أنت هنا

قراءة كتاب ثقافة الاستهلاك وما بعد الحداثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثقافة الاستهلاك وما بعد الحداثة

ثقافة الاستهلاك وما بعد الحداثة

كتاب " ثقافة الاستهلاك وما بعد الحداثة " ، تأليف مايك فيزرستون ، ترجمة فريال حسن خليفة ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 4

والاتساع في المجال الثقافي لا يشير إلى السوق المتسع للسلع الثقافية والمعلومات فحسب بل إلى الطرق التي يكون فيها فيضان الصور الثقافية مصدرا يستمد منه الاشباع ، مثلما يحدث في المتنزهات والسياحة والمراكز المجددة ، والمتاحف والأروقة التي تقدم الطعام للزائرين ، وتتاجر قانونيا في الفنون السمعية ، والتأكيد على المشهد الشعبي المبهج ، وتطوير الأسواق والمراكز التجارية.

إلى جانب إتساع مدى الصناعات والمهن الثقافية المؤثرة على اتجاهات الشباب والمتعلمين من الطبقة الوسطي ، وتظهر فاعليات أكثر تجاه أنماط الحياة الشعبية والثقافة الشعبية. مثل الغجر والدادا والسيريالية والمصورين والرسامين ، كلٌ يعمل نحو فن ما بعد الحديث ومحو الحد بين الفن والحياة اليومية، وجعل الحياة اليومية حياة جمالية. ويظهر الاهتمام في ثقافة الاستهلاك الجماهيرية الاهتمام بالنمط والملابس والموضة .

وتناقض ما بعد الحداثة الأصولية في الفلسفة والنظرية الثقافية والاجتماعية، ويترجم هذا في هدم شعبي ديموقراطي للتراتبية الرمزية داخل الدوائر الأكاديمية والفنية والفكرية التى تتنازع فيها الثقافة الرفيعة والثقافة الشعبية ، فالروح الشعبية ضد التراتبية في أى مجال. وتصبح الثقافة كما يقول بودريارد تدفق حر ، وهي في كل مكان وسط نشط وصناعة اجتماعية جمالية أستاطيقية ، وتدفق للصور يؤكد بشدة على الإحساسات السمعية والبصرية والسعادة الوقتية.

ويبدو المعني القديم لثقافات المدينة مترسباً في التقاليد والتاريخ والفنون والمباني السكنية المشهورة وعلامات الحدود التي تعطي الإحساس القوى بالمكان والهوية ، بينما مدينة ما بعد الحديث تشير للعودة للثقافة والنمط والزخرفة داخل حدود فضاء لا مكاني ، وتكون فيه المعاني التقليدية للثقافة منزوعة من السياق ، مصطنعة مكررة يعاد تجديدها وتنميطها ؛ لذلك تكون مدينة ما بعد الحديث أكثر صورا ووعيا ذاتيا ثقافيا ، ومراكز للاستهلاك الثقافي والاستهلاك العام.

فالاعتراف بقيمة صناعة الثقافة آخذ في التزايد بالنسبة إلى اقتصاد المدن. ويتولد الوعي بصناعة الثقافة مثل النشر والتدوين والموسيقا والاذاعة والسياحة والفنون والمؤسسات والبيوت الثقافية التي يعاد تجديدها وتطويرها وتؤدى دورا متناميا في الاقتصاد المحلي بجانب النمو العام في إنتاج السلع الرمزية واستهلاكها. وبالتالي يحدث توازى بين رأس المال الثقافي ورأس المال الاقتصادى.

ويوجد رأس المال الثقافي كما يقول بورديو في ثلاث أشكال :

1 - متعين ( نمط العرض وأسلوب الحديث والجمال ) .

2 - متموضع ( السلع الثقافية مثل الكتب والصور والآلآت والمباني ).

3 - مؤسساتي ( مثل المؤهلات التربوية ).

ورأس المال الثقافي في حالة التموضع مهم بالنسبة للمدن ، فالصيانة النموذجية للمباني والأشياء والسلع والمصنوعات اليدوية أصبحت تعرف بوصفها كنوزاً فنية ، ولكن شرعية التراتبية الرمزية فيها لا يجب أن تكون أبدية ؛ لأنه يوجد مدى واسع من المعاييريمكن أن تصنف عليها المدن بشروط رأس المال الثقافي. ويمكن أن تصبح صور معينة لرأس المال الثقافي مثل الثقافة الشعبية ( الجاز وموسيقا الروك والسينما والمتنزهات العامة ) أكثر شرعية من أبعاد أخرى ، وتكون مصدرا للمكانة العالية . وكذلك يكون الحكم على الذوق الثقافي من موقف التعددية والنسبية ، ويصبح ماهو مستبعد في السابق معترفا به.

