أنت هنا

قراءة كتاب تاريخ الفكر الاجتماعي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تاريخ الفكر الاجتماعي

تاريخ الفكر الاجتماعي

كتاب " تاريخ الفكر الاجتماعي " ، تأليف نبيل عبد الحميد عبد الجبار ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ووما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

والواقع، أن الطقوس لم تكن تقتصر على ذلك فقط، وإنما كانت تشمل، أيضاً طقوساً رمزية تجري على مستوى السلطة التي تدير المجتمع. إذ كانت هذه السلطة، ممثلة في شخص الملك، تخضع هي الأخرى لعملية (تجديد) كل سنة، ففي بداية فصل الشتاء، كان يُقام احتفال ديني خاص في المعبد، يحضره رجال الدين وعامة الناس، أو من ينوب عنهم، لكي يسمعوا اعترافات الملك، بعدما يتم تجريده من سلطاته من قبل رئيس الكهنة، فتجري عملية مراجعة للأعمال التي قام بها الملك، لمعرفة أخطائه وقراراته الخاطئة، وأفعاله السيئة، واعترافه بها، أمام رئيس الكهنة وأمام رعيته، ثم بعد ذلك، (بعد أن يتطهر الملك من آثامه وخطاياه)، يُعيد رئيس الكهنة إلى الملك سلطاته مجدداً، وتبعاً لذلك، يمكن القول، أن عملية (التجديد) التي كان يشهدها المجتمع الرافديني القديم، كانت تحدث على مستويين هما: تجديد على مستوى السلطة السياسية العليا، وتجديد على مستوى الحياة اليومية لمجتمع إنساني، حسب تبدلات مناخية وأحداث كونية.

نظام الحكم وانعكاس تأثيره على التركيب الاجتماعي:

لقد بات من الثابت، إن الإنسان منذ وجوده، كإنسان، لم يعش بمعزل عن غيره من أفراد من نوعه من البشر. فهو قد عرف الحياة (الجماعية) بشكل متدرج، بدءاً بالأسرة، ثم العائلة الكبيرة الموسعة، ثم القبيلة، ثم (المشتركات) بأشكالها المختلفة. وفيما يتعلق بالمجتمع الرافديني العراقي القديم، يمكن القول، إنه قد تركب من طبقتين أساسيتين هما: الطبقة الحاكمة، والطبقة المحكومة.

أولاً: الطبقة الحاكمة: وقد ضمت الطبقة الحاكمة في المجتمع الرافديني- العراقي القديم ثلاث فئات اجتماعية هي: الفئة الدينية، والفئة البيروقراطية، والفئة العسكرية.

‌أ. الفئة الدينية: وأهم ما يميزها، بوجه خاص، إن مركزها الاجتماعي يتحدد من خلال الوظيفة والممارسات الدينية التي تضطلع بها. وتشمل هذه الفئة، بوجه عام، هيئة الكهنة بكل أصنافهم ومراتبهم. وكان على رأسها (الكاهن الأعظم). وكانت له مكانة عالية، حتى أن منصبه ما لبث أن صار مطمح أنظار العائلة المالكة، فالملك كان يقوم بتعين أبنائه وبناته، أو أحد أعضاء عائلته الآخرين لإشغال هذا المنصب.

وتتجلى أهمية (الكاهن الأعظم) إذا ما علمنا أن تعيينه في هذا المنصب كان يتم بقرار من الملك، بعد استشارته (الإله) وظهور إرادة هذا الأخير، بهذا الخصوص، جلية من خلال (نبوءة واضحة). لكن هذه الأهمية تتجلى أكثر إذا ما تعرفنا على اختصاصاته الدنيوية، التي كان يمارسها، علاوة على اختصاصاته الدينية. ذلك أنه كان يحظى، في الوقت نفسه، بمنصب (الحاكم – إيشاكو)، الذي من مهامه السيطرة على مخازن الغلال، والإشراف على تثبيت الحدود الخاصة بالحقول، ومراقبة توزيع حصص الأرض على مستحقيها من عامة الناس، وتعيين المهام التي تتطلبها أعمال السخرة، سواءً في الأرض الخاصة بالمعبد أو في قنوات الري. وإلى جانب (الكاهن الأعظم)، كانت توجد أصناف أخرى من الكهنة، مثل (المنبئون) و (المعوذون)... وغيرهم.

تستفيد من إمتيازات عديدة، فبالإضافة إلى المرتبات العينية التي تتلقاها، كانت هذه الفئة تهيمن على القرابين المقدمة إلى الآلهة، كما إن الكهنة، من ذوي المراتب العليا، كانوا يمتلكون العقارات.

والواقع، أن الهيمنة التي كانت تمارسها هذه الفئة على الملك كان يصاحبها، في الغالب، تعزيز مكانتها الاقتصادية، الأمر الذي كان يفتح الباب أمام الصراع بين هذه الفئة والفئات الأخرى.

‌ب. الفئة البيروقراطية: وكانت هذه الفئة تتميز بأن مركزها الاجتماعي يتحدد من خلال الوظيفة والممارسات الحكومية التي تضطلع بها. والواقع أن هذه الفئة كانت تصنّف وفق المركز الذي يحتله أعضاؤها على درجات سلّم السلطة، إلى صنفين أساسيين: الأول عمودي، والآخر أفقي.

