أنت هنا

قراءة كتاب دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية

دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية

كتاب " دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية  " ، تأليف عبد الحسين الرفيعي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

مدرسة الحقوق

وبواكير الحركة الطلابية العراقية

تزامنت المرحلة المبكرة من تاريخ (مدرسة الحقوق) ببغداد مع تحولات كبيرة نتيجة انتصار انقلاب الاتحاديين عام (1908)، وانتهاء ما عرف بعهد الظلم([52])، وفي البداية (قوبلت أنباء حركة الاتحاديين وبعث الدستور بابتهاج في الولايات العربية التابعة للباب العالي، إذ اعتبر العرب الحركة نصراً لهم) على حد تعبير باحث أجنبي([53]). ولكن سرعان ما أسفر الاتحاديون عن وجههم الشوفيني، وتبنوا سياسية قومية متعصبة استهدفت تتريك القوميات غير التركية الداخلة ضمن الإمبراطورية العثمانية، مما أثار ردود فعل واسعة لدى أبناء تلك القوميات.

ولم يكن العراق في ذلك استثناءاً، فلقد شهدت ساحته ظواهر جديدة تؤشر يقظة نوعية متميزة حتى لدى أبناء الطبقات الاجتماعية الدنيا، بما في ذلك أول إضراب عمالي منظم قام به دباغو الأعظمية في أواخر العام (1912) ([54]). وحتى الريف العراقي شهد في تلك المرحلة تحركاً نوعياً جديداً، بلغ أوجه في العام (1913-1914) بسبب قرار أصدرته الحكومة الاتحادية يقضي ببيع الأراضي الأميرية للأجانب، وإزاء ذلك امتنع الفلاحون عن دفع الضرائب، ولم تتوقف حركتهم إلا بعد أن وجه الاتحاديون حملات تنكيلية ضدهم([55]).

أما بالنسبة للمثقفين، فقد اتخذ الأمر حتماً طابعاً جدياً أكبر بالنسبة لهم في تلك المرحلة، وذلك لأنهم كانوا يؤلفون يومذاك أكثر شرائح المجتمع المدني وعياً واستعداداً للتحرك، وكان طلاب (مدرسة الحقوق) يحتلون، دون شك موقعاً متميزاً في خضم ذلك التحرك الذي كان نوعياً بدوره، فإن شعار الدراسة باللغة العربية، وهو شعار قومي صرف، ارتفع داخل أروقة تلك المدرسة في وقت مبكر قياساً بغيرها على صعيد الوطن العربي، الشعار الذي كان يتوافق، في الوقت ذاته، مع شعار (تعميم اللغة العربية في محاكم البلاد العربية) الذي رفعته في مطلع العام (1910) صحيفة (الإيقاظ) البصرية لصاحبها سليمان فيضي ([56]) الذي تحول إلى أحد أشد أنصار طلبة (مدرسة الحقوق ) في نضالهم كما نبين ذلك لاحقاً.

تجاوز نشاط طلبة الحقوق ببغداد إطار المطالبة بأن تكون دراستهم باللغة العربية، إذ سرعان ما اكتشفت السلطات المحلية في بغداد نشاطاً سرياً بين طلاب المدرسة([57])، مما يعد نقطة بداية مهمة في الوعي الطلابي على صعيد العراق بأسره، ولقد تأثر هؤلاء الطلاب بصورة مباشرة بأفكار وطروحات (الحزب الحر المعتدل) البصري([58])، وكان فرعاً لحزب (الحرية والائتلاف) الذي تألف في استانبول بوصفه حزباً معارضاً للاتحاد والترقي، مما وجد له صدى واسعاً بين الزعماء العرب سواء في استانبول، أو في الأقطار العربية نفسها وذلك بوصفه متنفساً للتصدي لسياسية الاتحاديين المتعصبة، فإنه اتخذ (موقفاً تقدمياً) من القضية القومية، وايد لا مركزية الإمبراطورية العثمانية، وشعار (الأقطار العربية للعرب)([59]).

ولم يكن ذلك السبب الوحيد لتأثر طلاب (مدرسة الحقوق) ببغداد وغيرهم بأفكار (الحزب الحر المعتدل)، فإن السبب الأهم لذلك يكمن في أن الحزب الحر كان في الواقع حزباً مستقلاً (في وحدته وكيانه عن حزب استانبول، ترتكز مبادؤه([60]) على أنصاف العرب، واسترجاع حقوقهم، والمطالبة بما يعود على البلاد العربية بالخير، ويقارع الاتحاديين، ويكيل لهم الصاع صاعين، ويضع حداً لمظالمهم) حسب صياغة معتمدة([61])، وكل ذلك كان يؤلف، دون ريب أهم هدف للوطنيين العرب في تلك المرحلة دون استثناء.

ما سبق وغيره في نفس المضامين، يؤلف حتماً السبب الأول والأهم الذي دفع الوالي الاتحادي المتعصب جمال باشا ([62]) إلى التخطيط لغلق (مدرسة الحقوق) بعد توليه ولاية بغداد في السادس والعشرين من آب سنة (1911) بمدة، وكانت حجته في ذلك ضعف التدريس فيها، غير أنه في الحقيقة لم يكن يرغب في (أن يكون للعراق مكتب يتعلم فيه العراقيون الطرق القانونية) ([63])، التي كان من شأنها أن تنبه أذهانهم إلى المطالبة بحقوقهم القومية في المستقبل كما توقع جمال باشا ذلك أغلب الظن.

الصفحات