كتاب " الاقتصاد الإسلامي " ، تأليف د. سعيد علي العبيدي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الاقتصاد الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2-2: مصادر الاقتصاد الإسلامي:
أن مصادر الاقتصاد الإسلامي هي:
2-2-1: المصادر الأساسية:
وتضم المصدرين الأساسين الآتيين:
2-2-1-1: القران الكريم:
القرآن الكريم هوالمصدر الأول للشريعة الإسلامية التي تنظم حياة الفرد والمجتمع المسلم في جميع جوانبها ومنها الجانب الاقتصادي. والقرآن الكريم هوالمصدر لكل فكر أوتطبيق لشأن من شؤون المسلمين. لقد تضمن القرآن الكريم آيات كثيرة ذات مضمون اقتصادي. منها ما ينظم نظرة الإنسان المسلم إلى المال والموارد الاقتصادية التي بين يديه. إذ تبين أن المالك الأصلي لهذه الموارد بل لكل ما في الوجود هوالله تعالى كما في قوله تعالى: " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ" (المائدة 120). وقوله تعالى: " وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا" (الزخرف 85). وأن الإنسان هومستخلف في هذه الموارد ومخول فقط بالتصرف فيه على وفق ضوابط معينة كما في قوله تعالى: " آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (الحديد7). وقوله تعالى: " وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ" (النور33). لقد تضمن القرآن الكريم أيضا آيات تناولت مواضيع اقتصادية إجمالية مثل تحريم الربا، ومشروعية التجارة " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275). وكذلك تحريم أكل أموال الناس بالباطل، كما في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء:29). وفي إبرام العقود وضرورة الالتزام بها قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ" (المائدة:1).
هذا وقد فصل القرآن الكريم بشيء من التفصيل في بعض المواضيع كما في موضوع الميراث إذ قال تعالى " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا " (النساء:11). وكذلك هناك تفصيل مشابه في ما يسمى بآية الدَّين " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (البقرة:282).
من الآيات الكريمة السابقة نستدل على أن القرآن الكريم قد تضمن أحكاماً شرعية اقتصادية يجب على المسلم الأخذ بها اعتقاداً وعملاً. ولكن القرآن الكريم هوكتاب عقيدة بالدرجة الأولى لذلك نجده يفصل في هذا المجال أي تفصيل. ومن المؤكد أن القرآن الكريم ليس كتاب اجتماع أوسياسة أواقتصاد أوفلك ولكنه يشير إلى تلك المواضيع إشارة إجمالية ويرسم فقط خطوطها العريضة، ويترك المجال فسيحاً أمام مصادر التشريع الأخرى لتبيان التفاصيل أوتحديد التطبيق العملي لهذه الاحكام بما يتلاءم مع كل زمان ومكان ولكن ضمن الإطار العام الذي يحدده القرآن الكريم. فالقرآن الكريم يأمر المؤمنين بعدم أكل أموال الناس بالباطل. ولكنه لم يفصل جميع صور هذا الباطل لأنها قد تكون متجددة. وكذلك الحال عندما يأمر القرآن الأخذ بنظام الشورى لم يحدد صيغة بعينها يتم التشاور على وفقها. بل يبقي اختيار الصيغة حسب تطور المجتمع الثقافي وتطور طرق المواصلات وسبل الاتصالات وما شابه ذلك.
من كل ما سبق نستنتج بأن القرآن الكريم هوالمصدر الأول الذي ينهل منه علم الاقتصاد الإسلامي قوانينه ومبادئه وأحكامه وغاياته. ويجتهد الاقتصادي المسلم في وضع السياسات الاقتصادية الكفيلة بإحالة هذه القوانين والأحكام والمبادئ إلى واقع عملي يعيشه المسلمون في حياتهم الاقتصادية.
2-2-1-2: السنة النبوية
تعد السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وهي كذلك بالنسبة للأفكار والنظم والتطبيقات الاقتصادية الإسلامية. إن السنة النبوية تتضمن تفصيلاً وتوضيحاً لأحكام القرآن الكريم وكذلك تتضمن إنشاء أحكام جديدة لم يتطرق إليها القرآن الكريم. والرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يحيل كتاب الله وشرعه إلى تطبيق عملي مشاهد في جميع نواحي الحياة ومنها الناحية الاقتصادية.
