أنت هنا

قراءة كتاب الاغتراب في الشعر العربي في القرن السابع الهجري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاغتراب في الشعر العربي في القرن السابع الهجري

الاغتراب في الشعر العربي في القرن السابع الهجري

كتاب " الاغتراب في الشعر العربي في القرن السابع الهجري" ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 5

الاغتراب في التراث العربي

يذهب بعض الباحثين إلى أن الاغتراب أساسه ديني، إذ ورد في الموسوعة الفلسفية العربية أن دلالات الاغتراب تعود إلى الديانات السماوية الثلاث (اليهودية، والمسيحية، الإسلامية)([31]).

وهناك من يرى أن الإسلام في جوهره ظاهرة اغتراب وتحول اجتماعي نوعي بحكم كونه هجر عبادة الأوثان والأصنام، وثورة على النظام الاجتماعي غير العادل وإبداله بنظام تسوده مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، وثورة نفسية داخلية ضد سلطة النفس الأمارة بالسوء([32]).

ويبدو أنَّ الاغتراب الحقيقي ربما عانى منه الإنسان الجاهلي لعدم التزامه بعرف سماوي عادل، ولهاثه خلف تقاليد وضعية جائرة يملؤها الظلم والطغيان والفروقات الاجتماعية، فهداهم الإسلام وأنهى بذلك اغتراباً اجتماعياً ونفسياً وانتفت بفضله الكثير من مظاهر الاغتراب على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وإن كان المسلمون في أول الدعوة غرباء بين أهلهم وقبيلتهم، فإن ذلك الاغتراب زالت دوافعه ومؤثراته بانتشار الإسلام.

وربما عادت بعض مظاهر الاغتراب بعد قرن من الزمان إذ (نفشت فتنة الشبهات والشهوات، وتغلبت الأهواء السياسية على النزعات الدينية، فتسلل الاغتراب إلى كثير من النفوس سواء أكان اغتراباً ايجابياً أم سلبياً)([33]). لذلك فقد جاء في الخبر أن الرسول r قال: (بدأً الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدا فطوبى للغرباء)([34]).

وشغل الاغتراب حيزاً كبيراً من فكر علماء الإسلام واهتمامهم وقسموه إلى أنواع مختلفة تبعاً لنظرة إسلامية مثل اغتراب الأوطان واغتراب الحال واغتراب الهمة([35])، ولاسيما عند المتصوفة إذ يسمي الخطابي (-388هـ) كتابه (العزلة) فيميز بين نوعين من العزلة، الأولى فكرية والثانية عزلة الأشخاص([36]). إذ أصبحت الكلمة تحمل مدلولين الظاهر والباطن، كما أن الإحساس بالتفرد والغربة يدفع نحو ضمور الذات، لأن الصوفي يسعى إلى أفناء ذاته في الذات الكبرى، فنجد رابعة العدوية (-185هـ) وقد بلغت مرحلة التجرد والاستغراق في حب الذات الإلهية، فغربتها روحية خالصة، زال إحساسها حين وجدت حماها في رحابه ويعرف الهروي الأنصاري (-481هـ) الاغتراب بأنه (أمر يشار به إلى الانفراد على الأكفاء)([37]) فكل من انفرد بوصف شريف دون أبناء جنسه فأنه غريب بينهم، والانفراد أما أن يكون بالجسم أو بالفعل أو بالهمة.

وتقترن الغربة عند أبي حيان التوحيدي بالمأساوية فقد عبَّر عن الاغتراب بمعانيه المختلفة، وميَّز بين الغربة المكانية والغربة النفسية والتي هي عنده الغربة الحقيقية والتي عكس معايشتها له نتيجة معاناته من الظروف القاسية التي مرَّ بها، فكانت حياة الفقر والبؤس، وقسوة المعاناة التي ولدت لديه حالة من العجز الفكري واليأس من الحياة مما دفعه إلى حرق عصارة أفكاره، وهذا يعكس اغترابه الفكري والروحي ويمثل حالة قطيعة مع مجتمعه الذي لم يفهمه([38]) إذ يقول: (فأين أنت من غريب قد طالت غربته في وطنه وقلَّ حظه ونصيبه من حبيبه وسكنه؟ وأين أنت من غريب لا سبيل له إلى الأوطان ولا طاقة به على الاستيطان)([39]) إذ يأتيه شعوره بالمحنة وعدم تكيفه مع واقعه من إحساسه العالي بالتفرد والعلو الذاتي لأنه يشعر بالاقتلاع عن هذا العالم.

لذلك نجد في توجهنا لفهم هذا النمط من الفعالية الفكرية والنفسية مؤهلاً لاستيعاب ذلك الخلط في مفاهيم الاغتراب الاجتماعية والنفسية والسياسية. لذلك وصف أحد المستشرقين المنصفين أبا حيان التوحيدي بقوله: (لقد كان أبو حيان فناناً غريباً بين أهل عصره، وكان يعاني وحشة من يرتفع عن أهل زمانه ويتقدم عليهم)([40]).

أما ابن باجة (-533هـ) فقد عاش حياته في غربة عقلية تجلَّت في آثاره، إذ يعطي بعداً دلالياً لمفهوم الغرباء عندما يُشبهه بالزرع الذي ينبت في غير موضعه، ويطلق عليه اسم (النوابت) بقوله: (هم من لم يجتمع على رأيهم أمة أو مدينة، وهؤلاء هم الذين يعنيهم الصوفية بقولهم الغرباء، وأن كانوا في أوطانهم، وبين أترابهم وجيرانهم، غرباء في آرائهم، فقد سافروا إلى مراتب أخرى هي لهم كالأوطان)([41]) فهؤلاء سموا بـ (النوابت) تشبيهاً لهم بـ (العشب النابت من تلقاء نفسه بين الزرع)([42]).

ويضيف ابن القيم (-751هـ) ثلاثة أصناف من الغربة وهي غربة أهل الله وأهل سنة رسوله r بين هذا الخلق، وهي غربة مدحها الحديث الشريف، ثم غربة مذمومة وهي غربة أهل الباطل، وأخيراً غربة مشتركة لا تحمد ولا تذم وهي الغربة عن الوطن([43]).

وبرز المفهوم في كتابات بعض المفكرين العرب، كنوع من الهرب من الواقع المعاش، والدعوة إلى عالم المُثل، وذلك حينما يُحلِّق الإنسان بفكره وروحه من عالمه الذي أرهقه وجوده فيه إلى عالم أقرب ما يكون إلى الخيال الذي لا يتحقق، كدعوة الفارابي (-339هـ) إلى أنشاء مدينة فاضلة، بسبب معاناته الخاصة في حياته، وابن سينا (-428هـ) الذي يرى أن الإنسان لا يبرى من غرائزه وانفعالاته إلاّ بغربة تأخذه إلى بلاد لم يطأها من قبل أمثاله، وعبد الرحمن الكواكبي (-1902هـ) في حديثه عن الاستبداد([44]).

الصفحات