كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فابن الرومي لم يقف عنده أحد من القدماء وقفة خاصة به وبشعره، كما حدث لأبي نواس مثلاً، أو للبحتري وأبي تمام، أو للمتنبي. وإنما اتخذ اهتمام النقاد به شكلاً آخر تمثل في أن كل ناقد وقف عند ملمح ما من الملامح اللافتة للنظر في شعره وذلك في إطار الموضوع أو القضية التي يعالجها الكاتب أو المؤلف، فقد وقف عنده عبد العزيز الجرجاني في إطار اهتمامه "بالوساطة بين المتنبي وخصومه" فقارن بين صياغته وصياغة المتنبي وراعه طول قصيدته، ولئن كانت وقفته هذه وقفة سريعة، فإن ناقداً فذا كعبد القاهر الجرجاني وقف عنده وقفات متعددة إزاء صوره ومعانيه وبلاغة أساليبه في إطار موضوعي كتابيه "أسرار البلاغة" و "دلائل الإعجاز" وتوازى معه ناقدان مغربيان هما ابن رشيق القيرواني في "العمدة" وحازم القرطاجني في "منهاج البلغاء" وتواصلت خطي المسيرة، وإن كانت خطي تحتاج إلي من يتتبعها بأناة وصبر وأفق متسع يستجيب لطبيعة التأليف العلمي القديم التي لم تكن تعرف الموضوع الواحد، بل الإلمام من كل شئ بطرف واعتبار الشعر ديوان العرب، والشعراء حاملي لواء المعرفة والحكمة، من هنا قد نجد نقداً في كتاب فقهي، أو كتاب تاريخي أو جغرافي، وقد أنجزت هذا البحث في كتاب "ابن الرومي:الصوت والصدى في النقد القديم".
وإذا كانت صورة ابن الرومي في النقد القديم احتاجت إلي من يستوضحها، ويجمع أجزاءها وينفي ما أصابه من إغفال وتجاهل، ويبحث عن الأسباب الجمالية والفكرية لهذا التجاهل، فإن النقد الحديث – مع بداية النهضة – كان نقداً تواقاً للتواصل مع القديم إذ آمن رواد هذه النهضة بأن "الإحياء الفني الحق هو الكشف عن الجوهري في الموروث"(1).
وتنوعت دوائر الحوار مع هذا الموروث للكشف عن هذا الجوهري في النقد والإبداع والفكر، وكان النمو الاجتماعي للطبقة الوسطي في مصر، وما صاحبها من فكر فلسفي دعم دور الفرد معتزاً بفرديته وذاتيته التي "يتحقق بها فردية الإنسان المتميزة من غيره"(2).
كما كان الاتصال بالفكر الأجنبي، والقراءات الدائمة في مجالاته العقلية والوجدانية، وخاصة الشعر والنقد الأدبي الرومانسيين، كان كل ذلك يمثل الأساس الفكري والاجتماعي والجمالي الذي نهضت عليه دوائر هذا الحوار مع الموروث، كما كان هو نفسه، بمثابة معايير اكتشاف ذوات الشعراء الكبار، باعتبار هذا الاكتشاف حلقة مكملة ومدعمة للفكر النقدي الجديد في حواره مع الحاضر من جهة، ومع الآخر (الغرب) من جهة أخرى. لذلك اتجه طه حسين مثلاً إلي صوت متميز هو أبو العلاء كما اتجه إلي ابن خلدون بوصفه ممثلاً العقل العربي المبتكر والفعال، وكانت هذه الدراسات ثمرة من ثمار المنهج الحديث الذي أرسته الجامعة المصرية، كما كانت ثمرة من ثمار توجيهات أستاذه لطفي السيد(3).
وفي هذا الإطار الاجتماعي والحضاري من فكر النهضة الحديثة في مصر، كان طبيعياً أن يكون اكتشاف ابن الرومي والتركيز علي جدته وأصالته، وفرديته، ثمرة من ثمار هذا الفكر الذي صار سنداً قوياً لاكتشاف ذوات شعرية أخرى من التراث مثل الشريف الرضي, أبي نواس والمتنبي وغيرهم(4).
وإذا كان الناقد القديم قد استوقفه ملمح من ملامح البناء الشعري عند ابن الرومي فأشار إليه إشارة سريعة وعارضة جاءت في إطار موضوعه الأصلي، فإن ناقد النهضة النقدية الحديثة، قد وقف عند جزئيات مماثلة، وقفات أعمق وأطول، عكست ما ينتابه من شعور شديد بالنقص في حاضر متخلف، وما يعتمل في داخله من رغبة قوية لتجاوز هذا النقص وصنع حاضر جديد، فقد كانت وقفته تلك "تقوم علي أساس موقف انفعالي ذي شقين: الرغبة في الهروب من حاضر مخز إلي ماض مجيد، والرغبة في تغيير الحاضر بمحاولة إحياء الماضي"(5).