كتاب " الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام " ، تأليف الدكتور راشد سعيد شهوان ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
المقدمة
أنت هنا
قراءة كتاب الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام
ثالثا ً: الاستصلاح
معنى الاستصلاح هو: الاستدلال (المصلحة المرسلة) التي لم يدل دليل خاص من نصوص الشرع على اعتبارها أو إلغائها.، وإنما قام الدليل العام على أن الشرع يراعي مصالح الخلق.
والاستصلاح كما قال المرحوم عبد الوهاب خلاف: أخصب الطرق التشريعية فيما لانص فيه؛ لأن فيه المتسع لمسايرة التشريع تطورات الناس، وتحقيق مصالحهم وحاجاتهم، ويقصد إليها في كل ما شرع من أحكام لرفع الحرج والضرر والفساد المادي أو المعنوي الواقع أو المتوقع، وهذا في أدنى رتب المصالح، بخلاف المصلحة التي شهدت لها أصول الشرع بالاعتبار، فإنها أقوى وأعلى، ولذا لم يختلف فيها(33).
وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلاً شرعياً يبنى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لم تعلل إلا بمطلق مصلحة تجلب، أو ضرر يدفع.
وكان الصحابة، وهم أفقه الناس لهذه الشريعة، أكثر الناس استعمالاً للمصلحة واستناداً إليها، فهذه المصلحة هي التي جعلت «أبا بكر» يجمع الصحف المفرقة، التي كان القرآن مدوناً فيها من قبل مصحف واحد، وهو أمر لم يفعله النبي (، ولهذا توقف فيه أول الأمر، ثم أقدم عليه بنصيحة عمر، لما رأى فيه من خير ومصلحة للإسلام...
وجعلته يستخلف «عمر» قبل موته مع أن الرسول ( لم يفعل ذلك.
وهي التي وجهت عمر إلى وضع الخراج وتدوين الدواوين، وتمصير الأمصار، واتخاذ السجون، والتعزيز بعقوبات شتى، مثل إراقة اللبن المغشوش، ومشاطرة الولاة أموالهم إذا تاجروا أثناء ولايتهم(34).
وهي التي جعلت عثمان يجمع المسلمين على مصحف واحد، ينشره في الآفاق ويحرق ما عداه، ويقضي بتوريث من طلقها زوجها في مرض الموت فراراً من إرثها.
وهي التي جعلت علياً يأمر «أبا الأسود الدؤلي» بوضع مبادئ علم النحو(35).
وهي التي استند إليها معاذ بن جبل في أخذ الثياب اليمنة بدل (العين) من زكاة الحبوب والثمار.
واستند إليها معاوية في أخذه مدَّيْن (أي نصف صاع) من القمح في زكاة الفطر في مقابل صاع من التمر(36).
وهي التي جعلت الراشدين يتخذون البريد، ويعربون الدواوين، ويضربون النقود، إلى غير ذلك من أعمال الدولة، دون أن يعترض عليهم أحد من علماء الأمة.
وهي التي جعلت الإمام أبا حنفية يوجب الحجر على المفتى الماجن، والطبيب الجاهل، والمكارى (المقاول ونحوه) المفلس، مع أن مذهبه – رضي الله عنه – عدم الحجر على العاقل البالغ وأن كان سفيها؛ احتراما لآدميته.
وجعلت جمهور الفقهاء يقولون بجواز قتل المسلم إذا تترس به الكفار ولم يكن من قتالهم بد(37)، وأجاز فقهاء الحنفية والشافعية وجماعة من المالكية وبعض الحنابلة شق بطن الأم بعد موتها لإخراج الجنين، إذا غلب على الظن أنه سيخرج حياً، برغم حرمة الميت المرعية شرعاً، وذلك لأن حق الحي مقدم على حق الميت عند التعارض، فيرتكب أخف الضررين.
رابعاً: العرف
العرف يعني: ما اعتاده الناس وألفوه، وتعارفوا عليه، في شئون حياتهم، حتى أنسوا به واطمأنوا إليه، وأصبح أمراً معروفاً، سواءٌ أكان عرفاً قولياً أو عملياً، عاماً أو خاصاً(38).
وعندما جاء الإسلام كان للعرب أعرافٌ مختلفة، فأقر منها ما كان صالحاً ويتلاءم مع مقاصده ومبادئه، ورفض ما ليس كذلك، وأدخل على بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات، حتى تتمشى مع اتجاهاته وأهدافه.
وقد ترك الشرع أشياء كثيرةً لم يحددها تحديداً صارماً بل تركها للعرف الصالح يحكم فيها ويعين حدودها وتفاصيلها كما في قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ)(39). وقوله: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ)(40). فالعرف هو المحكم في تحديد النفقة للمرأة، والمتعة للمطلقة.
وقد نوه عامة الفقهاء بالعرف، وبنوا عليه كثيراً من الأحكام، واستشهدوا له بما جاء عن ابن مسعود رضي به عنه: «ما رآه المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن»(41).
ومن القواعد الفقهية المشهورة: «العادة محكَّمة» ومن فروعها «المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً» «التعيين بالعرف كالتعيين بالنص»(42). ويعتبر العرف إذا لم يصادم نصاً ثابتاً أو إجماعا يقينياً أمراً مقرراً ومعتبراً في الشريعة، وكذلك إذا لم يكن من ورائه ضرر خالص أو راجح،لكن العرف المصادم للنصوص الذي يحل الحرام أو يبطل الواجبات، أو يقر البدع في دين الله، أو يشيع العادات الفاسدة والضرر في حياة الناس، فلا اعتبار له، ولا يجوز أن يراعى في تقنينٍ أو فتوى أو قضاء.