أنت هنا

قراءة كتاب أسرار لورنس العرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار لورنس العرب

أسرار لورنس العرب

لقد اقترن اسم لورنس عند كل عربي في هذه البلاد بالشجاعة، وقوة الشخصية، والكفاءة في نسف خطوط ومركبات السكك الحديدية. ولست متأكداً إذا كان السبب في هذا هو حنكته، أو الغموض الذي أحاط به نفسه، أو انتفاع بعض أبناء القبائل من عملياته.

تقييمك:
3.5
Average: 3.5 (4 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
وقد اشترى لورنس مسدساً وكاميرا وبعض الضروريات. ثم غادر إنجلترا إلى فرنسا. وقد توقف أياماً في باريس، اشترى خلالها ساعة نحاسية ظل يفخر بها طويلاً. ولكنه فقدها بعد ذلك في سوريا. ثم اتجه إلى مرسيليا، فركب منها سفينة إلى بيروت. وهناك التحق لورنس بمدرسة مدينة جبيل التابعة للبعثة الأميركية (بعد ذلك الجامعة الأميركية) في بيروت. وأخذ في دراسة العربية، فتعلم، كما قال، ثمانين كلمة. وبذلك بدأت معرفة لورنس بالعربية، وهي المعرفة التي سنتطرق إليها، والتي حارَ في تحديدها المؤرخون. فمن هؤلاء من يقول إن لورنس لم يجد قط العربية، وأنه كان يتحدث إلى العرب بالإنجليزية، أو يلجأ معهم إلى المترجمين، ومنهم من قال إنه قد ألمّ بأسرارها، وعرف لهجاتها، وكان يستطيع أن يحدد أصول من يتحدث إليه بها بمتابعة اللهجة التي ينطق بها كلماته.
 
وقد انتقل لورنس بعد ذلك، على قدميه، ومن دون دليل، إلى دمشق، متخذاً كما نصحه صديقه العربي في أكسفورد، طرقاً غير مطروقة. فأخذ يجوب مناطق القبائل السورية فيما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الفرات. وقد طاف بأكثر وديان وسهول سوريا وفلسطين والعراق الغربية. وانقلب به قاربه في نهر الفرات، وكاد يغرق في مياه فيضانه. وقد زار في رحلته هذه 36 حصناً وقلعة صليبية في سوريا. وكان يلجأ في أكثر مأكله ومشربه إلى القبائل العربية ويُقبل على طعامها البسيط والغريب على الأوروبيين. ولكنه التقى أيضاً ببعض الأوروبيين والأميركيين، خصوصاً في صيدا، ونزل عند طبيب إنجليزي في صفد أربعة أيام. وعندما عاد إلى أكسفورد في بداية صيف عام 1910، كانت معه بقية قليلة من النقود التي أعطاها له والده عند بداية رحلته.
 
وقد قام لورنس خلال صيف ذلك العام برحلة أخرى إلى فرنسا. ثم تقدم بعد شهور من عودته في هذه الرحلة الجديدة برسالته الجامعية إلى جامعة أكسفورد، والتي نالَ عنها درجة البكالوريوس في العلوم مع مرتبة الشرف الأولى في التاريخ الحديث. وكانت عن «القلاع الصليبية»، وقد ضمّنها لورنس رسوم وخرائط وصور كثيرة. وتأثر فيها بوضوح باتجاه هوجارث، بأن ما يهمنا من تلك الحصون والقلاع ليس هو ما بقي منها، وإنما ما دار بأدمغة من بناها من أفكار حين قاموا بذلك.
 
وقد قام لورنس إثر تخرجه من جامعة أكسفورد برحلة جديدة إلى فرنسا. وانشغل خلال الشهور التالية بدراسة الآثار الخزفية، وقد وضع فيها رسالة قصيرة. ثم قام مع صديقه فيفيان ريتشارد بمحاولة إقامة مطبعة تقوم بطبع ما يؤلفان من كتب. وقد تأثر لورنس وصديقه في محاولتهما هذه بتجربة الأديب والرائد الاشتراكي وليام موريس، الذي حاول أن يجمع بين التأليف والطبع. وقام لورنس فعلاً بجمع حروف كتاب كامل له على آلة المونوتب. ولكنه لم يستطع طبعه. ثم تحول بعد ذلك إلى تعلم النقش على الخشب، والحفر على النحاس... إلخ. وقد كتب في 1927 إلى صديقه جرافيز:
 
«لقد تمنيت طول حياتي أن أملك القوة على خلق الأعمال الفنية: كالنحت والرسم والكتابة. ولكنني كنت أجد مواهبي في التعبير قاصر عما أحب لها».
 
وسنلاحظ أن حلم تأسيس المطبعة قد ظل يراود لورنس بعد ذلك سنوات، وأنه حين أخذ في وضع كتبه، كان يأخذ في الحسبان طرق ووسائل إخراجها، ويتدخل في شؤون نشرها وتوزيعها.

الصفحات