أنت هنا

قراءة كتاب دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية

دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية

كتاب " دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية  " ، تأليف عبد الحسين الرفيعي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وبما أن أصحاب المصالح أصبحوا في المرحلة الجديدة بحاجة إلى من عرفوا بالأوقاتيين، أو الوكيل بالخصومة فإن عدداً من المثقفين العراقيين توجهوا إلى استانبول، وأحياناً إلى باريس للتخصص فيه قبل قيام الحرب العالمية الأولى بمدة وبما أن عدد هؤلاء لم يعد كافياً لضمان العدد المطلوب من المحامين والحكام لمؤت الدولة ولأصحاب الحاجة، فكان لا بد إذن من تأسيس (مدرسة الحقوق) في العهد العثماني في عام (1908)، بناء على اقتراح ناظم باشا، أحد المفتشين الإداريين الأتراك الذي زار بغداد، ولتكن نواة أولى للتعليم العالي في العراق([23]).

إن تأسيس مدرسة الحقوق في بغداد هي في واقع الأمر صورة مصغرة، أو صورة معادة لمدرسة الحقوق الأم التي تأسست في استانبول قبل ذلك التاريخ بعدة عقود من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث الدوافع التي يربطها عباس العزاوي بوضع القوانين الجديدة، ووجوب معرفة أغراضها، وما تنطوي عليه من أحكام تحتاج إلى من يتفرغ لأمرها، ويتفرد بتحقيقها([24])، وفي كل الأحوال جاء ذلك بمثابة نقطة تحول مهمة، بعد أن كان القانون العثماني يطبق داخل المدن الكبيرة وحدها، دون أن يغادر مفعوله أسوارها، وحتى داخل تلك المدن أيضاً (كان العدل في الغالب موضع بيع وشراء) ([25])، ذلك لأن قبضة العثمانيين على مدى قرون طوال لم تكن قوية، إذ كانت القبيلة في معظم أنحاء العراق تمثل التنظيم الاجتماعي والسياسي السائد الذي عاش الأفراد في ظله، فمنحوه إخلاصهم وولاءهم دون غيره([26]).

وقبل افتتاح (مدرسة الحقوق) في بغداد، وبعد افتتاحها أيضاً وجد عدد من الشباب العراقيين طريقهم إلى مدرسة الحقوق في استانبول([27])، التي كانت مدرسة نهارية تدرس مجاناً، وتقبل طلاباً تجاوزوا الثامنة عشرة من أعمارهم، وكان يشترط في الطالب (أن يكون أهلاً للتحرير) ويتقن اللغة التركية، عارفاً بالنحو والصرف والجغرافية والمنطق والحساب، ومطلعاً على التاريخ العثماني والتاريخ العام، وما ماثل من المعلومات العامة، وكان يشترط فيه أيضاً أن يكون (من ذوي الأخلاق المقبولة والسير الصالحة، موثقاً ذلك بشهادة من أناس أخيار)، وكانت مدة الدراسة في المدرسة أربع سنوات، يؤدي الطالب في غضونها امتحاناً سنوياً، إذ كان يجري اختبارهم شفهياً، وأن المتخرج كان يحصل على الشهادة، أو الإجازة على أن يلازم المحاكم الحقوقية مدة ثلاثة أشهر، ومثلها في المحاكم الجزائية، ومن ثم يكون أهلاً أن يكون عضواً في المحاكم البدائية، أو في الاستنطاق (حاكمية الاحالة)، أو نيابة الإدعاء العام باسطنبول، أو بمحاكم الولايات، ثم يجري ترفيعه حسب الدرجات التي يستحقها([28]).

ولقد صدرت إرادة سنية تقضي بحصر مهنة المحاماة لمتخرجي هذه المدرسة، أو ممن تخرج من مدارس الحقوق الأجنبية، أو من قدم امتحاناً ونجح فيه حسب الشروط المطلوبة، على أن يجري امتحانه في مدرسة الحقوق ومن مدرسيه برئاسة مديرها بالوجه المبين في النظام المذكور، ومطالبه أشبه بمطالب المدرسة ودروسها، وإنما قبلت هذه لئلا يسد الطريق في وجه من كان ذا رغبة وكفاءة، واشترك في أمر إداراتها والتعليم فيها أكابر رجال الدولة العثمانية، وأعاظم علمائها في الإدارة والحقوق والفقه وأصوله([29]).

