كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير
الأوضاع العامة في الأندلس
ويقصد بها الظروف والتبدلات في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأحوال التي كانت تمر بها الأندلس في القرن السابع الهجري، بسبب الفتن وسقوط المدن، وتأثيراتها في أوضاع المسلمين وتشكيلها عوامل سلبية لهم.
أ- الظروف السياسية
ضعف أمر الموحدين، وكثرت الفتن والثورات الداخلية، وقد بذل الموحدون ما استطاعوا، لكنهم كانوا أصحاب امبراطورية واسعة، تمتد حدودها من طرابلس شرقاً إلى مشارف المحيط الأطلسي غرباً، وكان من المستحيل أن يستمروا يحاربون في جبهات ممتدة، ولعل الجبهة الأندلسية كانت أضعف جبهاتهم، وأشدها خطراً، لكثرة الحروب والفتن المتوالية في الأندلس، وقد تماسكت هذه الجبهة بعد تضحيات كثيرة([12])، تداعت أيام محمد الناصر بن المنصور يعقوب بن يوسف عبد المؤمن (595-610هـ) في موقعة العقاب التي وقعت سنة 609هـ([13]) وكانت هزيمة المسلمين في هذه الموقعة نذير انحلال الجبهة الدفاعية الموحدية، ونذير انهيار الأندلس ذاتها، وقد عجّل بهذا الانهيار ما اضطرمت به الأندلس من ثورات جديدة، بددت قُواها في حروب أهلية، ومنافسات على الزعامة، كان لها آثارها السيئة في تفكك وحدة الأندلس وسقوط قواعدها الواحدة تلو الأخرى([14]) كما سنرى.
تولى الحكم بعد وفاة الناصر ابنه المستنصر يوسف (611-620هـ) فأدخل وهناً جديداً على الدولة بسبب انهماكه في ملذاته([15]). وتولى بعده عمه المستضيء عبدالواحد بن يوسف بن عبد المؤمن، ولم يكن أقل منه انشغالاً بالتنعم، ثم خلع وقتل، وملك بعده ابن أخيه عبدالله بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملقب بالعادل، الذي استأثر بالخلافة عنوة، ولما انتهى إلى أبي العلاء إدريس صاحب الأندلس، وكان يتولى قرطبة خبرُ أخيه العادل وما في خلافته من الاضطراب، دعا لنفسه بإشبيلية فبويع بها، وأجابه أكثر أهل الأندلس وتلقب بالمأمون سنة (624هـ) ([16]).
لم يوفق المأمون إلى حكم أقل اضطراباً من حكم أخيه، فدق كان يحكم بيد من حديد، وحاول تحطيم نظامي الخمسين والسبعين اللذين أنشأهما أمراء الموحدين وفقاً لتعاليم المهدي، وجعلهما هيئتين استشاريتين فقط، وقد أدت هذه السياسة الصارمة في المغرب، إلى خروج الأندلس من قبضة الموحدين([17])، وقيام الثورات والحروب الأهلية، حيث نادى النظامان ببطلان حكومة المأمون، وتولية أبي زكريا يحيى ابن الخليفة السابق محمد الناصر، وهو صبي في الرابعة عشرة من عمره، وأرسلوه إلى الأندلس لمحاربة المأمون وإسقاطه، فهزمه المأمون في معركة شديدة نشبت بينهما([18]) قرب شذونة([19]) وانتهز النصارى فرصة الحرب الأهلية بين المسلمين للقيام بغزوات عديدة، وعبروا الحدود الإسلامية، فتحول المأمون إلى محاربتهم واسترجع بعض الحصون([20]).
وقد ابتليت الأندلس في أثناء تولية الحكام الضعاف من الموحدين بالثورات والحروب والفتن الداخلية، فقد قام عبدالله البياسي سنة 623هـ بالأندلس، وكان العادل قد ولاّه قرطبة، فخلع دعوة العادل، وخرج عن طاعة الموحدين مستعيناً بالنصارى عليهم، ودلّهم على عورات البلاد، فتملكوا الأموال، وحاصر إشبيلية، وقاتله أبو العلاء إدريس المأمون وهزمه([21]) بعد أن استمرت ثورته ثلاثة أعوام، تنشر الاضطراب والدمار في أواسط الأندلس، وتمهد للنصارى اقتطاع القواعد والحصون شرقي قرطبة، مما أضعف خطوط الدفاع عنها، ومهّد لسقوطها([22]). وقام أبو جميل زيان بن مردنيش ببلنسية واستقل بحكمها، بعد أن طرد الموحدين منها، وبينما انحصرت حركة زيان ببلنسية، وإذا بدعوة محمد بن يوسف بن هود الجذامي سنة (626هـ) تجتاح مرسية وألمرية([23]) وغرناطة ومالقة([24]) وبطليوس([25])، وأعلن نفسه أميراً على مرسية، وخطب للعباسيين، ودانت له جيّان([26]) وقرطبة، ثم فقد الموحدون غرناطة، فثارت بلاد الأندلس على المأمون، ثم انقادت له، وخرجت بذلك عن ملك الموحدين عدا إشبيلية والجزيرة الخضراء([27]) على أن جهود ابن هود تلك، اصطدمت بمطامع الإسبان من ناحية، ومطامع الرؤساء الأندلسيين من ناحية أخرى([28])، وانتهى الأمر باغتياله في مرسية سنة 635هـ([29]).