وفى رأى فيزرستون تطورت الأخلاق الاستهلاكية الجديدة منذ الثلاثينيات بواسطة الفنانين الغجر والمفكرين كهجوم علني على الأخلاق المسيحية . وكانت الأخلاق الاستهلاكية مضطلعة بصناعة الإعلان والتعبير عن الذات واللحظة والجمال الجسدى والوثنية والتحرر من الالتزمات الاجتماعية.

وكان التنازل المتزايد عن نفوذ الدين في الحياة الاجتماعية مرتبطا بالحداثة ، ومع انحدارالقيم الدينية وتصدع المؤسسات الدينية انغمس الدين في قضايا وجودية قطعية عن المقدس والميلاد والموت والجنس وهلم جرا ، وذلك جعل الدين غير مرئي، وكانت استعارة فيبر الشهيرة في كتابــه "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية " عن خُطي الدين في مجال السوق قد أقفل باب الدير خلفه بشدة فأصبح المجتمع الحديث أكثر تحولا عن الدين.

وفي سوق الاستهلاك أصبح الإنسان حراً في أن يختار وأن يقرر لذاته ماذا يفعل بوقته وبيته وجسده وآلهته، وأصبح الدين صنعة وقت الفراغ يبتاع من السوق مثل أى نمط حياة أخرى في ثقافة الاستهلاك.

وتعتبر ثقافة الاستهلاك عموما شيئا مدمراً للدين بشروط تأكيدها على مذهب السعادة واللذة ، ويكون الادعاء غالبا أن الاستهلاكية تؤدى غالبا إلى الفقر الروحى. فأنانية اللذة بفلسفتها ضد نظم النسك والزهد وحسن التدبيروالاقتصاد الذى هو من تعليم الدين.

ولكن عند دوركايم التحديث بعملياته - من العقلنة ، والعلمنة ، والسلعنة وإزالة الأوهام - لا يؤدى إلى حجب المشاعر الاجتماعية الدينية ولكن قد تنهار الأديان الرسمية وتبقي الممارسات التي تجسد اختلافات الحياة المقدسة والدنيوية ، فأى شئ قد يصبح مقدسا ، وكذلك يمكن أن يصبح سلعة دنيوية للرأسمالية ، مثل البطولات الرياضية وحفلات الروك ، وحفلات الزواج ، وتُزيد الصراعات الاجتماعية والمنافسة الإحساس بالمقدس ، وتولد الوفاق الأخلاقي وتؤكده. فمثل هذه المناسبات تولد مشاعر قوية بالاثــــارة "انفعالات سيالة " معززة بقوة في النشاط الشعبي والأغاني والرقص والإشارات الطقوسية ، فالإحساس العام والإثارة والجيشان هذه اللحظات المبهجة يصبح فيها روتين العالم اليومي متحولا إلى عالم مقدس يجعل الناس أقدر على العيش في وفاق أو اتحاد أقرب إلى المثالية.

و يبني دوركايم في فكرته عن دين الإنسانية على أساس فكرته " عن العوامل غير الاتفاقية للاتفاق "حيث يرى أن تعقد المجتمع وتزايد التميز الاجتماعي والثقافي إلى حد أن الشيء الوحيد الذى يمكن للناس استبقاؤه والحفاظ عليه بشكل مشترك هو إنسانيتهم وأدى هذا كله لأن يصبح الشخص الإنساني رمزا قويا للمقدس.

ويؤكد فيزرستون أن ثقافة الاستهلاك ليست ناتجة عن حجب المقدس بواسطة المادية، وبالتالي فإن تعريف الثقافة يجب أن يكون أوسع فلا يركز على نظم ومؤسسات الدين الرسمي فحسب ، ولكن يركز أيضا على العمليات والممارسات الاجتماعية التي يتولد فيها المقدس.

وكانت بداية التغير بقوة نحو ثقافة ما بعد الحديث ( ثقافة الاستهلاك ) في الستينيات 1960 ، حيث التحولات الواسعة في النظام الكوكبى وتوازن القوى على مستوى التفاعل المجتمعى .

أما عن كيفية إرتباط ثقافة الإستهلاك وما بعد الحداثة بالنظام الكوكبى فإن ثقافة الاستهلاك توازى في السلم الكوكبى اتساع قوى الولايات المتحدة فوق النظام الاقتصادى العالمي.

