كتاب " الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام " ، تأليف الدكتور راشد سعيد شهوان ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
المقدمة
أنت هنا
قراءة كتاب الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام
أولاً: الضوابط الشرعية
المراد بالضوابط الشرعية: أصول كلية تضبط فروعاً تدور في باب معين واحد، أو أمور كلية جامعة لأشتات وفروع تختص في باب معين(6).
أما القواعد الفقهية: فالقاعدة في اللغة أساس البناء ومنه قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) (7) . وقوله تعالى: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ)(8).
والمراد بها في الإصلاح: نص كلي موجز جامع لفروع في موضوعات شتى(9).
وعرفها الشيخ مصطفى الزرقا بأنها: أصول فقهية كلية من نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاماً تشريعية عامة، في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها(10).
والفرق بين القاعدة والضابط: أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها في باب واحد، فالقاعدة أعم وأوسع من الضابط.
وهذا التفريق ذهب إليه بعض العلماء من أمثال ابن نجيم الحنفي حيث يقول: «الفرق بين الضابط والقاعدة أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد»(11).
إلا أن البعض الآخر مثل ابن الأثير من فقهاء الشافعية لم يفرق بينهما، فقال في تعريف القاعدة: «وتطلق ويراد بها الضابط، وهو الأمر الكلي الذي ينطبق على جزئيات موضوعية»(12).
والواقع أن السلف لم يكونوا يفرقوا بين الضوابط والقواعد، ولعل تاج الدين السبكي أول من فرق بينهما في كتابه الأشباه والنظائر(13).
ولكن سبب اختلافهم ناتج عن اختلافهم في تعريف القاعدة، هل هي قضية كلية أم قضية أغلبية؟ بمعنى هل القاعدة أمرٌ ينطبق على كل الجزئيات أم على أغلبها؟
والأرجح والله أعلم سواء أكانت القاعدة أغلبية أم كلية، فإن هذا لا يخرجها عن أنها ضابط لجزئيات تصلح لان تكون تحته، أو تخلّف بعض الجزئيات لا يؤثر في كونها ضابطا ً، كما قالوا "لكل قاعدة شواذ ".
والواقع يؤيد ذلك، فإن الناظر في الكتب المصنفة في القواعد، يجد أصحابها يذكرون كثيراً من الضوابط حسب إصلاح من فرق بينها على أنها من عداد القواعد.
ومن العلماء من جعل القاعدة والقضية والأصل والضابط والقانون بمعنى واحد، وهو أمر كلي منطبق على جزئياته، ليعرف أحكامه منها.
ونخلص مما سبق أن الذين ذهبوا إلى أن القاعدة والضابط مترادفان، نظروا إلى أن الضابط جامع لجزئيات كثيرة في قضية واحدة، وبالتالي يضبط هذه الجزئيات فيها، وهذا هو المفهوم من القاعدة.
ومن المهم أن نشير إلى أن الذين نظروا إلى الضابط على أنه محدد لجزئيات كثيرة، يدخل فيه أن الضابط محدد لجزئيات القاعدة. ومثال ذلك: قاعدة "أن الأصل في الأشياء الإباحة" – هذه قاعدة، - "إلا أن ورد دليل على التحريم" – هذا ضابط للقاعدة -.
والحاصل أن المسألة اصطلاح، فمن رأى التفريق فلا مشاحة في الاصطلاح، ولكن عليه أن يلتزم الأصل الذي اصطلح عليه ولا يخرج عنه، ومن رأى عدم التفريق فله ذلك.
وهذا القول هو الأنسب لموضوع الدراسة التي نحن بصددها، ولما سنذكره من توجيهات لدعاة الحداثة والتغريب والتطوير عند الحديث عن القيم بين الثوابت والمتغيرات، وعند الحديث عن ضوابط الاجتهاد في النوازل والمستجدات.
فالذي نقصده من الضوابط والقواعد والشرعية في هذا المقام، هو الالتزام بالجوانب الفنية والعلمية المقررة في الفقه الإسلامي، وفق الأصول والمسلمات الشرعية اللازمة لتوجيه الأبحاث والمسارات المتعلقة بمسائل وقضايا الثوابت والمتغيرات، وتصحيح الاجتهاد في النوازل والمستجدات؛ والتي تسهم في علاج وضبط كثير من المزالق والانحرافات التي يقع فيها دعاة الحداثة والإصلاح العلماني وأصحاب التهويشات والمعايير المزدوجة، والمصالح الموهومة النابعة من أهوائهم وأمزجتهم، الذين يكيلون بمكاليين ويجهلون مقاصد الشريعة وأحكام الدين، وبخاصة في هذا العصر الذي كثر فيه المدعين للعلم والإصلاح، وكثر فيه المتصدرين للفتوى والمتسرعين في إصدار الأحكام.
فهذه الضوابط والقواعد هي بمثابة أطر ومؤشرات ومعالم إرشادية ومسلمات شرعية وصياغات عامة وعموميات مقررة من أهل الاجتهاد والاختصاص والفتوى، ومتفق عليها بين المسلمين، لا يجوز الخروج عليها أو تجاهلها أو الاستهانة بها، أو أن يرمى بها عرض الحائط بحجة أننا نعيش في واقع جديد وتحت ضغط قيمٍ عاتية ضاغطة، أو بحجة التكيف مع المتغيرات الثقافية والتأقلم والتطبيع مع المستجدات والتطورات.
ونحن هنا عندما نتحدث عن الضوابط والقواعد للثوابت والمتغيرات، لا نتحدث عنها بلغة الأصوليين والفقهاء البحتة أو بالمعنى المحدد الدقيق لقواعد الفتوى، فهذا شأن المتخصصين في علم أصول الفقه، فقد علم كل الناس مشربهم، ورحم الله رجلاً عرف قدر نفسه ووقف عند حده، ولكن نتحدث عنها – كما ذكرت – بصفة عامة من منظور الثقافة الإسلامية ومصطلحاتها التي تعالج أحكاماً خاصة تتعلق بموضوعات الثقافة الإسلامية ومجالاتها، من مثل هذا الموضوع والله ولي التوفيق.