كتاب " عندما كنت وزيراً - سيرة ومشاهدات عراقية " ، تأليف د. عبد الأمير رحيمة العبود ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب عندما كنت وزيراً
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الدراسة الابتدائية 1943 – 1949
في عام 1943 أدخلني والدي المدرسة الابتدائية، وكانت هذه المدرسة من المعالم المهمة في مدينتنا الصغيرة، فهي بناية كبيرة وجديدة، تتكون من طابق واحد يحتوي على قاعات كثيرة لتدريس التلاميذ، تتوسطها ساحة كبيرة كانت تستخدم لتجمع التلاميذ في الصباح الباكر لقراءة النشيد الوطني، ولرفع العلم يوم الخميس.
وتتقدمها مساحة كبيرة من الأرض مزروعة بالنباتات والأشجار وكان مدخلها الطويل محاطاً بأشجار الزعرور واليوكالبتوس التي تتقدمها أوراد الجوري والأشرفي وسلطان الورد التي كانت تفوح منها رائحة عطرة أيام الربيع.
وإلى جوار المدرسة، على الجانب الأيسر، كانت تمتد حديقة المدينة الواسعة المملوءة بالأشجار المختلفة والأوراد الجميلة والتي تتخللها الممرات المستقيمة والواسعة، والتي كان يحرص على زراعتها والاعتناء بها الفلاح ((كاطع)) وأخوه ((زغير)) والذي كان يتردد عليها أبناء المدينة في الأمسيات مستصحبين أطفالهم ليتمشوا في ممراتها الواسعة وليتمتعوا بجمال أشجارها وأورادها .
كنت شغوفاً في النظر إلى أشجار حديقة المدرسة ونباتاتها وأورادها عندما أدخل إلى المدرسة أو أخرج منها، وقد غرس هذا الشغف والتأمل في نفسي طبيعة حب الزراعة والنباتات والأشجار والأزهار منذ ذلك الحين.
كانت هذه المدرسة من المدارس الزراعية النموذجية القليلة التي أنشئت في العراق آنذاك، ولهذا أقيمت في الجهة اليسرى من بناية المدرسة محطة لتربية الأبقار والدجاج ظلت تزود المدينة بمنتجاتها الحيوانية لسنوات عديدة .
خلف بناية المدرسة توجد ساحة ترابية كبيرة مجهزة بأدوات الرياضة المختلفة، وكانت هذه الساحة مملوءة دائماً بالتلاميذ الذين كانوا يمارسون التدريب على تمارين الرياضة خلال أوقات الدوام بإشراف المعلم القدير نعيم عبد الرزاق.
كان فريق لعبة الطائرة الخاص بهذه المدرسة من الفرق الرياضية المتميزة على مستوى المنطقة، وأتذكر أنه كان يخوض السباق مع الفرق الأخرى ويخرج منها منتصراً فائزاً بالكأس الفضي، وحينما يحصل الفوز يندفع تلاميذ المدرسة بمجموعاتهم يجوبون شوارع المدينة حاملين الكأس على رؤرسهم مرددين أهزوجتهم:
هذا الكأس الكنا نريده ....... أبو بلقيس كاسه بإيده
وأبو بلقيس هو الأستاذ محسن جار الله مدير المدرسه الابتدائية ، وكان رحمه الله هو ومن تعاقبوا قبله على إدارة المدرسة من الإداريين الحازمين ممن يحظون بالهيبة والاحترام من لدن طلبتهم .
لقد كان احترام تلاميذ المدرسة لمعلميهم واطاعتهم لهم ظاهرة شائعة في ذلك الوقت، فما ان يمر أحد المعلمين في أزقة المدينة حتى تجد من فيها من التلاميذ ينصرفون إلى بيوتهم احتراماً وإجلالاً .
لا يمكن أن أنسى من علموني في المدرسة الابتدائية الذين كان لشخصياتهم وأسلوب تعليمهم أثر كبير في تبلور شخصيتي مثل الأساتذة ((عبدالحميد خشن)) و((عبداللطيف عامر)) و((عبدالرزاق حيدر)) و((جبار الشنون))، ومنهم بصورة خاصة حسين الملا ٌ علوان الذي علمني كيف ينبغي أن يكون الإنسان واضحاً في التعبير عن أفكاره سواء في حديثه أو فيما يكتب .
كان الأستاذ ((حسين الملآ علوان)) قصير القامة، بدين الجسم واسع العينين، تعلوه إبتسامة عريضة حينما يلتقي بغيره، ما إن يدخل الصف متأبطاً ((سدارته)) حتى يبادرنا بالتحية مبتسماً كعادته، ثم يبدأ بخط برنامج الدرس على السبورة، بخطه الجميل الواضح، ثم يبدأ بشرح موضوع الدرس مستعيناً بالجملة القصيرة، والنبرة الواضحة، والصوت المسموع، والإبتسامة التي لا تفارقه .
لقد كان لاولئك المعلمين الأفاضل تأثير كبير على سلوك طلابهم وأنا واحد منهم، وهو يؤكد ما كان يتردد آنذاك بإن الإنسان يكتسب شخصيته من خلال ما يتعلمه من ذويه ومعلميه وما يقرأه في الكتب ، لكن الحال قد تغيرت في هذا الوقت فأصبح سلوك الإنسان يتأثر بعوامل كثيرة منها التلفزيون ووسائل الإعلام والانترنيت وعوامل التربية الإجتماعية الكثيرة والمتنوعة .
***


