كتاب " الاغتراب في الشعر العربي في القرن السابع الهجري" ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الاغتراب في الشعر العربي في القرن السابع الهجري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الاغتراب في علم النفس
ويتضح المصطلح من خلال أعطاء مفهوم واضح للذات الإنسانية وعلاقتها بصاحبها، إذ يرى كثير من علماء التحليل النفسي كفرويد، وأريك فردم، وهورني أنَّ الاغتراب حالة نفسية يعاني أصحابها من الشعور بعدم الارتياح وعدم الاستقرار، والقلق والشعور بالضياع والعزلة، وعدم الفعالية، والوحدة والتضاؤل، وهذا الشعور كثيراً ما يؤدي إلى نتائج نفسية منها تفكك مشاعر الفرد وإحساسه بعدم أهميته والفصامية والذهانية ومن ثَمَّ اختلال الشخصية([58]).
إذ يتميز هذا المعنى بكونه ينطوي على شعور الفرد بانفصاله عن ذاته، ويُعدُّ ما كتبه العالم أريل فروم من أكثر البحوث دقة وعمقاً في هذا الموضوع، إذ تناوله من زاوية تكوين الشخصية، ورأى أنَّ الاغتراب هو نمط من التجربة يرى الفرد نفسه فيها كما لو كانت غريبة عنه، فالفرد يصبح منفصلاً عن نفسه([59])، وبذلك يمسي المصطلح فضفاضاً، ولا يرى فروم أنَّ الانفصال عن الذات يتمثل في التباعد بين طبيعة المرء الجوهرية ووضعه الفعلي، إذ لا يعتقد أنَّ للإنسان جوهراً يمكن التحقق من وجوده، إلاَّ أنَّه يقدم مفهوم الذات من خلال معانٍ مماثلة كالفردية والعفوية، فيدعو إلى تطوير الذات والقضاء على أي شيء قد يعوق هذا التطور([60]).
أما المعنى الآخر للاغتراب عن النفس فهو افتقاد المغزى الذاتي والجوهري للعمل الذي يؤديه الإنسان وما يصاحبه من شعور بالفخر والرضا، ومن البديهي أن يخلق اختفاء هذه المزايا من العمل الحديث شعوراً بالاغتراب عن النفس([61]).
ويرى د. محمود رجب أنَّ (الاغتراب في سياق علم النفس متعلق بما يحدث للفرد من اضطرابات نفسية وعقلية وما يستشعر من غربة في العالم، وفتور أو جفاء في علاقته مع الآخرين)([62]).
ويؤكد عبد اللطيف خليفة ذلك المعنى بقوله: (ينظر الباحثون إلى اغتراب الذات باعتباره اضطراباً نفسياً يتمثل في اضطراب الشخصية العصامية حيث يتسم الشخص العصامي بالعجز عن إقامة علاقات اجتماعية، أو الافتقار إلى مشاعر الدفء واللين، أو الرقة مع الآخرين، فهناك تشابه بين اغتراب الذات واضطراب الشخصية العصامية، في أنَّهما يشيران إلى صعوبة استمرارية العلاقات الاجتماعية مع الآخرين من أفراد المجتمع)([63]).
فالاغتراب إذن حالة إنسانية نفسية اجتماعية تسيطر على الفرد فتجعله غريباً وبعيداً عن واقعة الاجتماعي، وهو في الوقت نفسه (تعبير عن توتر نفسي نتيجة شعور المرء بالعزلة أو العجز، وهو الإحساس الفردي بالافتراق في الفكر والوجدان، والتركيبة الذاتية عن المحيط، فيصير الفرد غريباً عن وسطه، وربما غريباً حتى عن ذاته، لشعوره بأنَّ أفكاره صارت فروضاً غريبة، وأنَّه مُقيد بمشيئة عالم غريب عنه)([64]).