أنت هنا

قراءة كتاب إرادة التكوين في الجنس البشري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إرادة التكوين في الجنس البشري

إرادة التكوين في الجنس البشري

كتاب " إرادة التكوين في الجنس البشري" ، تأليف أريان عبد الوهاب باجلان ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

الجنس والحياة النفسية والعقلية

هنالك آراء وافتراضات عديدة حول موضوع العلاقة بين حياتنا الجنسية وحياتنا النفسية والعقلية واثر الواحد منهما على الأخر ، ويتضح للمتتبع لهذا الموضوع وجود تطرف وتباين في هذه الآراء والى حد التعارض . فهنالك مثلا من ينظر إلى حياتنا الجنسية بأنها غريزة حيوانية ولا أهمية لها في حياتنا الإنسانية ، وهنالك على عكس ذلك من يعطي الحياة الجنسية أهمية قصوى في الحياة الإنسانية والى الحد الذي ينفي فيه إمكانية الوصول إلى نمو نفسي صحيح بدون مشاركة نمو مماثل لحياتنا الجنسية . وبين هذين الاتجاهين المتباعدين فان هنالك آراء أخرى تقوم على أساس الملاحظة والتجربة والوقائع الفعلية ، وكلها تؤيد الاستنتاج بان الرابطة وثيقة بين حياتنا الجنسية وبين حياتنا النفسية والعقلية في حالات الصحة وحالات المرض على حد سواء ، وبان هنالك تأثيرا متبادلا للواحدة منهما على الأخرى وان كان هنالك بعض الاختلاف حول تفسير طبيعة هذه العلاقة وكيفية فعلها وحجم هذا الفعل . ولعل من المفيد ان نستعرض بعض الآراء الواردة في الموضوع والتي تمتد منذ الحضارات القديمة وحتى الآن ، مما يبين اهتمام الإنسان المتواصل بأمر هذه العلاقة ويؤكد أهميتها في حياة الإنسان .

لعل جالينوس ، الطبيب الروماني الشهير في القرن الثاني بعد الميلاد ، كان أول طبيب تناول العلاقة بين النفس وبين الجنس ، فقد جاء بالملاحظة بان احتباس مني الرجل ، وتأخر الأنثى في حيضها كلاهما يساهمان في خلق حالة من عدم الاتزان في الحياة النفسية للذكر أو الأنثى والى ظهور القلق في كل منهما ، كما لاحظ وجود علاقة بين ظهور اعراض المرض الهستيري وبين تعذر العلاقة الجنسية ، وهي الملاحظة التي كانت سائدة في زمن ابقراط من ان جفاف الرحم بسبب امتناع العلاقة الجنسية يدفع الرحم إلى التنقل من مكانه إلى أعضاء الجسم وإطرافه بحثا عن الرطوبة . وبذلك تحدث الأعراض الهستيرية المتنقلة والتي تعانيها الأنثى فقط . وأخيرا فان جالينوس أدرك الفائدة العلاجية التي تصيب المريض سواء بممارسة العلائق الجنسية أو بالاستمناء وهي الممارسة التي تؤدي إلى إزالة التوتر في نظره . وفي حضارات أخرى قديمة بما فيها الحضارة الهندية والصينية . اعتبر مني الذكر مادة حيوية وثمينة وذات علاقة ليس فقط بالقوة والنشاط الجسمي بل بالقوة والنشاط العقلي ، ولهذا اقتضي عدم هدر وتبذير هذه المادة والإسراف في صرفها ، وبسبب ذلك فان حضارات عديدة قد أدانت ممارسة العادة السرية . ومن الذين ابدوا رايا حازما بإدانة الإسراف الجنسي وأثره على الحيوية والحياة النفسية والعقلية هو الطبيب العربي الرازي . فقد جاء في كتابه المسمى بالطب الروماني بأن ايثار اللذة في الجماع له ان((يضعف البصر ويهد البدن ويخلقه ويسرع بالشيخوخة والهرم والذبول ويضر بالدماغ والعصب ، ويسقط القوة ويوقعها .. ولذلك ينبغي للعاقل ان يزم نفسه عنه ويمنعها منه ويجاهدها على ذلك لئلا تغرى به وتضرى عليه)) وقوله ايضا في هذه اللذة بأنها ((فاما البدن ، فانه كلما ازداد استهتارا باللذات المحسوسة وانهماكا فيها ، ادت لذاته بالقوة البهيمية التي في الإنسان ، وبعدته من تمام طبعه وشرائط انسانيته)) وهكذا فان الرازي يجد في الجنس ولذاته ما يمثل غلبة الغريزية الحيوانية على النواحي الإنسانية في حياة الإنسان . وفي عصرنا هذا فان هنالك الكثير من الآراء التي تؤكد على أهمية النواحي الجنسية وتاثيرها على الشخصية والسلوك الطبيعي منه وغير الطبيعي ، وعلى الحياة النفسية والصحة العقلية ، وهنالك الكثير من البيانات التي تفيد بان الحياة الجنسية تضطرب بنتيجة اضطراب الحياة النفسية والعقلية ، وبان النشاط الجنسي يمكن له ان يقدم وان يعيق من حظ هذه الامراض في الشفاء . وهنالك بيانات أخرى بان اضطراب الحياة الجنسية والعطل الجنسي من نوع أو آخر لها ان تؤدي في بعض الناس إلى اضطرابات نفسية عاطفية أو سلوكية .