إن المسلمين مأمورون بنص القرآن الكريم بإتباع السنة النبوية، وإن حياة المسلم لا تستقيم بالاستغناء عنها. إذ يقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء: 59) وكذلك قوله تعالى " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٣﴾إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾" (النجم:3-4).
لقد احتوت السنة النبوية أحاديث كثيرة عن تنظيم جوانب اقتصادية مهمة مثل تقنين علاقة الإنسان المسلم بالمال المستخلف فيه. وفي جميع مراحل العملية الاقتصادية من إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك. وسوف يأتي تفصيل ذلك في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى.
من الجدير بالذكر القول بأن السنة النبوية لا تمثل بمفردها برنامج عمل لجميع السلوك الاقتصادي للفرد والمجتمع وفي كل زمان ومكان. بل هي ترسم خطوطاً عريضة وأحكاماً عامة - أكثر تفصيلاً مما هو موجود في القرآن الكريم - يهتدي بها في استخلاص السلوك الاقتصادي الصحيح على صعيد التفاصيل الجزئية أو على صعيد ما يستجد من تطبيقات في حياة المجتمع الاقتصادية التي من شانها التجدد والتطور المستمرين.
2-2-3: المصادر التبعية:
لقد ترك القرآن الكريم والسنة النبوية المجال واسعاً أمام أجيال المسلمين لاستنباط الأحكام لما يستجد لهم من مشاكل وتساؤلات تنشأ بعد عصر النبوة. حيث إن الحياة متطورة بطبيعتها. وقد لا يجد المسلمون حلولاً جاهزة بتفاصيلها في القرآن الكرام أوفي السنة النبوية، فما عليهم والحالة هذه إلا أن يجتهدوا في ضوء الاحكام العامة التي أقرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لاستخراج الحكم الشرعي لما يستجد من مسائل. وقد رتب علماء المسلمين مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم والسنة النبوية بالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والعرف …الخ. هذا فضلاً عن أن الكثير من أنواع السلوك الاقتصادي لا يمكن تقنينه مسبقاً بل أن تحديده يختلف من حالة إلى أخرى. مثل التأكيد على صناعة دون أخرى، أواختيار أسلوب تكنولوجي دون آخر … وما شابه ذلك.
2-2-4: المعرفة الاقتصادية:
لقد تطورت المعرفة الاقتصادية تطوراً كبيراً أفقياً بشمولها مجالات اقتصادية واسعة وعمودياً من خلال الدقة والعمق في التحليل بحيث لا يمكن للمهتم بالشؤون الاقتصادية الاستغناء عنها.
إن المعرفة الاقتصادية تضم الكثير من المفاهيم والقوانين والنظريات التي تفيد وتساعد الباحث في تفسير الظواهر الاقتصادية المشاهدة والتنبؤ بمستقبلها على وفق افتراضات معينة ومقبولة. كذلك تضم المعرفة الاقتصادية جهازاً مفاهيمياً موصفاً بدقة لا غنى لأي باحث اقتصادي عنه مهما كان مذهبه الاقتصادي.
إن الجزء الذي نتكلم عنه من المعرفة الاقتصادية يتصف بكونه محايداً وعملياً ولا يتصف بأية صفة قيمية أومذهبية. مثال ذلك قوانين العرض والطلب، وشروط التوازن في الأسواق المختلفة، وقانون تناقص الغلة ووفورات ولا وفورات الحجم، والوفورات واللاوفورات الخارجية، وأثر الضرائب والإعانات في الاقتصاد القومي. وكذلك أساليب التحليل الرياضية والإحصائية والبيانية … الخ.
إن هذا النوع من المعرفة الاقتصادية يمكن أن نشبهه بجدول الضرب أو العمليات الرياضية الأربع… التي تستخدم من قبل كل باحث مهما كان مذهبه. لذلك نقول إن أي دارس للاقتصاد الإسلامي يجب أن يكون ملماً إلماماً كافياً بالمعرفة الاقتصادية الحديثة. حيث يستخدمها لدعم آرائه الاقتصادية الإسلامية. وكذلك يوظفها لمساعدته في تحقيق أهدافه الاقتصادية من خلال رسم السياسات الاقتصادية التي تكون ناجحة إذا ما استندت على تحليل اقتصادي نظري علمي رصين.