كما سبقت الإشارة فقد تخرج عدد من العراقيين في مدرسة الحقوق باستانبول، ولقد أصبح هؤلاء أعلاماً معروفين قبل أن يضع القرن التاسع عشر أوزاره، فإن حسن راجي الباججي، مثلاً كان (من صفوة المحامين)، مثالاً (للفضل والعلم والصدق والإخلاص في العمل) مما أكسبه (شهرة حسنة لم ينلها في العراق مثلها أحد)، وينطبق القول نفسه على زميله موسى كاظم الباججي الذي أصبح رئيس إجراء في بيروت، كما عين لاحقاً مديراً لمدرسة الحقوق ببغداد، ولقد قيل عنه أنه كان (من الأخيار)، ومارس الآخرون المحاماة باستثناء عبد الله عوني الذي عين بعد تخرجه، معاوناً للمدعي العام في حكاري([30]).

وكان أمراً طبيعياً أن يتطور هذا الواقع بصورة ملموسة، وفي سياق استجابة حتمية لمتطلبات داخلية، مع تأسيس (مدرسة الحقوق) في بغداد نفسها باقتراح من ناظم باشا المفتش الإداري، ووالي قسطمولي الذي زار العراق على رأس لجنة خاصة، كما أسلفنا.

اقترحت اللجنة تأسيس المدرسة بعد أن شعرت بحاجة العراقيين إلى الحقوقيين والإداريين المؤهلين علمياً، ولقد وردت أو إشارة صريحة إلى هذا الموضوع المهمة على صفحات الزوراء في آذار عام (1908) على النحو الآتي: (صدرت بالشرف، الإرادة السنية السلطانية بإنشاء مدرسة للحقوق في بغداد أيضاً، وفق ما تقتضيه العناية الملوكية، بنشر المعارف وبث روح العلم بين التبعة الصادقة، التي تعذر عليها أن تحصر بالعد ما لجلالة متبوعها الأعظم، من العواطف المتوالية في جبهة استكمال الأسباب اللازمة لسعادة الحياة، ولبعد الخطة العراقية عن مركز الخلافة، ورغبة أهل العراق في تحصيل العلوم والتكمل بالكمالات الحاضرة العصرية، قد وقعت هذه العاطفة من لدن ملاذ الخلافة موقعاً سر القلوب وأبهج النفوس، فانطلقت السن كافة التبعة له بالشكر، ورفعت الأصواب بتكرار الدعوات الخيرية للذات الشاهانية) ([31]).

لقي اقتراح ناظم باشا قبولاً من السلطات المركزية، فصدرت الإرادة السلطانية يوم الرابع عشر من تموز (1908) بالموافقة على تأسيس مدرسة للحقوق ببغداد، ولكن لم تفتح المدرسة بحجة عدم وجود بناية صالحة لها، إلا أن عدداً من الشباب الذين كانت لهم رغبة ملحة في دراسة القانون حرروا في حزيران (1324) رومية، الموافق لتموز سنة (1908)، عريضة إلى رئيس اللجنة الإصلاحية، منهم محمود صبحي الدفتري وعبد الله ثنيان وثابت يوسف السويدي، طالبوا فيها بتنفيذ الإرادة السلطانية بفتح المدرسة، وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك عين ناظم باشا نفسه والياً على بغداد، وكالة، فحانت الفرصة له لتنفيذ ما اقترحه، فتم فعلاً افتتاح المدرسة في الأول من أيلول سنة (1908) ([32]).

لتصبح بذلك واحدة من أربع مدارس للحقوق في كل البلاد العثمانية، الأولى في العاصمة، والثانية في سلانيك، والثالثة في قونية، والرابعة في بغداد. ومن المفيد أن نشير إلى أنه كان من المقرر في البداية افتتاح مدرسة حقوق بغداد في مدينة حلب، وقد ذكرت ذلك جريدة الزوراء([33])، إلا أن إصرار العراقيين والضغوط التي مارسوها، وموقف ناظم باشا ساعد كثيراً على اتخاذ الباب العالي قراراً يقضي بأن تكون بغداد مقر المدرسة المذكورة([34]).

الصفحات