وهنا ترى ثقافة الاستهلاك وقد قدر عليها أن تصبح الثقافة العالمية التي تدمر الثقافات القومية الخاصة في البلاد . ومع ذلك فالدراسات عن تأثير الاستقبال التلفزيوني تؤكد أهمية الاختلافات القومية في قراءة الرسائل الاجتماعية المشفرة المتجسدة في البرامج التفزيونية ؛ لذلك فالقوميات المختلفة والطبقات الاجتماعية سوف تشاهد خلال البرامج التلفزيونية المشهورة عالميا شفرات غير مناسبة . ويمكن التأكيد أيضا أن الاتجاه الذى أشرنا إليه في ثقافة الاستهلاك الذي أوجد النقل المفرط من المعلومات والرموز يعمل أيضا ضد أى اعتقاد كوكبى عالمي صلب على مستوى المضمون ذلك لأن إنتشار صور "الآخر" الأمم المختلفة غير المعروفة سابقا ربما تساعد بشكل فعال على الإحساس بوضع الآخر والإحساس بالظرف الكوكبى.

لذلك في ما بعد الحداثة فقدنا الإحساس " بالآخر " بوصفه غريباً أو أجنبياً، فالانفتاح على الآخر والبحث عن معرفته ، والبحث عن وميض خلف صحف العرض المحملة بإشارات التحول كل هذا ضد التصنيف الثقافي والتراتبية الرمزية بالنسبة للعالم الذى تتشابك فيه الاعتمادات المتبادلة بين الأمم والثقافات.

وهذه التغيرات تحدث على مستوى داخل المجتمع وتدفع بالأكاديميين والمفكرين نحو منظور التعددية الثقافية ، بعضها يقلل من سلطة المفكرين العالميين بسبب ظهور المفكرين الجدد ، والطلب الكبير على السلع الرمزية واختزال دور المفكر إلى دور المفسر والمترجم والمؤول غير القادر على أن يقدم معرفة عالمية.

يمكن فهم ما بعد الحداثة بوصفها صورة ثقافية تضم صور الفوضى والتفكك والتجزؤ والنسبية وانفتاح الفضاء إلى ما يجاوز فرضيات ترسانة الحداثة العالمية، فاستخدام مصطلح ما بعد الحديث يوجهنا إلى الظروف المتغيرة التي يُرى فيها العالم كمكان تأتي فيه الصور المتنافسة للكوكب في الصدارة أو المقدمة.

ويثير فيزرستون السؤال عن إمكانية وجود ثقافة مشتركة أو عامة في مواجهة من يرحبون بالفوضي الثقافية ونهاية الالتزام بالمعني المكَوِّن للقيمة، و يبتهجون بوفاة القانون العام، ويرى فيزرستون أننا لا نستطيع فهم فكرة الثقافة المشتركة بدون أن نسأل من المتحث عنها ؟ هل هم السسيولوجيون والانثروبولوجيون؟ الذين يحاولون إقناعنا أنه توجد ثقافة مشتركة في العالم الاجتماعي، وهل هم أصحاب النظريات الأدبية والنقاد الذين يعملون على إنتاج ثقافة مشتركة متكاملة. وهو ويرى أننا إذا فهمنا مصطلح الثقافة المشتركة وفقا للرأى الأنثروبولجي في اعتبار الثقافة " طريق كامل لحياة الجماعة والناس والمجتمع فإن ذلك " يستلزم تربية العامة بمجموعة من القيم السامية والمترابطة والذوق، تؤدى دورا في تعضيد النظام الاجتماعي وتكامله. وبهذا المعني تكون الثقافة المشتركة موجودة من قبل، ولكن يجرى الآن تدميرها بواسطة الثقافة الاستهلاكية ، ثقافة ما بعد الحداثة ، فهي النقيض للثقافة المشتركة.

وتمجد الثقافة الشعبية التحولات والانحرافات عن الثقافة الرسمية، وتحول المناسبات الكرنفالية العالم رأساً على عقب لحظات من "الفوضى المنظمة " التي تناقض الروتين البطئ للحياة اليومية. ودخلت العناصر الكرنفالية الأدب في الاحتجاج الرومانسى ضد الكلاسيكة، ووجد الاهتمام بالخصوصية والتنوع والثقافة الشعبية في كتابات ودورث Wodsworth وروسو وهردر. واشتد التقليد الكرنفالي قوة في الفن والأدب الغجرى عند المجموعة النشطة في الابتكار والتطبيق ، التي بدأت في باريس في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ، وذلك التقليد ناقد بشكل مباشر للعالمية، ويؤدى دورا رئيسياً في ظهور الاهتمام بالثقافة الشعبية منذ السبعينيات، وذلك بعدة طرق منها روح المساواة والنسبية وتدمير التراتبية الرمزية المستقرة طويلا في التربية الرفيعة المؤسسة على الأعمال الكلاسيكية.

