لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ
أنت هنا
قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ [البقرة:269]، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله - ص - الذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب، أرسله الله بالهدى، ودين الحق، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبيّن لنا طريق الوصول إلى الله، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
وبعد:
فالفكر الإنساني قديم قدم الإنسان نفسه، ويستحيل في نظر العقل تصور حقبة من حقب التاريخ قد مرت دون أن يكون له فيها نشاط فكري، وذلك بغض النظر عن قيمة هذا النشاط والمجالات التي يصول فيها، ولعل أهم دليل يؤكد هذا أن الإنسان ومشاكله مرتبطان في الوجود، ومحاولة تفسير هذه المشاكل وتعليلها والوصول إلى الحلول السليمة لها، هي مظهر نشاط الفكر الإنساني.
ولقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ الفكر العام، والفكر الفلسفي بوجه خاص.
والفلسفة الإسلامية تمثل حلقة في سلسلة الفكر الفلسفي العام، وفكر (إخوان الصفا) يعد لبنة أساسية في بناء الفكر الفلسفي الإسلامي، الذي يمثل شريحة هامة من شرائح الفكر الفلسفي العام. نقول هذا إذا نظرنا إلى المجهود الكبير الذي بذله (إخوان الصفا) في تأليف رسائلهم التي تمثل جانباً من جوانب الحياة العقلية في القرن الرابع الهجري أصدق تمثيل، إذ هي بما تحويه تعتبر في نظر الكثير موسوعة فلسفية ميسرة تقدم صفوة ما وصل إليه الفكر حينئذ.
وموسوعة (إخوان الصفاء) تعد من أبرز الموسوعات التي ظهرت في تاريخ الثقافة الإنسانية وأخلدها على الدهر، وأجدرها بالمباهاة، رغم أنها تعد في الصفوف الأولى من روائع المنتجات العملاقة المجهولة القيمة، المهضومة التقدير، كما يقول الدكتور (غلاب). بل هي في رأينا أنفس وأعمق وأنفع من دائرة المعارف الفرنسية الأولى، التي تباهى بها أهلها حتى رفعوها إلى السماء، ولا تزال أوداجهم تنتفخ بها حتى الآن، ونحن في غفلة مخجلة عن إحياء تراثنا المجيد.
ومن أسرار سمو موسوعة إخوان الصفا على دائرة معارف أوروبا - كما يقول الدكتور (غلاب) - أن الأولى كلها من إنتاج الخاصة المختارين، بل الصفوة الممتازين، بينما أن دائرة المعارف الفرنسية قد اشترك فيها عدد ضخم من الكُتّاب الثانويين، ومن المؤلفين الخاملين.. كما سجل ذلك الخاصة المهيمنون عليها(1).
وإخوان الصفا أصحاب فلسفة انتخابية موفقة، ذلك أنهم جمعوا في رسائلهم خلاصة ما راق لهم من علوم وآراء وفلسفات وديانات عُرفت في عصرهم، وحاولوا التوفيق بين كل هذا وبين الدين الإسلامي، فمذهبهم يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم كافة المعروضة في عصرهم. يضاف إلى ذلك الأثر الكبير الذي تركته هذه الرسائل في الفلسفة والمفكرين الذين استفادوا من هذه الرسائل استفادة كبيرة، بحيث شكلت جوانب كبيرة من مذاهب مفكرين وفلاسفة يحتلون بدورهم مكانة بارزة في تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي.
وموضوع (إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية) ليس من الموضوعات السهلة في تاريخ الفكر الإسلامي، وذلك نظراً لما أحاط به (إخوان الصفا) أنفسهم من تستر وكتمان، لدرجة أن وصفهم أغلب الباحثين بأنهم (لغز مبهم ليس من السهل حله)، وقد كان هذا مدعاة للتناقض والتضارب في الرأي حول الكشف عن ماهيتهم، وعن جوانب فلسفتهم المختلفة.
وقد يكون هذا الغموض والتناقض كما يقول الدكتور وجيه(2) مبعث الخيفة والحذر في نفس من يتأهب لتناول فكر إخوان الصفاء بالدراسة والبحث، وفي الوقت نفسه قد يكون حافزاً ودافعاً له لكي يقدم على هذا العمل بروح الباحث الجاد، الشغوف إلى البحث والدرس والتمحيص، للوصول إلى الكشف عن هذا الغموض الذي يكتنف أعضاء هذه الجماعة، ويزيح الستار عن ماهيتهم، ويكشف عن جوانب فلسفتهم المختلفة.
ورغم الكتابات المتعددة حول جوانب فكر إخوان الصفاء، إلا أن هذا الموضوع ما زال مثاراً للجدال والبحث والاستنتاج، لما أحاطت به هذه الجماعة نفسها من تستر وكتمان، فقد يواجه الباحث في هذا الموضوع عدة صعوبات بالغة، بصدد محاولة الوصول إلى حقيقة (إخوان الصفاء وخلان الوفاء) وهل هم جماعة مستقلة أم أنهم كانوا جناحاً متطرفاً أو معتدلاً، لهذه الفرقة أو تلك؟