كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وهو يقوم علي التفرقة بين مدلول كل من هذه الكلمات ودورها في تقديم الجمال في الشعر أو الفن "الرسم" ومن ثم فهو يلتقي بقصده، مع مسعى كمال الحريري حينما عقد مقارنة بين الرسام والشاعر من خلال شعر ابن الرومي وتنهض هذه التفرقة في قول الأستاذ الحوماني "علي أن هناك في حيز الشعر صورة وتصوراً، وتصويراً، ولكل منها نصيب من الجمال في الحياة، مناط الجمال في كل منها إنما هو الفن فالصورة إحدى ظواهر الطبيعة وهي إما حقيقة أو خيال، والتصور مرور الفكر بهذه الحقائق يتصفح صورها، والتصوير إبراز هذه الصور إلي الخارج بشكل فني"(14).
إن تحديد موطن الجمال ومصدره هو الذي يلح علي تفكير الأستاذ الحوماني، لذلك فإنه يري أن الصورة هي المادة الأولي التي يدور عليها عمل التصور، وعمل التصوير. والصورة هنا بمعني الشكل في حالته الأولي قبل أن يتدخل فيه عمل الإنسان مفكراً أو فناناً(15). ومن هنا تأتي التفرقة بين التصور والتصوير من طريقة التعامل مع الصورة بوصفها شكلاً أولياً خالياً من الجمال الفنى إن أداة التصور الفكر وأما أداة التصوير فهي الخيال واللغة، لذا فإن الجمال لا يكمن في الصورة، ولا في التصور، وإنما يكمن الجمال في التصوير، ومن ثم فإن الحوماني، وكمال حريري يلتقيان حول علاقة الشعر بالتصوير أو الأشكال، ويقف الحوماني وقفة متأنية عند تصوير الأشكال في شعر ابن الرومي، وتشغله صورة الأحدب مع قبحه، لكن هذه الصورة إذا صارت تصويراً لم تعد قبيحة "فإذا وصف الشاعر قبيحاً فأبدع في تصويره، فقد صور لك جمال الفن" وأن الشاعر قد يصور قبيحاً في الحياة فلا يخرجه عن كونه شاعراً فيما صور"(16).
مدار الجمال إذن في التصوير والجمال هو مدار الفنون، كل فن وما يتوسل به من أدوات، والأصح أن هؤلاء – حفني غالي – كمال حريري – الحوماني – يتجاوزون بفن الشعر عند ابن الرومي حدوده ليلتقي بفن آخر هو الرسم، أداته تختلف عن اللغة لدي الشاعر ومن ثم يظل السؤال معلقاً عندهم، جميعاً، وهو كيف تهيأ لابن الرومي أن يوسع من إمكانات أداته فتستوعب أداة فن الرسم؟ والحقيقة أنه يبدو لي أن هؤلاء الثلاثة، قد حاول كل منهم الإجابة عن هذا التساؤل في ظل حدود بحثه، وما أدركه من شعر ابن الرومي، فحفني غالي عندما أشار إلي أن السخرية عند ابن الرومي تتمايز من سخرية أناتول فرانس وأبي العلاء بأنها سخرية الفنان المهتم بالصورة والأشكال، كان يشير إلي قضية تناول الشيء الواحد عند المفكر والفنان وهذا ما جعل الشاعر عنده بعيداً عن المفكر وعمله التجريدي، وقريباً من الرسام المصور، وأن جمالها جمال نسبي، وكذلك قبحها، وأن "الشاعر يمتاز من غيره بتصور هذا الخفي ثم لا يكون فناناً حتي يصوره فالرسام إنما يصور لك المرأة الجميلة حتي كأنك تري شخصها، والشاعر إنما يصفها لك حتي كأنك تلمس روحها، إنما يصور ذلك، وصف هذا، وكلاهما شاعر فنان"(17).
وإن كان الرسام يركز علي الملامح المادية للجمال – كما يبدو من كلامه – بينما يركز الشاعر علي الملامح الخفية أو الصورة الباطنة فيجسدها، وكأنها والملامح المادية للجمال سواء بسواء أمام بصيرة المتلقي. ومن ثم يلتقي عند الحوماني الشاعر والرسام في ابن الرومي لأنه حينما صور الأحدب لم يكن يصور شكله أو يصفه فقط، بل كان يصور الملامح الخفية لهذه الصورة. غير أن من الواضح أن يقظة حواس الشاعر تلعب دوراً أصيلاً في تكوين صوره الشعرية، وأن نشاط هذه الحواس أو خمولها يتوقف عليه اقتراب الشاعر بفنه الشعري من مجال فن آخر كالرسم أو بعده عنه، وهذا لم يشر إليه حفني غالي أو الحوماني وأشار إليه كمال حريري، بل اعتبر نشاط الحواس ويقظتها عند ابن الرومي المدخل الحقيقي للعلاقة التي أقامها بين الشاعر والرسام، وهي نفسها المعبر الرئيسي الذي عبر عليه ابن الرومي بفنه الشعري اللغوي إلي الرسم وهو فن الألوان والأشكال. ومن ثم فإن كمال حريري كان أكثر من زميليه توفيقاً في الإجابة عن التساؤل السابق عن تجاوز فن الشعر مجاله عند ابن الرومي إلي فن الرسم، ويبدو ذلك من قوله "وجملة القول في شعره – أي ابن الرومي – أنه كانت تعرض الصورة أيا كان نوعها، فلا يصورها بحاسة واحدة وإنما يوكل بها حواسه كلها فترسم عينه أشكالها وألوانها وأضواءها وظلالها ولمحاتها، وتنظم أذنه صوتها وجرسها، وينقل الأنف عرفها وريحانها، واللمس وقعها وأثرها، أي أن جميع حواسه تنهض في تصوير هذه الصورة حتي تبرزها موفورة الحظ من الحياة. وفي هذه الأبيات يصف شمس الأصيل وهى تجنح عن روضة غنى عن الشرح:
وقد رنقت شمس الأصيل ونفّضت
***
على الأفق الغربى ورسا مزعزعا
ولاحظت النوار وهى مريضة
***
وقد وضعت خداً على الأرض أضرعا
وقد ضربت في خضرة الروض صفرة
***
من الشمس فاخضر اخضراراً مشعشعا
وأذكى نسيم الروض ريعان ظله
***
وغنى مغنى الطير فيه فسجعا
وغرد ربعى الذباب خلاله
***
كما حثحث النشوان صنجا مشرعا
ولئن حفل شعر أبى تمام والبحترى بالكنايات الظريفة والاستعارات الطريفة، فابن الرومى في الشعر التصويرى الملون نسيج وحده(18) ومن حقه بناء علي ما تقدم "أن يكون شاعر المصورين ومصور الشعراء" بلغة كمال الحريرى.