ان هنالك القليلين في هذا العصر ممن يذهبون إلى الحد الذي ذهب فرويد في إعطاء الأهمية المطلقة للجنس في تكوين البناء النفسي للإنسان ، وقد هنالك اليوم من يأخذ بعقيدة المدرسة التحليلية الفرويدية على علاتها من ان الصراعات النفسية الناجمة عن الرغبات الجنسية والتي لم تحل في حينها ، فانها تؤثر في النمو النفسي الجنسي لصاحبها ، وبان لذلك التاثير ان يؤدي إلى النهي الجنسي (العطل) أو الانحراف الجنسي والى إمكانية قيام المرض النفسي . ومن الآراء الواردة في هذا العصر الرأي بأنه يحتم على الفرد ان يسيطر على دوافعه الجنسية في فترة المراهقة ، وإلا فان لفقدان هذه السيطرة أو تؤثر على صحته العقلية ومن الآراء التي تتناقض مع الرأي بأهمية الجنس في حياتنا النفسية ، رأي ماسرمان Masserman (1966) ورأي هنت Hunt (1965) فالأول بينما يقر بان السلوك الجنسي يحفز بالحاجات الفيزولوجية ، إلا انه لا يجد أهمية في الرغبة الجنسية في حد ذاتها ، ذلك لان هذه الرغبة طارئة ودورية وعابرة وبالامكان الاستغناء عنها . اما الثاني ، فانه يرى بان السلوك لا يحفز بالحاجات الفيزيولوجية الجنسية ، وبأنه لا توجد علاقة بين العاطفة وبين حياتنا الجنسية . وبتضارب هذه الآراء عن العلاقة بين الجنس وبين النفس ، فان هنالك بينات تعطى لإسناد وجهة نظر أو أخرى مضاربة له . فهنالك بينات من ان الكثيرين من الناس يتمتعون بحياة جنسية طبيعية ، بينما هم يعانون من امراض نفسية أو عقلية ، وهنالك بيانات معاكسة تظهر بان نسبة المصابين بمرض نفسي أو اضطراب عاطفي أو عقلي هي اكثر بكثير من المعتاد أو اولئك الذين يعانون من انحرافات جنسية .

ومن الآراء التي تؤكد العلاقة بين الجنس وبين النواحي النفسية والعصبية والعقلية في حياة الفرد ، خاصة في حالات الإسراف في هدر الطاقة الجنسية ، ما رآه هرمان بويرهافي Boerhaave (1668-1738) بان الإسراف الأهوج في المني يؤدي إلى النحول والوهن وضعف الحركة ، والى حدوث النوبات العصبية والضمور الجسمي والى إضعاف الأحاسيس وألم الأغشية الدماغية . اما فردريك هوفمان (1960-1742) فقد رأى بان الاستسلام لعادة الاستمناء يؤدي إلى ضعف الذاكرة بسبب إجهاد الجهاز ، العصبي . ورأى جون براون (1753-1788) بان التماس المتبادل بين الجنسين كالذي يحدث في التقبيل أو في وجود الجنسين معاَ ((فانه يعطي قوة دافعة للأعصاب ، اما الجماع في حد ذاته فمع انه يعطي راحة مؤقتة ، إلا انه يمكن له ان يطلق طاقة عاتية اذا ما أسرف فيها فان لها ان تسبب المتاعب . ومن آراء تيسوت Tissot (1722-1776) ان الإسراف الجنسي يؤدي إلى ضباب الفكر وحتى إلى حالة في بعض الناس ، كما يؤدي إلى انحلال القوى الجسمية والى إضعاف المقدرة على التخصيب ، والى العنة والقذف المبكر وغيرهما من انواع العطل الجنسي

وفي القرن التاسع عشر بصفة خاصة اتجه الاهتمام إلى بحث الحياة الجنسية بجانبيها البايولوجي والنفسي ، وكان مول Moll وفليس Fliess وكرافت ابنج Kraft-Ebing وهافلوك أليس ، وأخيرا فرويد ، اهم المعنيين بدراسة هذه الحياة . وقد استطاع فرويد ان يوحد بين مختلف الاتجاهات والآراء لمعاصريه ، وان يربط بين الحياة الجنسية وبين الحياة النفسية ، وجاء هذا الرابط عن طريقين ، اولهما الربط بين الجنس وبين النفس في نمو الشخصية من الطفولة حتى الرشد ، واصطلح لذلك الربط مصطلح النمو الجنسي النفسي Psychosexual Development ، اما الاتجاه الثاني فهو يتضح من محاولات فرويد استغلال باثولوجية (مرض) الجنس لتفسير باثولوجية النفس (السايكوباثولوجي) . وقد جاءت مع هذا الربط نظريات فرويد المختلفة الجنسية الطفولية، وادوار النمو النفسي الجنسي ومركب اوديبوس ، والصراع النفسي ، والكبت وما يترتب على ذلك من حالات نفسية .بالنظر لتعدد العوامل المؤثرة في تكوين كل من الحياة النفسية والحياة الجنسية للفرد ، فان من الصعب تقرير اسس العلاقة التي تربط بينهما ، وكل ما يمكن بيانه عن هذه العلاقة هو ملاحظة نتائج فعل الواحد منها على الآخر . وفي ملاحظة هذه النتائج يجب الانتباه إلى ان ما نلاحظه من هذه النتائج ما هو إلا من فعل عوامل اساسية تقرر الاضطراب في كل من المجال النفسي والجنسي ن وليس بنتيجة فعل واحد منهما على الآخر .

الصفحات