اللهم عليك توكلت وبك استعنت وبفضلك وإحسانك اعتمدت، اللهم أحمدك حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لأنك منحتني العافية والإرادة في أعداد هذا الكتاب ونشر هذا الجهد المتواضع لأضعه بين يدي قارئي العزيز لينهل منه كل ما هو عذب وممتع ولتطيب نفسه ويسمو خلقه ويقرب من ال
أنت هنا
قراءة كتاب من كل بستان زهرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الظلم شؤم على صاحبه
24- حكي إن رجل من ضعفاء بني إسرائيل كان له عائلة وكان صياداً يصطاد السمك ويقوت منه أطفاله وزوجته فخرج يوماً للصيد فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم أخذها ومضى إلى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله فلقيه شخص فرأى السمكة معه فأراد أخذها منه فمنعه الصياد فرفع هذ الشخص خشبة كانت بيده فضرب بها رأس الصياد ضربة موجعة وأخذ السمكة منه غصباً بلا ثمن فدعا الصياد عليه وقال: إلهي جعلتني ضعيفاً وجعلته قوياً عنيفاً فخذ لي بحقي منه عاجلاً فقد ظلمني ولاصبر لي إلى الآخرة. ثم إن الغاصب الظالم انطلق بالسمكة إلى منزله وسلمها إلى زوجته وأمرها أن تشويها فلما شوتها قدمتها له ووضعتها بين يديه على المائدة ليأكل منها ففتحت السمكة فاهها ونكزته بإصبع يده نكزة طار بها عقله وصار لايقر بها قرار فقام وشكى بها إلى الطبيب ألم يده وما حل بها فلما رآه قال له: أن دوائها أن تقطع الإصبع لئلا يسري الألم إلى بقية الكف فقطع إصبعه فانتقل الألم والوجع إلى الكف واليد وازداد التألم وارتعدت من خوفه فرائصه فقال له الطبيب: ينبغي أن تقطع اليد إلى المعصم لئلا يسري الألم إلى الساعد فقطعها فانتقل الألم إلى الساعد فمازال هكذا كل ما قطع عضوا انتقل الألم إلى العضو الآخر الذي يليه حتى خرج هائما على وجهه مستغيثاً إلى ربه ليكشف عنه مانزل به فرأى شجرة فقصدها فأخذه النوم عندها فنام فرأى في منامه قائلاً يقول: يأمسكين إلى كم تقطع اعضائك امضي إلى خصمك الذي ظلمته فأرضه. فأنتبه إلى النوم وفكر في أمره فعلم أن الذي أصابه من جهة الصياد فدخل المدينة وسأل عن الصياد وأتى إليه فوقع بين يديه يتمرغ على رجليه وطلب منه الإقالة لما جنى ودفع إليه شيئاً من ماله وتاب من فعله فرضي عنه خصمه الصياد فسكن في الحال المه وبات تلك الليلة فرد الله تعالى عليه يده كما كانت ونزل الوحي على موسى عليه السلام: يا موسى وعزتي وجلالي لولا أن ذلك الرجل أرضى خصمه لعذبته مهما امتدت به حياته([23]).
عمير الزاهد
25- روي أن عمر رضي الله عنه استعمل على حمص رجلاً يقال له عمير بن سعد فلما مضت السنة كتب إليه عمر رضي الله عنه أن أقدم علينا فلم يشعر عمر إلا وقد قدم إليه ماشياً حافياً وعكازته بيده وأدواته ومزوده وقصعته على ظهره فلما نظر إليه عمر قال له: ياعمير أأجبتنا أم البلاد بلاد سوء؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما نهاك الله أن تجهر بالسوء وعن سوء الظن وقد جئت إليك بالدنيا أجرها بقرابها فقال له عمر: وما معك من الدنيا؟ قال عمير: عكازة أتوكأ عليها وأدفع بها عدواً إن لقيته ومزود أحمل فيه طعامي وأداة أحمل فيها مائي لشربي وطهوري وقصعة أتوضأ فيها وأغسل فيها رأسي وآكل فيها طعامي فوالله يا أمير المؤمنين ما الدنيا بعد إلا تبع لما معي. فقام عمر رضي الله عنه من مجلسه إلى قبر الرسول ﷺ وأبي بكر رضي الله عنه فبكى بكاءاً شديداً ثم قال: اللهم ألحقني بصاحبي غير مفتضح ولا مبدل ثم عاد إلى مجلسه فقال: ما صنعت في عملك يا عمير؟ فقال: أخذت الإبل من أهل الإبل والجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فوالله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به. فقال عمر: عد إلى عملك يا عمير قال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي فأذن له فأتى اهله فبعث عمر رجلاً يقال له حبيب بمائة دينار وقال له: اختبر لي عميراً وأنزل عليه ثلاثة أيام حتى ترى حاله هل هو في سعة أو ضيق فإن كان في ضيق فادفع إليه المائة دينار. فأتاه حبيب فنزل به ثلاث فلم يرى له عيشاً إلا الشعير والزيت فلما مضت ثلاثة أيام قال عمير: يا حبيب اني رأيت أن تتحول إلى جيراننا فلعلهم أن يكونوا أوسع عيشاً منا فإننا والله وتالله لو كان عندنا غير هذا لآثرناك به. فدفع حبيب إليه المائة دينار وقال له: قد بعثها أمير المؤمنين إليك فوزعها على إخوانه من الفقراء حتى أنفذها. فقدم حبيب إلى عمر وقال له: جئتك يا أمير المؤمنين من عند أزهد الناس وماعنده من الدينا قليل ولاكثير فأمر له عمر بوسقين من طعام وثوبين فقال يا أمير المؤمنين: أما الثوبان فاقبلهما وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما فعند أهلي صاع من بر هو كافيهم حتى أرجع إليهم([24]).
