أنت هنا

قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 8

ج- الظروف السياسية

يعدّ القرن السادس الهجري من العصور الذهبية في تاريخ بلاد الشام على الصعيد السياسي، فقد كان عصر نور الدين الذي وحد الشام سياسياً، وقضى على الدويلات الضعيفة، ومهد لصلاح الدين الأيوبي توحيد مصر والشام بعد قضائه على دولة الفاطميين.

ولعل دراسة سياسة نور الدين وصلاح الدين تجاه الأندلسيين في مصر الشام، تسهم في إبراز أثر هذه السياسة على حمل صورة حسنة لدى المرتحلين عن سياسة الزنكيين والأيوبيين، مما جعلها عامل جذب لعدد كبير من المغاربة للارتحال إلى مصر الشام في القرن السابع الهجري، الذي كان يشهد فترات اضطراب وفتن في الأندلس.

فقد بعث نور الدين زنكي المذهب السني في دمشق، بعد قضائه على المذهب الشيعي، وأقام فيها المدارس واستحضر العلماء، وكان حريصاً على إقامة وحدة مذهبية، تكون عاملاً مدعماً للوحدة السياسية([187]). وقد وجد الأندلسيون بذلك المغريات التي تلائم عقيدتهم المذهبية، خاصة وأنهم مالكيون، ووجد حكام الشام في الأندلسيين عنصراً ملائماً لتطبيق سياستهم، فهم مالكية عاشوا في جو تسوده الوحدة المذهبية، إذ لم تقم في الأندلس قائمة لأي مذهب تعتبر السنّة خارجاً عنها([188]).

وقدم نور الدين زنكي للمغاربة الغرباء التسهيلات، ووقف عليهم الأوقاف، وأحسن وفادتهم، وقدم لهم ما يحتاجونه، وبلغ من اهتمامه بهم «أنه عين للمغاربة الغرباء الملتزمين زاوية المالكية بالمسجد الجامع المبارك أوقافاً كثيرة، منها طاحونتان، وسبعة بساتين، وأرض بيضاء، وحمّام ودكّانان بالعطارين، وأخبرني أحد المغاربة الذين كانوا ينظرون فيه، وهو أبو الحسن بن سردال الجياني المعروف بالأسود، أن هذا الوقف المغربي يغلّ إذا كان النظر فيه جيداً خمسمائة دينار في العام»([189]).

وقد أولى نور الدين افتكاك أسر المغاربة أهمية خاصة، وذلك لأنهم بعيدون عن بلادهم، ولا مخلص لهم، يقول ابن جبير. «وقد كان نور الدين رحمه الله، نذر في مرضة أصابته، تفريق اثني عشر ألف دينار في فداء أسرى من المغاربة، فلما استبل من مرضه، أرسل في فدائهم، فسيق فيهم نفرٌ ليسوا من المغاربة... فأمر بصرفهم وإخراج عوض عنهم من المغاربة، وقال: هؤلاء يَفْتَكُّهُم أهلوهم وجيراهم، والمغاربة غرباء لا أهل لهم»([190]).

واستمر الأيوبيون في سياستهم العادلة، وحسن معاملتهم للمغاربة، ولعل مآثر صلاح الدين لا تحصى في هذا المجال، فقد سار على نهج نور الدين، ووقف الأوقاف على المغاربة، «وأمر بتعيين حمامات يستحمون فيها متى احتاجوا لذلك، ونصب لهم مارستاناً لعلاج من مرض منهم، ووكل بهم أطباء يتفقدون أحوالهم، وخداماً ينظرون في مصالحهم، وعيّن لأبناء السبيل منهم خبزتين لكل إنسان في كل يوم غير ما عيّنه من زكاة العين لذلك»([191]). وكان طبيب صلاح الدين الخاص، من الأندلسيين، وهو عبدالمنعم الجلياني الذي كان يرافقه في حله وترحاله([192]).

وكان صلاح الدين معنياً بشؤون المغاربة والأندلسيين، متتبعاً لأحوال ملوكهم ودولهم، حتى رغب إلى طبقة من الكتاب والمؤرخين بالتصنيف في أخبارهم، فصنف له محمد بن أيوب الأنصاري كتاباً في أحوال المعتصم بن صمادح صاحب ألمرية، وصنف له كتاباً آخر في شعراء المغرب والأندلس([193])، وكان يطلب إلى سفرائه استقراء أحوال البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والتعرف على أوضاع أهلها، ونواحي حياتهم، جاء ذلك في إحدى وصاياه لسفير له وهذا نصها: «يُستَقْرى في الطَّريقِ وفي البِلادِ من أخْبارِ القَومِ في أحْوالِهِمْ، وآدابهم وأشغالهم، وأفعالهم، وما يحبون في القول نَزْرَهُ أو جمَّه، واللِّقاءِ مُنْبَسَطهُ أو مُنْقَبَضَه، ومن القعود بمجالسهم مُخَفَّفَهُ أو مُطَّوَلَه، ومن التحيات المتهاداة فيما بينهم ما صِفَتُهُ وما مَوْقِعُه، أهي السننُ الدينية، أم العوائدُ الملوكية»([194]).

