كتاب " عندما كنت وزيراً - سيرة ومشاهدات عراقية " ، تأليف د. عبد الأمير رحيمة العبود ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب عندما كنت وزيراً
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كنا نلهو أنا وأخي مع بقية أطفال الجيران في الشارع أمام بيتنا بالألعاب البدائية الشائعة، مثل ألعاب ((الدعبل)) و((الجعاب)) و((غميضة الجيجو)) وكانت هذه هي وسائل اللهو الشائعة، أذ لا توجد ألعاب للأطفال تباع في الأسواق، وكانت الفرصة الكبيرة للعب الأطفال هي الساحة الكبيرة في وسط المدينة التي تقع أمام مركز الناحية والتي كانت تجهز خلال أيام العيد ((بالمراجيح)) و((دولاب الهوا)) وغيرها من ألعاب اللهو البريء.
كنا نفرح بحلول العيد فرحاً شديداً، وننتظر أيامه بشوق ولهفة، إذ كانت لأيام العيد بهجة متميزة بالفرح والسرور يشعر بها الناس جميعاً، ففي يوم العيد يرتدي الناس ملابس جديدة، ويفتح وجهاء المدينة بيوتهم لاستقبال المهنئين بالعيد. أتذكر أن شوارع المدينة وأزقتها كانت تكتظ بمجموعات الرجال وهم يتعاقبون على تهنئة بعضهم بصباح يوم العيد وزيارة وجهاء المدينة وهم متأنقون بملابسهم النظيفة. لم تكن أيام العيد باهتة مثلما نعيشها الآن .
ما كان يؤلمني حقاً في أيام الطفولة هي حالة المعتوهين والمجانين، الذين كان في مدينتنا عدد قليل منهم ممن كانوا يجوبون أزقة المدينة في النهار ومن هؤلاء ((سليطين)) الذي كان يحمل دائماً حجراً في يده، و((غريدل)) التي كانت تجوب الأزقة بشعرها المنفوش، و((ديدو)) الذي كان يمشي بخطى واسعة وهو يردد بعض الكلمات التي لا يفهمها أحد .
ما أن يطل واحد من هؤلاء حتى تجد الأطفال الصغار يلاحقونه مرددين الأهازيج، ومنهم من كان يرميهم بالحجارة، لم تكن في المدينة رعاية لهؤلاء سوى أهاليهم، كم كنت أتألم لحال أم ديدو وهي تلاحقه أينما ذهب لحمايته من عبث الأطفال .
***
ولعل مما هو جدير بالذكر وأنا أتحدث عن صور الحياة في مدينتنا الصغيرة في ذلك الوقت، أن أشير إلى الوضع الاجتماعي وموقع المرأة في تلك الفترة، ذلك أن الرجال هم وحدهم الذين كانوا يتمتعون بحرية العمل والحركة خارج منازلهم، أما النساء فكن قابعات في منازلهن ينفردن وحدهن في تدبير شؤون المنزل وتربية الأطفال، وهن لا يغادرن منازلهن إلا في المناسبات العامة، وإذا غادرن منازلهن فإن الحجاب والعباءات السود تغطي أجسامهن بالكامل، لكن هذه الظاهرة الاجتماعية لم تكن سائدة بصورة مطلقة بل كانت لها بعض الاستثناءات القليلة، إذ أن بعض النساء ممن كن يتمتعن بالشخصية القوية والمؤثرة كن يتمتعن بحرية العمل خارج منازلهن، ومنهن على سبيل المثال القابلتين ((ناطف)) و((إم عباس)) اللاتي كن يمارسن التوليد لنساء المدينة وإلى جانبهن عدد من النساء يمارسن أعمال التجارة أسوة بالرجال داخل السوق مثل ((فهيمة)) التي كانت تتعاطى شراء الحبوب والمنتجات الحيوانية وهي جالسة وسط السوق، و((غنمة)): التي كانت تتعاطى بيع الأعشاب والأدوية الشعبية وهي تفترشها في باحة السوق، وغيرهن ممن كن يتعاطين بيع الخبز . والخضراوات، والألبان، والأسماك داخل السوق، ومن دلائل قوة الشخصية لبعض نساء المدينة أن سكان المدينة ينعتون أولادهن بأسمائهن فيقال عباس ابن ((أم عباس)) وكاظم ابن ((ناشية)) ومحمود ابن ((غدا الشر)) ومحسن ابن ((مدلولة)) وغيرهم ممن لا أتذكرهم الآن.
على أن الوضع الاجتماعي للمرأة كان يختلف تماماً في المناطق الريفية المحيطة بالمدينة، فهناك تمارس المرأة حريتها في العمل إلى جانب الرجل في الحقول والمزارع، وهي تقوم بالأعمال الزراعية وتربية الحيوان شأنها شأن الرجال تماماً.