أنت هنا

قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

الأوضاع العامة في مصر والشام وأهميتها في اجتذاب المرتحلين

ويقصد بها الظروف التي ساعدت على استقطاب الأندلسيين إلى مصر والشام، وشكلت حافزاً مشجعاً للاتجاه إلى هذه البلاد، بعد أن تهيأت لهم المعرفة المسبقة عنها، عن طريق ما قرأوه، أو سمعوه، أو شاهدوه.

فقد كانت دولة (مصر والشام) في القرن السابع الهجري، تشهد تقدماً في كافة المجالات، وانفتاحاً حضارياً متميزاً، وفّر لها مستوى من الرقي والثراء واتساع فرص العمل، بالإضافة إلى تميزها بظروف طبيعية مشابهة لبلاد الأندلس، كما كان للأثر الديني وتأصله في النفوس شأن بيِّن في اجتذاب الأندلسيين وتوجههم إلى المشرق.

أ- الظروف الطبيعية

يشكل التشابه الطبيعي دوراً هاماً في اجتذاب المرتحلين، فالتشابه في أحوال المناخ والغطاء النباتي بين منطقة وأخرى، يكوِّن استعداداً نفسياً لدى المهجَّرين في الارتحال إلى البلاد التي تشابه بلادهم ويقربها إلى نفوسهم، مما يجعل استقرارهم فيها سهلاً، كما كان حال الأندلسيين حينما ارتحلوا إلى الشام، ولعل من أدلّ الأمثلة على هذا التشابه بين مناطق الشام والأندلس، أنه أُخِذ بعين الاعتبار، حينما نقلت أجناد الشام إلى الأندلس، حيث أنزل أهل دمشق في كورة إلبيرة لشبهها بها وسميت دمشق، وأنزل أهل حمص في كورة إشبيلية، وسميت حمص، وأهل قنسرين في جيّان، وأهل الأردن في رية مالقة، وأهل فلسطين في شذونة([148]). ساعد هذا التشابه الجغرافي بين الإقليمين مؤسس الدولة الأموية في بناء دولته على صورة سوريا الأموية، حيث نقل إليها غرائب الغراس وكرائم الشجر من بلاد الشام([149]).

ويظهر مدى هذا التقارب بصورة واضحة، في ما يورده ابن سعيد حيث يقول: «منذ خرجت من جزيرة الأندلس وطفت في بر العدوة، ورأيت مدنها العظيمة كمراكش وفاس وسلا وسبتة، ثم طفتُ في إفريقيا وما جاورها من المغرب الأوسط، فرأيت بجاية وتونس، ثم دخلت الديار المصرية، فرأيت الإسكندرية والقاهرة والفسطاط، ثم دخلت الشام، فرأيت دمشق وحلب وما بينهما، لم أرَ ما يشبه رونق الأندلس في مياهها وأشجارها، إلا مدينة فاس بالمغرب الأقصى، ومدينة دمشق الشام، وفي حماة مسحة أندلسية»([150]).

وقد أعجب الرحّالة الأندلسيون بمدن الشام ووصفوها وصفاً دقيقاً، فقد وصف ابن جبير مدينة دمشق بقوله: «جنَّةُ المَشرق، ومَطْلَعُ حُسْنِه المونِق المُشْرِق، وعروس المدن،... قد تَحلَّت بأزاهيرِ الرَّياحين، وتجلَّت في حُلَلٍ سُنْدُسِيَّةٍ من البَساتين... قد سَئِمَت أرضُها كَثْرَةَ الماء، حتى اشتاقَت إلى الظماء»([151]). وهناك جغرافيون آخرون سبقوا ابن جبير أتوا على ذكر الالتقاء والتشابه بين الشام والأندلس مثل البكري الذي قال: «الأندلس شامية في طيبها وهوائها»([152]). وسميت غرناطة بدمشق الأندلس([153])، وقد وصفت بأنها شامية في أكثر الأحوال، تشبه بعض مناطقها بالغوطة في أنهارها وجداولها وجنانها، وجمال بنائها وحسن موضعها([154]).

وكان لطبيعة بعض مناطق مصر، أثر بيّن على حركة الأندلسيين واستقرارهم، ففيها العديد من المناطق التي تشبه بعض مناطق الأندلس. فقد شبهت منطقة فحص إلبيرة بمنطقة الفيوم في دلتا النيل([155])، كما أنزل جند مصر بكورة تُدْمير([156]) لمشابهتها لطبيعة مصر([157])، ولعل هذا التشابه كان له أثر في سرعة التأقلم مع البيئة الجديدة.

ولا شك في أن تميز بعض المدن المصرية بخيراتها وخصبها وجمال طبيعتها شكّل عاملاً مشجعاً في انتقال الأندلسيين إليها، فالإسكندرية التي نزلها الكثير من الأندلسيين امتازت ببساتينها الأنيقة، وكثرة الفواكه والثمار ورخصها([158])، كما أن الفيوم امتازت بكثرة الفواكه والغلال([159]).

أعجب المرتحلون بمصر ووصفوها بأنها «ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد»([160]). ومما كتبه أبو الصلت أمية بن عبدالعزيز الداني الذي زارها في القرن السادس الهجري عنها حينما بلغ جبل المقطم: «هذه ضالتي المنشودة، وبغيتي المقصودة، ها هنا ألبث وأقيم، فلا أبرح ولا أريم، بلدة طيبة ورب غفور، وحيث التفتّ فروضة وغدير، وخَوَرْنق وسدير، وظل ظليل، ونسيم عليل»([161]). وذكر بعض أهل العلم، أنه ليس في الدنيا شجرة إلا وجدت بمصر، وفيها في كل وقت المأكول والمشموم وسائر البقول والخضر لا ينقطع منها شيء في الصيف أو الشتاء([162]).

وشابهت مصر الشام في بعض الجوانب الطبيعية، وشكلتا معاً عامل جذب للأندلسيين «فأسفل أراضي مصر شامية تمطرُ مطر الشام، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين والموز وسائر الفاكهة والبقول والرياحين ... وإنتاج اللبن والعسل»([163]).

لقد شكل التشابه بين الأندلس من ناحية، والشام ومصر من ناحية أخرى، عاملاً له أثره على حركة الأندلسيين واستقرارهم وسرعة تأقلمهم، للميزات التي تمتع بها كل منهما.

الصفحات