اللهم عليك توكلت وبك استعنت وبفضلك وإحسانك اعتمدت، اللهم أحمدك حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لأنك منحتني العافية والإرادة في أعداد هذا الكتاب ونشر هذا الجهد المتواضع لأضعه بين يدي قارئي العزيز لينهل منه كل ما هو عذب وممتع ولتطيب نفسه ويسمو خلقه ويقرب من ال
أنت هنا
قراءة كتاب من كل بستان زهرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فضل من الله
-22 قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بسواد على الطريق فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف فقلت السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقالت: (سلام قول من رب رحيم) قال قلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: (ومن يضلل الله فلا هادي له) فعلمت أنها ضالة عن الطريق. فقلت لها أين تريدين؟ قالت: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) فعلمت أنها قد قضت حجها وهي تريد بيت المقدس. فقلت لها أنت منذ كم في هذا الموضع؟. قالت: (ثلاث ليالي سوياً) فقلت: ما أرى معك طعاماً تأكلين!. قالت: (هو يطعمني ويسقين) فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟. قالت: (فان لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً) فقلت لها: إن معي طعاماً فهل لك في الأكل؟ قالت: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فقلت: ليس هذا شهر رمضان. قالت: (من تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم) فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر. قالت: (وان تصوموا خير لكم أن كنتم تعلمون) فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) قال: أي الناس أنت؟ قالت: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) فقلت: قد أخطات تجعليني في حل. قالت: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) فقلت لها: هل أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة. قالت: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) قال: فأنخت ناقتي قالت: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) قال: فغضضت بصري عنها وقلت لها اركبي فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها. فقالت: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) فقلت لها: اصبري حتى أعقلها. قالت: (ففهمناها سليمان) فعقلت الناقة وقلت لها اركبي. فلما ركبت قالت: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) قال: فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح فقالت: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك) فجعلت أمشي رويداً رويداً وأترنم بالشعر فقالت: (فاقرؤوا ماتيسر من القرآن) فقلت لها: (أوتيتم خيراً كثيراً) (وما يذكر إلا أولوا الألباب) فلما مشيت بها قليلاً قلت لها: ألك زوج؟ قالت: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) فسكت ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة فقلت لها هذه القافلة فمن لك فيها؟ فقالت: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فعلمت أنها لها أولاد فقلت وما شانئهم في الحج؟ فقالت: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بها القباب والعمارات فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟ قالت: (واتخذ الله إبراهيم خليلا، وكلم الله موسى تكليماً، يا يحيى خذ الكتاب بقوة) فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا فلما استقر بهم الجلوس قالت: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه) فمضى أحدهم فاشترى طعاماً فقدموه بين يدي فقالت: كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية) فقلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها فقالوا: هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن فسبحان القادر على ما يشاء فقلت: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) ([21]).
من توكل على الله فهو حسبه
23- حكي أن حاتماً الأصم كان رجل كثير العيال وكان له أولاد ذكور وإناث ولم يكن يملك حبة واحدة وكان متوكلاً على الله فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج فداخل الشوق قلبه ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم ثم قال لهم: لو أذنتم لابيكم أن يذهب إلى بيت ربه هذا العام حاجاً ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم. فقالت زوجته وأولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئاً ونحن على ما ترى من الفاقة فكيف تريد ذلك ونحن في هذه الحالة؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو أذنتم له ولايهمكم ذلك دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق وليس برزاق فذكرتهم ذلك فقالوا لها: صدقت والله أنطلق يا أبانا حيث أحببت فقام من وقته وساعته واحرم بالحج وخرج مسافراً وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم كيف أذنوا له بالحج وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون: لو سكت ما تكلمنا. فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت: إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك وإنك لا تضيعهم فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيداً فانقطع عن عسكره وأصحابه فحصل له عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء وقرع الباب فقال: من أنت؟ قال الأمير ببابكم يستسقيكم فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: إلهي وسيدي سبحانك البارحة بتنا جياعاً واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا ثم إنها أخذت كوزاً جديداً وملئته ماء وقالت للمتناول منها: اعذرونا فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير فقالوا : لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم. فقال الأمير: لقد سمعت به. فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئاً وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعاً. فقال الأمير: ونحن أيضاً قد اثقلنا عليهم اليوم وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمي بها في الدار ثم قال لأصحابه: من أحبني فليلق منطقته فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا. فقال الوزير: السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير ودفع إليهم ثمن المناطق مالاً جزيلاً واستردها منهم فلما رأت الصيبة الصغيرة ذلك بكت بكاءا شديداً فقالوا لها: ماهذا البكاء إنما يجب أن تفرحي فإن الله وسع علينا فقالت يا أمي والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعاً فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة فأغنانا بعد فقرنا فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لايكلنا إلى أحد طرفه عين اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن التدبير. هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرماً ولحق بالقوم توجع أمير الركب فطلبوا له طبيباً فلم يجدوا فقال: هل من عبد صالح فدل على حاتم: فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته فأمر له بما يركب وما يأكل وما يشرب فنام تلك الليلة مفكراً في أمر عياله فقيل له في منامه (يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه) ثم أخبر بما كان من أمر عياله فأكثر الثناء على الله تعالى فلما قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وان الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من توكل على الله فهو حسبه([22]).