وقام في أرْجونة([30]) محمد بن الأحمر سنة (629هـ) بعد صراعات شديدة بينه وبين ابن هود، واستطاع دخول غرناطة([31])، وإيقاع هزائم بابن هود، كان آخرها سنة (633هـ)([32])، كما استطاع أن يضم إلى سلطانه مدائن عدة هي: وادي آش([33]) وباجة([34]) وجيّان.
وقد أدى استمرار الأحقاد والمنافسات بين الأمراء الثلاثة (ابن زيان، وابن هود، وابن الأحمر)، إلى كثرة الاضطراب في كل ناحية، واختلال الأمن، وسادت الفرقة وتفاقم خطرها([35])، وبدت الأندلس كلها من مرسية إلى إشبيلية مكشوفة أمام أعداء يتربصون بها، وينتظرون فرصة للتقدم والاستيلاء على البلاد، وقد سار التقدم النصراني ابتداءً من العقد الثالث من القرن السابع الهجري بتيارات ثلاثة: الأول وجهته غرب الأندلس وتولاه أمراء البرتغال، والثاني وجهته حوض الوادي الكبير([36]) وتولاه ملوك قشتالة، والثالث وجهته شرق الأندلس وتولاه ملوك أرغون، وكانت هذه الجبهات تقف صفاً قوياً أمام المسلمين، بالإضافة إلى تميز ملوكها بالقدرة السياسية، والتصميم على حرب المسلمين([37]). فعلى سبيل المثال، كان توحيد ليون وقشتالة عام 1230م مجدياً زمن الملك فرديناند (1217-1252م) لأنه استطاع استثمار هذه الوحدة في حصد الكثير من الانتصارات على المسلمين، ولولا فاته، لما بقيت غرناطة في أيدي المسلمين مدة أطول([38])، ولم يأتِ النصف الثاني من القرن السابع الهجري حتى كانت ولايات الأندلس الشرقية والوسطى قد سقطت كلها في يد الإسبان، ولم يبق سوى بضع ولايات صغيرة في طرف إسبانيا الجنوبي([39]) فقد استولوا على تُطيلة([40]) سنة (612هـ)، وعلى لوشة([41]) (622هـ) وماردة([42]) (626هـ)، وسقطت جزيرة مَيورقة([43]) (627هـ) وأبَّدة([44]) (631هـ) ثم تلتها قرطبة (633هـ)، وبياسة([45])، وإستجّة([46]) والمُدور([47]) (634)، وبلنسية (636هـ)، وشاطبة([48]) ودانية([49]) (638هـ)، ولقنت([50]) وأوريولة([51]) وقرطاجنة([52]) (640هـ)، ومرسية (641هـ) وجيان 644هـ ثم إشبيلية (646هـ)، واجتاحت غرب الأندلس في الوقت نفسه، موجة مماثلة للغزو النصراني، فسقطت بطليوس، وشنتمرية الغرب([53]) سنة (647هـ) وولبة (أَوَنْبة)([54]) (655هـ) وشِلْب([55]) وطَلَبيرة([56]) (659هـ) ثم سقطت قادس (660هـ)، وتلتها شريش([57]) (662هـ)، وهكذا...
ولما تفاقم عدوان القشتاليين وضغطهم، لم ير ابن الأحمر مناصاً من أن يخطو خطوة جديدة في مهادنة ملك قشتالة، فتنازل له في أواخر سنة (665هـ)، عن عدد كبير من البلاد والحصون، منها شريش، وقيل إن ما تنازل عنه بلغ أكثر من مائة موضع، معظمها غرب الأندلس([58]). ولم يبقَ بيد العرب المسلمين سوى غرناطة وضواحيها، يحكمها بنو الأحمر.