فعلى المستوى العمودي تتمثل هذه الفئة من كبار رجالات الدولة: كالملك، والموظفين المسؤولين، والموظفين التابعين. أما المستوى الأفقي فيتمثل في امتدادات الشبكة البيروقراطية إلى الأقاليم الأخرى التابعة للسلطة المركزية – (أي الحكام المحليين ومن هم أدنى منهم من الموظفين الذين يتم تعيينهم من قبل السلطة المركزية).

وعلى رأس هذه الفئة البيروقراطية كان يأتي (الملك). وكان الملك يتمتع بموارده الخاصة التي كانت تأتيه عن طريق الإرث، أو ما يحصل عليه عن طريق الغنيمة التي تقترن بها الفتوحات العسكرية، وهذه الموارد كانت تتخذ شكل الهبة التي تمنّ بها الآلهة عليه.

ولقد أتاح هذا المستوى المادي المتميز للملوك، أن يدّعوا بأنهم ينحدرون من أصلٍ اجتماعي متميز، باعتبارهم سليلي عرق فريد كانت (الآلهة) قد باركته.

وإلى جانب الملك كانت توجد حاشيته، التي كانت تستمد مركزها الاجتماعي من علاقتها به. وكانت تشمل عادة نساءه وخليلاته وأعضاء عائلته وبطانته وخدمه.

وبعد الملك وحاشيته، يأتي الموظفون الأساسيون. وهؤلاء يتمثلون بـ (هيئة الكتبة) التي يشرف عليها كاتب أعظم.

ويمكن أن نميز من بين هؤلاء الموظفين، السياسيون. وهذه الجماعة كان يتم إعدادها بطريقة متميزة، فقد كان يتم إعدادها في الهياكل لممارسة الوظائف المقدسة، قبل انتقالها إلى ممارسة العمل في الوظائف الحكومية.

وبعد كبار الموظفين، أو الموظفين الأساسيين هؤلاء، يأتي الموظفون التابعون. وهؤلاء كانوا يتكونون، أساساً، من الكتبة والمستخدمين التابعين، الذين كانوا يضطلعون بمهام سكرتيريي البلاط والحكومة المركزية والمكاتب الإقليمية والمحلية.

وبعد هؤلاء يأتي المستخدمون التابعون، الذين يتمثلون، أساساً بالسقاة العاديين، والعاملين في الحدائق الملكية، وحراس السجن ورجال الشرطة.

وعلى الرغم من أن الفئة البيروقراطية كانت تتمتع، بصورة عامة، بدخلها الخاص بها، إلا أنه يبدو أن أفراد هذه الفئة كثيراً ما كانوا يستغلون مناصبهم للحصول على ثروة تفوق مرتباتهم.

‌ج. الفئة العسكرية: لقد افتقدت بلاد وادي الرافدين قديماً إلى بعض المواد الأساسية التي يحتاجها سكانها في حياتهم اليومية مثل الأخشاب والأحجار والمعادن، ونظراً لصعوبة الحصول على هذه المواد من المناطق المجاورة الجنوبي – حيث تمتد الأهوار أو المستنقعات لغاية سواحل الخليج، فقد عمد سكان وادي الرافدين إلى الحصول على احتياجاتهم من خلال التجارة مع آسيا الصغرى ولبنان والبحر المتوسط. ونظراً لما تتطلبه التجارة من أجل استمرارها من حماية، فقد كان من الضروري وجود جيش يقوم بحماية القوافل ويصون التجارة، ومن ناحية أخرى فأن جهود الملوك من أجل بسط السلطة المركزية على سائر أقاليم البلاد وضمان وحدتها قد اصطدمت بحقيقة تناثر مدن الأقاليم وتباعدها عن بعضها، الأمر الذي حتم جعل الحرب الوسيلة الوحيدة للوصول إلى مبتغاهم.

وتبعاً لذلك، فقد توافر أكثر من مبرر لقيام الجيش، وأدى، بالتالي، إلى تشكل فئة اجتماعية متميزة، هي فئة العسكريين.

وما لبث دور هذه الفئة الاجتماعية أن تنامى في الشؤون السياسية، من خلال المركز الذي إحتلته داخل المجالس العامة، كما كانت تساهم في تسيير شؤون الحكم. بل إن الملوك أنفسهم ما لبثوا أن زادوا من اعتمادهم في تصريفهم للشؤون العامة على هذه الفئة العسكرية.

وفي الوقت الذي كانت تتمتع فيه هذه الفئة بالمركز الاجتماعي العالي، فقد تسنى لها أن تعزز هذا المركز من خلال الامتيازات المالية التي كانت تحصل عليها، سواءً على شكل عقارات أو منح مالية، الأمر الذي جعل لها مكانة متميزة مؤثرة في المجتمع.

ثانياً: الطبقة المحكومة: نقصد بالطبقة المحكومة مجموعة الناس التي تكون بعيدة عن المساهمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بممارسة السلطة السياسية، والتي تجد نفسها على العكس من ذلك أمام واجب الإذعان للقرارات من قبل السلطة، وكانت الطبقة المحكومة، في مجتمع وادي الرافدين قديماً، تنقسم إلى فئتين أساسيتين، هما فئة الأحرار، وفئة العبيد.

الصفحات