ميمون الصالح
26- قال مالك بن دينار البصري رحمه الله تعالى احتبس عنا المطر بالبصرة فخرجنا نستسقي مراراً فلم نرى للإجابة أثراً فخرجت أنا وعطاء السلمي وثابت البناني ويحيى البكاء ومحمد بن واسع وأبو محمد السختياني وحبيب الفارسي وحسان بن ثابت بن أبي سنان وعتبة الغلام وصالح المزني حتى إذا صرنا إلى المصلى بالبصرة خرج الصبيان من المكاتب ثم استسقينا فلم نرى للإجابة اثراً حتى انتصف النهار وانصرف الناس وبقيت أنا وثابت البناني بالمصلى فلما أظلم الليل إذا أنا بعبد أسود مليح رقيق الساقين عليه جبة صوف قومت ماعليه بدرهمين فجاء بماء فتوضأ ثم جاء المحراب فصلى ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي إلى كم ترد عبادك فيما لا ينفعك انفد ما عندك أم نقص مافي خزائنك أقسمت عليك بحبك لي إلا ما أسقيتنا غيثك الساعة. قال فما أتم كلامه حتى تغيمت السماء وجاءت بمطر كأفواه القرب قال مالك فتعرضت له وقلت له: يا أسود أما تستحي مما قلت. قال: وما قلت. قلت: قولك بحبك لي ومايدريك انه يحبك. قال: تنحى عني يامن اشتغل عنه بنفسه اتراني بدأني بذلك إلا لمحبته اياي ثم قال:محبته لي على قدره ومحبتي له على قدري. فقلت له يرحمك الله أرفق قليلاً فقال: إني مملوك على فرض من طاعة مالكي الصغير. قال: فانصرف وجعلنا نقف أثره على البعد حتى دخل ىدار نخاس فلما أصبحنا أتينا النخاس فقلت: يرحمك الله عندك غلام تبيعه لنا للخدمة؟ قال:نعم عندي مائة غلام للبيع فجعل يعرض علينا غلاماً بعد غلام حتى عرض علينا سبعين غلام فلم ألقى حبيبي فيهم. فقال: عودوا إلي في غير هذا الوقت فلما أردنا الخروج من عنده دخلنا حجرة خربة خلف داره وإذا بالاسود قائم يصلي فقلت حبيبي ورب الكعبة فجئت إلى النخاس وقلت له: بعني هذا الغلام فقال: يا أبا يحيى هذا الغلام ليست له همة في الليل إلا البكاء وفي النهار إلا الخلوة والوحدة. فقلت: لا بد من أخذه منك وله الثمن وما عليك منه فدعاه فجاء وهو يتناعس فقال: خذه بما شئت بعد أن تبرأني من عيوبه كلها فاشتريته منه بعشرين دينار وقلت له: ما اسمك؟ قال: ميمون. فأخذت بيده أريد المنزل فالتفت إلي وقال: يامولاي الصغير لماذا اشتريتني وأنا لا أصلح لخدمة المخلوقين. فقلت له: والله يا سيدي إنما اشتريتك لأخدمك بنفسي. قال: ولم ذلك؟ فقلت: ألست صاحبنا البارحة بالمصلى؟ قال: بلى وقد اطلعت على ذلك؟ قلت: نعم وأنا الذي عارضتك البارحة في الكلام بالمصلى. قال: فجعل يمشي إلى أن أتى بالمسجد فاستأذنني ودخل المسجد فصلى فيه ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي سر كان بيني وبينك اطلعت عليه غيرك فكيف يطيب الآن عيشي أقسمت عليك بك إلا ماقبضتني إليك الساعة ثم سجد فانتظرته ساعة فلم يرفع رأسه فجأت إليه وحركته فإذا هو قد مات رحمة الله تعالى عليه. قال: فمددت يديه ورجليه فإذا هو ضاحك مستبشر وقد غلب البياض على السواد ووجهه كالقمر ليلة البدر وإذا شاب قد دخل من الباب وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عظم الله أجورنا وأجوركم في أخينا ميمون هاكم الكفن فناولني ثوبين ما رأيت مثلهما قط فغسلناه وكفناه فيهما ودفناه. قال مالك بن دينار فبقبره نستسقي إلى الآن ونطلب الحوائج من الله تعالى رحمة الله عليه([25]).