وعمق من اهتمام صلاح الدين بشؤون الأندلسيين اشتراكهم بالحرب معه ضد الصليبيين، فقد استقبل صلاح الدين الأسير الأندلسي الذي قدمه الصليبيون هدية لصلاح الدين بحفاوة وتقدير وإعجاب([195])، كما كان المغاربة يرافقون الجيوش لتقديم الخدمات، مثل تحضير الطعام، وتجهيز الحمامات للجنود من أجل الاغتسال([196]).

سار أبناء البيت الأيوبي على نهج صلاح الدين من تقدير المغاربة وحسن معاملتهم، وإنشاء المرافق لهم، فقد أوقف الملك الأفضل ابن صلاح الدين المدرسة الأفضلية على فقهاء المالكية، وبجوارها أوقف قطاعاً من المدينة بجوار المسجد، أضحى معروفاً باسم حارة المغاربة على طائفة من المغاربة على اختلاف أجناسهم، ذكورهم وإناثهم([197]).

أما المماليك، فقد قربوا الأندلسيين والمغاربة وأحسنوا إليهم واعتنوا بحجاجهم، وقد نقل التجيبي في رحلته صورة من صور هذه العناية، عن السلطان المملوكي المنصور أبو الفتح لاجين في قوص، يقول: «كان ملك مصر والشام السلطان الأجل حسام الدين والدنيا أبو الفتح لاجين الملقب بالمنصور... يعتني بالحجاج، ويأمر بتسهيل طريقِهم، ويوصي بذلك عُمّاله ونوابه، ... ومما عايناه نحن من ذلك وسمعناه بآذاننا، وذلك في أول جمعة جمعناها بقوص المحروسة، في الثامن عشر لجمادي الثانية، المذكور من سنة ست وتسعين وستماية، إثر فراغنا من صلاة الجمعة قام رئيس المؤذنين، وأمر الناس بالقعود لسماع مرسوم كريم وصل من قِبَل السلطان إلى الفتح ... وكان مضمونه «أن لا يتعرض أحد من عُمّاله ولا نوابه لأحد من الحجاج، وأن تسقُطَ عَنْهُم الملازمُ كُلُّها التي تُؤْخَذُ منهم بِقُوص وغيرِها من بلاده، وأن يُتَرَك التعرُّضُ لَهُمْ جُمْلة»([198]). كما يصف العبدري معاملة المماليك لهم بالقاهرة ويمتدحهم بأنهم أصحاب العقائد السليمة، والتفضل على الفقراء، والتسهيل على الحجاج والمسافرين من المغاربة يقول: «وهم ركن الإسلام، نفعهم الله وأحسن عونهم، وقد رأيت من خدمتهم للركب، واحتياطهم وصبرهم .... ما تعجبت منه ....» ([199]).

ولعل تقريب المماليك للأندلسيين والمغاربة كان نابعاً من أهدافهم في تدعيم حكمهم بتقريب العلماء، ومن عُرفوا بالفضل والدين، وقد وجدوا في الأندلسيين ما يبحثون عنه لتمسكهم الكبير بسلفيه الدين([200])، وأكد ابن بطوطة ذلك في رحلته حينما ذكر أن بدمشق فاضلاً من كتاب الملك الناصر يسمى عماد الدين القيصراني، من عاداته أنه متى سمع عن وصول مغربي دمشق، بحث عنه وأحسن إليه، فإن عرف منه الدين والفضل أمر بملازمته، وكان يلازِمه منهم جماعة، وعلى هذه الطريقة سار غيرُه([201]).

وهذه الحادثة تؤكد سبب اهتمام المماليك بالعلماء والمهتمين بالتدريس أو الفقه من المغاربة والأندلسيين، وهو أن هؤلاء يشكلون دعامة لحكهم، لأن هذا الاهتمام لم يكن ليشمل العامة، لأنهم لا طائل منهم في تحقيق تلك الأهداف السياسية.

الصفحات