وكان الاهتمام بالثقافة الشعبية والبحث عن مصداقيتها يشكل تحديا خطيرا لهوية الجامعة الحديثة، لذلك عملت الجامعة على استبعاد دراسة الثقافة الشعبية وأعطت لها مساحة صغيرة داخل مساقات التاريخ، ونظرت إلى الفولكلور على أنه شيء لا يطور العقل أو الفكر، ومضمونه يثير الأسئلة حول مبادى التربية الرفيعة في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية باعتبارها تصنع تراتبية ثابتة وتسأل عن التقليد المعقول والقواعد والقانون.

وتمثل أيضا دراسة الثقافة الشعبية الهجوم على الوحدة النسقية والنظامية من منظور التنوع والفوضي والديموقراطية والمساواة والتنوع الإقليمي الواسع للثقافات المحلية.

ومن هذا المنظور باتجاهه إلى التنوع الكوكبي تصبح الثقافة المشتركة مشروعا مستحيلاً.

ومع غياب التراتبية الثقافية تصبح دراسة الثقافة الشعبية متأثرة بما هو موجب الاهتمام بالدارج المبهج، مثل خبرة مشاهدة التلفاز، ويصبح الأكاديمي مجرد مترجم لما هو غريب أو أجنبي، وتصبح النسبية الكلمة المشاهدة في أى اتجاه. وتعرض كل الانماط والتقاليد والصور الصور الثقافية للماضى، ويصبح المونتاج والانتقائية قاعدة التنظيم.

وتشير مضامين هذا التغير إلى تحديد دور المفكرين المعاصرين أى الابتعاد عن دور الواثق الجرئ كمشرع من أجل المجتمع والبشرية إلى دور المفسر والمؤول، والباحث عن نظم التقاليد الثقافية من أجل إنتاج مفيد مادى غريب من أجل المشاهد والمستمع. وتغير دور المثقف من دور الواثق في حكمه إلى دور المعلق الذى يقدم الشفرات ويحلها، ويتوقف دور المفكر عن أن يكون موجهاً مرشداً، ويصبح أكثر انغماساً في بحث الخبرة الثقافية الوطنية.

وهنا تبدو الصلة بين ما بعد الحداثة والثقافة الشعبية، تشتهر ما بعد الحداثة بالطبيعة المتعددة الوجوه المحيرة والمربكة وفوضي الثقافة الشعبية وغياب التراتبية. والشكل الشائع ضد التصنيف الثقافي الموجود بين المشتغلين بالإنتاج الثقافي هو اتجاه مستمر من الرومانسية والفن الغجرى، والمجموعة النشطة والحداثة وما بعد الحداثة، ونجد فيه التعدى والمخالفة والشعبي والبحث عن التجديد والابتكار وكل هذا أكسب هذا التقليد الثقافي المضاد شهرة عظيمة في الانتاج الثقافي الاستهلاكي.

وبفعل الدمقرطة الوظيفية انحصر توازن القوى بين الجماعات المسيطرة والجماعات الأقل قوة، وأتسعت التربية العالية للجماعات الغريبة والخارجة في فترة ما بعد الحرب، واتسع عدد الوسطاء الثقافيين في وسائل الإعلام الجماهيرية مما جعل من الصعب على الجماعات المستقرة أن تحافظ على وضعها المسيطرثقافيا، وذلك مهد الطريق إلى عدم المركزية والاعتراف بالاختلافات الثقافية المحلية والإقليمية في العالم الغربي.

وفي العلاقات بين الحكومات الغربية والتكتلات السياسية على مستوى الكوكب وعودة خطاب الآخر، يرفض مفكرو العالم الثالث الالتزام بالتحديث الغربي، مفضلين استرجاع ثقافتهم الشعبية وتقاليدهم الخاصة ؛ ولذلك تحدث المقاومة للعناوين الثقافية المفرطة التي تربطها بهم الأمم الغربية، مثل همجي وبربرى ومتأخر ومتوحش وملون ...وهلم جرا، وبهذه المقاومة يجبرون الغرب على احترام خيارتهم وهويتهم الثقافية الخاصة.

