه من مظاهر الواقع، الذي نتعرف عليه في حياتنا اليومية، فهو يشخص تلك العلامات الواقعية أو تراه يقدم (انطباعا) مباطنا للواقع، ولكنه نابعا من مصدر (ذاتي) غير منشق عن طبقات الواقع نفسه، ويقترب من الطريقة التقليدية في الرؤية والنظر الذي نألفه في الحياة نفسها.
والنزعة الثانية هي: (الوجدانية) ويراها هربرت ريد، متمثلة بالفن (السريالي) و(المستقبلي) ونجد في هذا النمط غلواً تخيليا، يرفض مظاهر الواقع وقيمه، ويطمس الرؤية التقليدية، ويتحمس للاندفاع في أجواء الجنون، بحثاً عن صور فائقة التخيل، فيسجل حركتها الخيالية هذه النابعة من اللاشعور الإنساني والمحولة للطبيعة في هذه النتاجات الفنية والمحرفة لأشكالها وطبائعها وماهياتها.
نزعــات تعبيريـة
وهناك - أيضاً- النزعة ( التعبيرية) وهو ما يميز الفنون التعبيرية التي تعبر عن فردانية المبدع وذاتيته الشخصانية، وتعكس رؤيته الخاصة عن الحياة، بحيث تبدو هذه الأشكال والتكوينات المتفردة وهي مشوهة، حافلة بالانكسارات الضوئية والظلال المبالغ بها، وكذلك تتحرك فيها وجوه وأقنعة وستائر وتتخاطفها الأضواء والمؤثرات الاصطناعية والميزانسينات المخفية والمنبعجة والمنحرفة والمشوّهة، والمنزاحة عن القاعدة العادية للنظر الواقعي.
وأخيراً، ما يسمى بالاتجاه: (الحدسي) الذي يميز الفنون (التكعيبية) وهو ما عرف به (بابلوبيكاسو) و(براك) حيث نرى أوجه مختلفة ومن زوايا مغايرة للشكل الواحد الذي يطمس فيه المنظور التقليدي الذي أرست أسسه فنون ونظريات عصر النهضة الأوربية.