كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مجموعات الكتاب
المجموعة الأولي
ويمكن أن نتبين صدق ما نقول من خلال هذه الدراسات المبكرة في دوريات صدرت في سوريا، وفي مصر، ونقصد دوريات: الحديث، والأديب، والرسالة والمقتطف، وما واكب هذه الدوريات من كتب تناولت ابن الرومي وفنه الشعري، وهي إما كتب تناولت هذا الشاعر فقط، وإما كتب تناولته مع غيره من الشعراء العباسيين المتميزين. وبالنسبة للدوريات، نجد لحفني غالي دراسة بعنوان "فلسفة السخر بين أبي العلاء وابن الرومي وأنا تول فرانس" ودلالة العنوان دلالة حضارية إذ تحمل مقارنة بين إطارين حضاريين: الحضارة العربية القديمة في العصور الوسطي ويمثلها أبو العلاء وابن الرومي، والحضارة الغربية المعاصرة ويمثلها أناتول فرانس، والكاتب يستدعي هذين الشاعرين العربيين مدفوعاً برغبته في تجاوز الهوة السحيقة بين الماضي المشرق والحاضر المتخلف من ناحية وبين التفوق الحضاري الغربي من ناحية أخرى، فيري أنك "لو بحثت في آداب الأمم لما وجدت هذه الصفة أكثر توفراً منها في أبي العلاء المعري وابن الرومي في آدابنا العربية، وأناتول فرانس وفولتير في الآداب الفرنسية"(6).
فهنا ملمح من ملامح التشابه بين ماض مجيد، وحضارة معاصرة متفوقة وليس بين الحاضر وهذه الحضارة، وهذان الشاعران يمثلان هذا الملمح كما يمثله أناتول فرانس وفولتير ولعل دلالة الانفعال واضحة في حكم حفني غالي، وهو حكم تعميمي. إذ أن صفة السخرية لا تتوفر إلا في هذين الأدبين دون آداب الأمم الأخرى. لذلك فأن "سخرية أناتول فرانس كسخر أبي العلاء سخر العراف المتأمل الذي درس كل رأي ولم يظفر بالحقيقة"(7).
ولئن كان سخر أبي العلاء وأناتول فرانس سخرا متشابها في أنه "سخر العارف المتأمل" الذي يبتغي الظفر بالحقيقة، فإن الكاتب يري أن ابن الرومي يمتاز منهما بأن سخريته، هي سخرية الفنان، وأبعد ما تكون عن الفلسفة وهي تعد بحق سخرية الفنان إذ تتناول الصور والأشكال"(8) إنها سخرية التصوير الناتجة عن إدراك الخيال للمتناقضات في الواقع النفسي أو المادي، ولذلك فهي علي حد قول الكاتب "لا شأن لها بما في أعمال البشر وما في الحياة من مواطن كثيرة للسخر"(9) بمعناه العقلي، ومن ثم فإن ما يهمنا في هذه الدراسة هو الموقف الانفعالي وراءها والزاوية التي قدم منها الكاتب ابن الرومي، فقد قدمه مقرونا بشخصين يغلب عليهما الاشتغال بالفكر والعقل، ليتمايز ابن الرومي منهما، بما عنده من خيال الشاعر المبتكر الذي يختلف تقديمه للأشياء عن تقديم المفكر أو الفيلسوف. بما يمتلك من أدوات التصوير فإذا كان الناقد القديم كعبد القاهر الجرجاني في حديثه عن التشبيه، قد توقف مرات عديدة معلقاً ومحللاً لأبيات عديدة من شعر ابن الرومي مستحسناً لها(10).
فإن الناقد الحديث قد توقف عند التصوير في شعر ابن الرومي بوصفه أهم أدوات الشاعر، مقارنا بما عند المفكر من أدوات إدراك الأشياء وتقديمها.
وإن كان حفني غالي قد انتهت به المقارنة بين أبي العلاء وابن الرومي من ناحية وبين أناتول فرانس من ناحية أخرى في فن السخرية، إلي تمايز ابن الرومي بسخريته القائمة علي التصوير الفني وإلي المقابلة بينه وبين المفكر، فإن كمال حريري قد اهتم بتعميق هذه الخاصية في شعر ابن الرومي لا من خلال المقابلة بينه وبين المفكر، بل من خلال المشابهة بين فن الشعر وفن الرسم، وذلك في دراسته عن "الألوان والصور في شعر ابن الرومي وهي دراسة تفترض أن الحقيقة هي مبتغي الرسام، كما هي مبتغي الشاعر، وأن كلا منهما يتوسل بما لديه من وسائل في تصوير هذه الحقيقة، ومن ثم فإن الدارس يتساءل: أي الرجلين كان ابن الرومي: الشاعر أم الرسام؟ "كلا الفنانين ممثل للحقيقة إلا أن الراسم يصوغها شكولاً وألواناً، والشاعر ينقلها شعوراً ووجداناً.. فأي الرجلين كان ابن الرومي؟(11).
وبالطبع فإن التساؤل مدار المعرفة، ويحاول كمال حريري أن يبرهن علي معرفته بما لمسه من خصائص التصوير عند ابن الرومي، وقدرته علي استخدام الألوان وتقديم الأشكال، في ظل أداة رمزية مجردة هي اللغة، ويتناغم مع اجتهاد كمال حريري(12). في بحثه، بحث آخر، تواكبا علي صفحات الرسالة، وقد نشر هذا البحث عام 1934م عن "الصورة والتصور والتصوير" "للأستاذ الحوماني صاحب مجلة العروبة"(13).