وعلى الرغم من أن الثقافة المشتركة عملية غير مخططة، فهي مع ذلك هي تعتمد على المشاركة والتربية فهي التي تثرى الثقافة المشتركة وتعد الأساس لإزدهارها. ولكن يبدو أن قضية الثقافة المشتركة في أزمة وأن الاتجاه الآن هو الاهتمام المتنامي بالثقافة الشعبية وما بعد الحداثة

وتؤكد مابعد الحداثة مكانتها داخل العمليات التي تشكل المجال الثقافي، وتساعد على نهضة الثقافات الشعبية والكرنفالات، وتقوي الدوافع الشعبية للديموقراطية والمساواة والافتتان بالآخر والتسامح مع السعادة والبهجة المرتبطة بما بعد الحداثة، والدلالات المرتبطة بنهاية الاجتماعي ونهاية المعيارية ونهاية المفكرين العالميين، وتجاوز كل الأطر القديمة يستلزم عادات أكثر مرونة وإعطاء شرعية للاختلاف والتسامح دون استبعاده أو قهره.

و التركيز على تطور عادات أكثر مرونة من جانب المتخصصين الثقافيين والوسطاء والمشاهدين يمكن الارتكان إليه في مشكلة الثقافة المشتركة.

، ويجد فيزرستون في فكرة دوركايم عن العوامل غير الاتفاقية للاتفاق إمكانية التفكير في الثقافة المشتركة ليس على مستوى المضمون أى العقائد والقيم ولكن على مستوى الاختلافات الظاهرة مثل العوامل غير الاتفاقية المدعمة الاتفاق الثقافي الذى تحدث فيه الاضرابات والنزاعات الصناعية حيث يشتبك كل من الحزبين في صراع حاد وفقا لمجموعة من القواعد الأساسية المعترف بها ضمنا والتي هي مشتركة بينما لا يوجد اتفاق عليها إطلاقا . وهي صورة الفكرة المفترضة عن البناء المنتج المرن الذى يسمح للاختلافات أن توجد، ويشكل تمفصلاً أساسياَ منتجاً لمعني الثقافة المشتركة أو يمكن اعتباره نموذجا للثقافة المشتركة، التي يستلزم فيها مشاركة الناس الجماعية القدرة على الاعتراف بالاختلافات باعتبارها شرعية وصحيحة.

ويعتبر فيزرستون أن هذا التصور للوحدة خلال التنوع يسمح بالاختلاف، ويرى أن هذه الفكرة أكثر قبولا اليوم ، وهي التي أنهضت ما بعد الحداثة ، وقوضت مشروع التكامل الثقافي للدولة القومية. وهي فكرة لها فاعليتها في اتحاد الدول الأوسع " مثل الاتحاد الأوروبي " و في "الاقتصاد الكوكبي " وكلاهما يشير إلى الوحدة في إطار التنوع ،وقد نجد الاتحاد الأوروبي يعمل على انتاج مجتمع مثالي ، ورموز موحدة تميز الأوروبيين عن الآخرين، ويحاول خلق هوية أوروبية. وتصبح هذه مهمة المتخصصين الثقافيين.

وقد تكون فكرة الثقافة المشتركة أكثر إمكاناً إذا كان يوجد عرف مشترك تؤسس عليه. ومعني العرف مجموعة الرموز والأساطير والذكريات والأبطال والأحداث والتقاليد ، وجميعها منسوجة في الوعي الشعبي ، وهو الأساس للثقافة المشتركة.

ويمتلك العرف مرونة وقدرة عالية على مقاومة الضغط أكثر مما يتخيل كثير من السياسيين والمعلقين، فهل قوة المقاومة من العرف والتقاليد الشعبية تجعلنا نتخلي عن مفهوم الثقافة الكوكبية باعتبار أن ما بعد الحداثة هو عصر اجتياز الحدود الثقافية والقومية وإلغائها وإعادة رسمها من جديد؟

وتأسيسا على السابق يرى فيزرستون أن ما بعد الحداثة تقدم صورة وأملا للوحدة خلال التنوع ، وتحقيق حلم العالم العلماني المؤسس على فكرة الإنسانية عند دوركايم ، حيث نستطيع تخيل التجانس الثقافي الكوكبي ووجود فكرة الهوية وإنتاجها وذلك إنما يكون على أساس ما يُهدد الكوكب.

وأخيرا أود أن أشكر الزملاء الأفاضل بقسم اللغة العربية ، الأستاذ الدكتور محمود الحنطور، والأستاذ الدكتور محمد أبو العز على مراجعة اللغة العربية للكتاب.

الصفحات