كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الوعي بالشاعر داخل الفكر النقدي لمدرسة الديوان
ولكن هل لم يكتب عن ابن الرومي إلا هؤلاء في ظل الإطار العام؟ بالطبع هذا غير صحيح، فقد ارتبط ابن الرومي بأعلام مدرسة الديوان، وارتبط هؤلاء به، فلم يكن مصادفة أن يجتمع هؤلاء – العقاد – شكري – المازني – علي شاعر واحد، فيكتبون عنه، وكأنهم يصنعون له بعثاً جديداً وحياة لم يعشها، فالمازني – وهو أسبق الثلاثة كتابة عن ابن الرومي – يجمع ما كتبه عنه وينشره عام 1924 في "حصاد الهشيم" للمرة الأولي، وكأنه يري فيه ذاته، وفي أزمته مع عصره أزمته فيحدث بينهما توحد عجيب ، فالمازني الذي تجاوز واقعه المتخلف بعقله المثقف لا يعيش هذا الواقع، فيحتج عليه ويدينه بالنقد اللاذع مرة والسخرية منه مرات، والمازني نفسه، هو المنتمي وجدانياً إلي هموم هذا الواقع، ومن ثم يحدث له تصادم بين وعيه بذاته المثقفة، ووعيه بما هو خارج عنها. هذا التشخيص الذي نراه في "إبراهيم الكاتب" هو نفسه الذي يسوقه المازني لتحديد أزمة ابن الرومي ومن ثم يقع التوحد العجيب بينهما. يقول "إن ابن الرومي يعرف قدر نفسه ولا يخفي عليه مكانه من الفضل والاستحقاق، وإن إحساسه بثقل القيود المحيطة به.. قد أبرز "أنا" في شعره وفي حياته إلي المكان الأول من الواعية. إن الذاتية إنما يبررها إدراك حدودها والتصادم بما هو خارج عنها"(43).
والعقاد الذي عرف باهتمامه بالشخصيات – في كل ما كتب – قد "تناول أنماطاً مختلفة من الشخصية، وترجم لهذه الأنماط كلها"(44). يكون ابن الرومي عنده أول شخصية يكتب عنها كتاباً مستقلاً، فلو تأملت من كتب عنهم من الشخصيات لوجدتهم متباينين حقاً، ولو تأملت تواريخ نشر كل كتاب يتناول إحدى هذه الشخصيات تناولاً مفرداً، لوجدت ابن الرومي قد حظي بأول كتاب يقدمه العقاد عن شخصية. فقد نشره عام 1931. وينطبق الأمر نفسه علي عبد الرحمن شكري الذي ابتدأ درسه شعراء العصر العباسي، كالبحتري – والمتنبي – والشريف الرضي – ومهيار – بدراسة ابن الرومي وتقديمه ولم يحتر في كيفية تقديمه واحداً من هؤلاء مثلما احتار في كيفية تقديم ابن الرومي، فقد كان من السهل عليه أن يلمح كل شاعر من هؤلاء صفة تكون مفتاح درسه إلا حينما تناول ابن الرومي الذي جمع – في نظره – صفات هؤلاء وتفرد بينهم يقول شكري: "... أما ابن الرومي فإننا قد أدركنا في أول الأمر حيرة في اختيار صفة واحدة له، فهو كأنه خباز المعاني. ولكن لعل أصدق وصف يوصف به ابن الرومي هو أن يوصف بالمصور أو الرسام أو النقاش"(45).
ويتميز هؤلاء الأعلام – في كتابتهم عن ابن الرومي وغيره من الشعراء المتفردين مثله بأن كتابتهم لا تصدر فقط عن فكر النهضة النقدية الذي كان يمثل إطاراً عاماً من الثقافة التي حددت مرتكزات التواصل مع الحاضر وفهمه، واكتشاف الماضي لتدعيم هذا الحاضر والقدرة علي حوار الطرف الآخر (الغرب) بل كان هؤلاء الأعلام الثلاثة – كما نعلم جميعاً – أصحاب مدرسة نقدية جديدة، وأصحاب رؤية أدبية بوصفهم مبدعين ونقاداً في آن واحد. ونهضت مدرستهم علي أساس اجتماعي هو ازدياد دور الطبقة الوسطي في الحركة السياسية والاقتصادية، كما نهض الجانب الفكري لهذه الممارسة علي ما استمده من فكر هذه الطبقة، وهو فكر صاغه أحمد لطفي السيد ويستند إلي سند نظري من الفلسفة الليبرالية "التي تقدس الذات الفردية ومن مفهومها عن الحرية الفردية"(46).
فالفلسفة الليبرالية تؤكد علي الحرية الفردية بوصفها حرية الاختيار وتري أنها الميزة التي تتفاضل بها الموجودات "ولن تتحقق حرية الاختيار إلا لمن يستطيع أن يتسامي علي من دونه من المرجوحين"(47).
فالعقاد – مثلا – يري أن الذاتية هي الغاية من الرقي ويعتقد أن "الوجود هو الانتقال من وجود بغير ذات إلي وجود له ذات أو إلي وجود يعلم ذاته ويشعر بجوهره"(48).
ولذا كان العقاد – (أكثر من زميليه شكري والمازني) – من تلك الشخصيات الكبيرة التي يصعب عليها دائماً أن تنسي نفسها"(49).