كتاب " الاقتصاد الإسلامي " ، تأليف د. سعيد علي العبيدي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الاقتصاد الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الملكية في الاقتصاد الإسلامي
يعد موضوع ملكية الثروة في الاقتصاد من أهم ميادين التمايز بين النظم الاقتصادية المختلفة فنلاحظ أن النظام الرأسمالي يؤكد على الملكية الفردية وأن للفرد حرية تامة في التصرف بما يملك أثناء حياته وبعد مماته. أما في النظام الاشتراكي (المخطط مركزياً) فإنه يؤكد على ملكية الدولة لجميع وسائل الإنتاج والتصرف فيها يكون من اختصاص الدولة. أما الملكية في النظام الاقتصادي الإسلامي فهي ملكية استخلافية. تقوم على ما يسمى بمبدأ الاستخلاف والمستمد مضمونه من القرآن الكريم المصدر الأول للاقتصاد الإسلامي.
3-1: مبدأ الاستخلاف
إن مبدأ الاستخلاف من المبادئ الأساسية التي يؤمن بها المسلم إذ ينظم هذا المبدأ علاقة المسلم بما تحت يده من أموال. من خلال ضوابط وقيود تضمن حسن استخدام هذه الأموال وتحول دون إساءة استخدامها.
يبين القرآن الكريم أن الله تعالى هوخالق الكون " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ" (السجدة:4). وخالق الشيء وبادئه هو مالكه ملكية مطلقة " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (المائدة:120)، " وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (الزخرف:85). هذه ملكية لا يشاركه فيها أحد " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ" (الإسراء: 111).
إن المسلم يؤمن بالضرورة بما تقرره هذه الآيات من أن الملك جميعه لله تعالى، وأن المالك المطلق وحده له حق التصرف المطلق بما يشاء من ملكه. وأنه سبحانه قد امتن على عباده بأن سخر لهم هذا الملك لينتفعوا به ويستعينوا به لأداء مهمتهم في العبادة. " أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ" (لقمان:20)، " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثـية:13).
لقد أتم الله نعمته على الإنسان بأنه استخلفه في بعض ملكه " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة: 30)، وقال تعالى " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (الأنعام:165). وقد قضت حكمة المستخلف سبحانه أن يبين للإنسان المَُستخلَف طريقة التصرف في المال المستخلف فيه، ولم يكله إلى نفسه بل أرسل له الرسل ليهديه إلى أسلوب التعامل الصحيح مع ما استخلف فيه. وقد رتب الله تعالى الثواب والعقاب على مدى الالتزام بهدي الله المبلغ للناس عن طريق الرسل " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴿١٢٣﴾وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴿١٢٤﴾" (طـه:124)، ومن الضروري التأكيد على أن نتائج الالتزام بهدي الله أوعدمه لا تظهر في الحياة الآخرة فقط بل تظهر في الحياة الدنيا أيضاً على شكل سعادة عيش أو ضنك.
إن كل نشاط اقتصادي يزاوله المسلم واقع ضمن التكليف. أي يثاب عليه إن أحسن ويعاقب عليه إن أساء. وهكذا تضفى على الملكية الاستخلافية صبغة عقدية وحكم شرعي يترتب عليه تبعات دنيوية وأخروية على المستخلفين([10]). وهذا يعني أنه في الإسلام وحده يملك الإنسان المسلم في أن واحد أن يعيش لدنياه وهويعمل لآخرته. وأن يعمل لله وهويعمل لمعاشه، وأن يحقق التزامه الديني من خلال مزاولة نشاطه اليومي في عمارة الأرض ومباشرة أمور الرزق. ولا يتطلب كل ذلك إلا إخلاص النية لله تعالى فيما يقوم به من أعمال. إذ أن النيات تقلب العادات إلى عبادات.
عندما نقرأ القرآن الكريم نجد فيه ثلاثة مواقف متناسقة تجاه المال والثروة تنظم هذه المواقف حقيقة ما يجب أن تكون عليه نظرة وعلاقة الإنسان بالمال المستخلف فيه. ولكل موقف أهداف يراد إبلاغها وترسيخها.
3-1-1: الموقف الأول:
نسبة المال إلى الله تعالى:
ورد هذا الموقف في آيات كثيرة منها قوله تعالى " وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ" (النور: 33)، وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ" (البقرة: 254) وقوله تعالى " آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (الحديد: 7)، وكذلك في مواضع أخرى من القرآن الكريم تنسب الأموال إلى الله تعالى. وهذا الموقف ينسجم مع ملكية الله تعالى المطلقة لما خلق من سماوات وأرض وما فيهما. وغالباً ما يرد هذا الموقف عندما يراد التوجيه والإرشاد إلى البذل والإنفاق في سبيل الله تعالى.
ومن أهداف هذا الموقف أنه يذكِّر الناس بأن ما يملكون من أموال هي ملك مطلق لله تعالى وليست لهم. وأن سلطانهم عليها محدود لا يتجاوز الالتزام بمهام الخلافة لذلك عليهم أن يلتزموا بأوامر ونواهي المالك الأصلي، فيما يخص جمع الأموال واستغلالها وإنفاقها … وإلا فلا يكونون ملتزمين بشروط الاستخلاف الإلهي وسيكونون ناقضين لهذا العهد وسوف يحاسبون على ذلك([11]).
لقد أجمع الفقهاء على أن العباد لا يملكون الأعيان، وإنما مالك الأعيان خالقها سبحانه، وأن العباد لا يملكون سوى الانتفاع بها على الوجه المأذون فيه شرعاً فمن كان مالكاً لعموم الانتفاع فهوالمالك المطلق ومن كان مالكاً لنوع منه فملكه مقيد([12]).
إن في هذا التقرير ضمان للالتزام بحسن التعامل مع الأموال كسباً واستغلالاً وإنفاقا، يستمد من إيمان المسلم بالآيات الكريمة السابق ذكرها، وما تقرره من التزام بأوامر ونواهي الشارع الحكيم.