قراءة كتاب الجذور التاريخية للصراعات المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجذور التاريخية للصراعات المعاصرة

الجذور التاريخية للصراعات المعاصرة

كتاب " الجذور التاريخية للصراعات المعاصرة " ، تأليف د. عادل وديع فلسطين ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 3

مقدمة

كان الذهب.. ولم يزل وسيظل محلاً لعديد من الأساطير والطموحات، لعل أشهرها هو هذا الإله من آلهة الأوليمب الذي ما أن يمسك بشئ حتى يصير ذهباً. ثم تتنوع الأسطورة لتحكي أكثر من نهاية. ولست أدري لماذا تدافعت هذه الحكايات وأنا أقرأ كتاب د. عادل وديع فلسطين. هذا الرجل ما أن يمسك بعمل حتى يصوغ منه ذهباً، ذهباً حقيقياً. طبيب ناجح.. جداً. ثم هذا الكتاب التي تفوح من كل صفحة رائحة الجهد المضني والقدرة علي اكتناز الصبر الذي يعطي صاحبه مساحات من المعرفة.

تلك المعرفة التي تتعامل مع العقائد الدينية بمهارة صانع الحلي الذهبية، يحفظ للذهب قيمته ومهابته لكنه يستخدم ذوقه ومهارته وقدرته علي الإبداع في تحقيق فهم عقلي وعقلاني لما ورد فى الكتب المقدسة.

وهنا يكمن الفارق بينه وبين الآخرين.

فالدكتور عادل أعمل العقل فيما قرأ وفيما كتب. لكنه أدرك منذ البداية أن العقل عند الفلاسفة القدامى ليس نوعاً واحداً. هناك على الأقل نوعان عند الفلاسفة العرب عقل منفعل قال به الاشاعرة.. كأنك تضع عقلك أمام مرآه عمياء تقرأ، تتعلم، تعرف تطالع.. وهو يعكس ذلك كله كما هو.. فقط كما هو دون نظر إنتقادي أو محاولة للتأمل في مدي عقلانية الكتابة. تماما كالمرآه تعكس ما يوضع أمامها كما هو.. فيبقي العقل والفكر والمعرفة والعلم علي حالهم دون أي تقدم.أما العقل الآخر الذي أسماه الإمام الغزالي ـ قبل أن يصبح أشعرياً ـ العقل الفاعل فهو ذلك العقل الذي استخدمه د. عادل في فهم هذه الأكوام من الكتب الذي طالعها وربما طالعها عشرات المرات وهي كتب بعضها مقدس عند أصحابه وبعضها مليء بالأساطير. هذه الأساطير التي جرى تناقلها بحيث فرضت ما يمكن تسميته بالفكر الأسطوري. وهو فكر راسخ في عقولنا جميعاً يتجاور مع معارفنا العقلية أن وجدت ويتصارع معها يصرعه أحيانا وتصرعه في أحيان أخرى وفي غالب الأحيان تبقي الأسطورة راسخة أو كامنة في نفوسنا وعقولنا، وعلي المفكر صاحب العقل الفاعل أن يعمل العقل حقاً في تنقية الكتابة وفرزها بين ما هو عقلاني وما هو أسطوري.. هذا العقل الفاعل لعله عذب عادل وديع فلسطين عذاباً شديداً، لكنه نجح في نهاية الأمر أن يفرض سلطان العقل الفاعل علي كتابه وأن يتخلص قدر الإمكان من الفكر الأسطوري والحكايات غير القابلة للتصديق. وهذه هي القيمة الأساسية لكتابته.

وثمة أسطورة أخرى جرت روايتها على أكثر من وجه.

أحد المهراجات الهنود أدهشته ظاهرة تتكرر أمامنا الآف المرات دون أن تثير تساؤلنا. لماذا يصيح الديك بالذات دون غيره، في ساعة الفجر بالذات دون غيرها من ساعات النهار أو الليل.

وكالعادة تباري المفسرون كل علي قدر رؤيته علي إعمال العقل سواء كان عقلاً فاعلاً أو منفعلاً. أحدهم نسج من خياله أسطورة تقول: كان الديك يمتلك ذيلاً مثل مروحة كبيرة ذات ألوان متعددة ورائعة، وأتاه ذات يوم الطاووس وكان طائراً بشع المنظر فتوسل إليه أن يستعير ذيله ليزهو به أمام محبوبته ووعده أن يعيده إليه ساعة الفجر. لكن الطاووس لم يعده ولم يف بوعده، ويظل الديك يصحو كل فجر منادياً علي الطاووس طالباً أن يعيد إليه ما سلبه منه. أنه رمز الحق الضائع أبداً. لكن مفسراً أخر قال للمهراجا إن صياح الديك في لحظة شروق الشمس هو رمز أبدي لإشراق العقل مع إشراق النور سعياً نحو اليقين.

والمعرفة اليقينية هي ما سعي إليه د. عادل. وهي ما قام الغزالي بوصفها بأنها تلك المعرفة

[ التي ينكشف بها المعلوم انكشافاً لا يبقي معه ريب ولا يأتيه الغلط والوهم] ونمضي مع الغزالي ـ قبل أن يصبح أشعرياً ـ لنقرأ [ إن العقل الفاعل يصلح معياراً لا يخطئ عندما يحاول التمييز بين الحق والباطل وبين الخطأ والصواب بشرط أن يتجرد من غشاوة الوهم، فإن العقل إذا تجرد من غشاوة الوهم (الأساطير) والخيال (اصطناع القصص الخرافية) لا يتصور أن يخطئ أبداً].

....أقلب صفحات هذا الكتاب الضخم. الذي بذل فيه عادل وديع فلسطين جهداً هائلاً وعقلاً فاعلاً نجح في أن يتخلص من وهم الأساطير والحكايات الخرافية فقدم لنا فكراً صافيا رائعاً يستحق الاحتفاء به.

ولا يبقي سوي أن استحث هذا الباحث المدقق المتنكر في زي طبيب شديد النجاح علي المزيد من الكتابة فمصر تحتاج منه كتابة أكثر وأكثر والعقل المصري أقصد العقل الفاعل يحتاج منه أن يقدم المزيد والمزيد.

د. رفعت سعيد

الصفحات