كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير
وفي حين كان المسلمون يتركون المناطق المسيحية بأعداد كبيرة، مضطهدين ممتهنين، مجردين من أموالهم ودورهم، كان اليهود محميين من قِبَل الملوك والنبلاء الذين كانوا مدينين لهم بقروض كبيرة، وقد تزوج هؤلاء النبلاء من الفتيات اليهوديات طمعاً في الثروة، ولتعويض خسارتهم بهجرات المسلمين، كما أعطيت لهم فيما بعد في القرن الرابع عشر الميلادي صلاحيات ممارسة طقوسهم الدينية من قِبَل بوب كليمنت وذلك لأن أربعين ألفاً منهم، يساعدون المسيحيين في محاربة المسلمين، كما أن بقاءهم في المدن ضروري للتقدم الاقتصادي([129]).
أما الجموع الكبيرة من المسلمين الذين بقوا في القواعد والثغور التي استولى عليها المسيحيون والذين سموا (بالمدجنين)، فقد كانوا يتمتعون بالطمأنينة في البداية في ظل ملوك قشتالة وأراغون، وكان يسمح لهم بالاحتفاظ بدينهم وشريعتهم ومساجدهم ومدارسهم، وكان لهم حق بيع العقارات وشرائها، وكان لهم قضاة يحكمون بينهم في سائر المنازعات وفقاً للشريعة الإسلامية([130]). وكان لهم هيئة أو جمعية في المدن الكبرى، تتولى تصريف شؤونهم، والعناية بمصالحهم، وتتكون من أعيانهم. وعلى الرغم من الحرية التي تمتعوا بها، فقد أخذ النصارى بعض مساجدهم، وحولوها إلى كنائس، ونص أحد بنود لائحة القوانين القشتالية، أن على النصارى واجب إقناع المدجنين باعتناق النصرانية دون استخدام القوة أو الضغط([131])، لكن هذه الحال أخذت في التبدل فازداد عدد المدجنين، وكانت الكنيسة تبغضهم وتنقم عليهم، وتحرض على استرقاقهم أو تنصيرهم، من ذلك ما أمر به البابا أنوسان الرابع سنة 1238م ملك أراغون خايمي الأول من وجوب استرقاق المسلمين، ولكنه لم يأبه، وسمح للمسلمين بالبقاء كمدجنين حين احتل بلنسية (636هـ) ([132]).
لكن لم يدم هذا طويلاً فقد أخذوا يتعرضون للاضطهاد، بتحريض من رجال الدين النصارى الذين كانوا يلومون الملوك على إظهار تسامحهم لهم ومعاملتهم بالرأفة، ونتيجة للإلحاح في التحريض، فقد كان النصارى يسومونهم سوء العذاب، وكانوا يساقون من بيوتهم إلى سوق النخاسة ويباعون بأبخس الأثمان، وكان الجند الذين لم يستوفوا رواتبهم من الخزينة، يأخذونها من أموال المسلمين المدجنين([133]).
وقد جاء في بعض الوثائق النصرانية، أن كثيراً من المدجنين قد لحقهم الاسترقاق، فعملوا كعبيد في فلاحة الأرض، وكخدم في بيوت النبلاء والقساوسة وفي الأديرة وفي الفرق العسكرية، كما صدر عن المجالس الكنسية التي عقدت سنة 1252م، عدة قرارات ضد المدجنين، فحرمت عليهم ارتداء ملابس ذات لون أبيض أو أخضر، أو استخدام حذاء أبيض، وحرمت عليهم إطالة شعر الرأس حتى لا يتدلى على الجبهة، بينما حرمت عليهم قص اللحى حتى تطول، كما حرمت عليهم العيش في بيوت نصرانية، أو استخدام نصراني في خدمتهم، أو شراء أراضٍ نصرانية إلا بعد استئذان الكنيسة، وأباحت قتل المدجن إذا اعتدى على امرأة نصرانية، وأباحوا لأهل المرأة عقابها أو حرقها إذا تزوجت أحد المدجنين([134]).
وقد آثر المسلمون سكنى الجبال على حياة الذل والمهانة، وخرجوا وكانوا يتعرضون للسلب والنهب من عصابات الإسبان أثناء خروجهم، وأنشئت فرق عسكرية تتولى طرد المسلمين وإجلاءهم عن البلاد بتأثير القُسس والرهبان وخرجت جموع النازحين بأعداد كبيرة([135]).
وثار المدجنون في مُرسية في يوم واحد، في البلاد الواقعة بين شريش ولقنت وأعلنوا ولاءهم وطاعتهم لمحمد بن الأحمر، مستولين على بعض القلاع والحصون والسهول. وكان إخماد هذه الثورة يتطلب وجود الملك شخصياً، لكنه عمد إلى حليفه ابن الأحمر، فاعتذر ابن الأحمر عن حرب أبناء دينه، فنقم عليه الملك وسارع نحو غرناطة لقتاله، فانتصر ابن الأحمر، مما رفع من معنويات المدجنين([136]).
وكتب الشعراء من أهل المغرب قصائد يستصرخون فيها المسلمين لرفع الظلم عن إخوانهم المستضعفين في بلاد الأندلس، ومنهم الشاعر مالك بن المرحل سنة (662هـ) يقول:
لهفاً على أندلسٍ من جنَّةٍ
دارَت بها من العدا جهنَّمُ
إن أمامَ البحرِ من إخوانكم
خلقاً لهُم تلفُّتٌ إليكمْ
ونحوكم عيونهُم ناظرةٌ
لا تطَعُم النومَ وكيف تطعمُ
أين المفرُّ لا مفرٌّ إنما
هو الغياثُ أو إسارٌ أو دَمُ([137])
هذه بعض صور المعاناة، لأهل المدن الأندلسية حين سقوطها وحصارها، وصور الامتهان والقسوة التي مارسها النصارى ضد المسلمين، ناقضين عهودهم بالأمان، غير مراعين إلاً ولا ذمة حتى في النساء والأطفال والشيوخ.
كانت هذه الأوضاع - كما اتضح بصورة غير مباشرة - سبباً في هجرة الكثيرين، دون إيراد الأوضاع الخاصة لكل شاعر بصورة محددة إلا ما ندر. من ذلك ارتحال يوسف ابن عتبة الإشبيلي([138]) من إشبيلية حين تولاها ابن هود واضطرمت لفتنته، وقدومه مصر هارباً من تلك الأحوال([139]).
أما أبو الحسن الميورقي([140]) فربما كان قد جيء به مع الأسرى الذين أتى بهم الفرنج إلى ساحل الشام، بعد احتلال جزيرة ميورقة سنة (627هـ) ([141]).
وقد تعرض أحمد بن فَرْح([142]) لأسر الفرنج سنة (646هـ) مما جعله يرتحلُ بعدها إلى المشرق، ويبقى في مصر إلى حين وفاته([143]).
وخرج أثير الدين أبو حيان([144]) ملتحقاً بالمشرق، بعد أن تصدّى للتأليف في الرد على أبي جعفر ابن الطباع وتكذيب روايته، لأنه قد نال من ابن الزبير أستاذ أبي حيّان، فرفع أمره إلى السلطان، ونُفّذ الأمر بتنكيله([145]).
وقد خرج بعض الشعراء لأسباب شخصية، من ذلك ارتحال عبدالرحمن بن محمد ابن عبدالملك بن سعيد([146]) إلى المشرق، بعدما جرى بينه وبين أقاربه ما استوجب خروجه([147]).