كتاب " اللفظة الاقصائية في النقد العربي القديم اركيولوجيا السلطة والمعرفة " ، تأليف محمود خليف خضير، والذي صدر
أنت هنا
قراءة كتاب اللفظة الاقصائية في النقد العربي القديم اركيولوجيا السلطة والمعرفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللفظة الاقصائية في النقد العربي القديم اركيولوجيا السلطة والمعرفة
الفاظ الاقصاء:
الكفر:
تمثل لفظة الكفر الاقصائية النسق السلطوي الذي يتداخل مع دائرة السلطة الثقافية المهيمنة على النسق المنفتح المحاول ان يخرج من هذه الدائرة؛ لذلك نجد ان النقاد قد اتخذوا من النسق المغلق او عامود السلطة المهيمن منظومة او اداة تتجلى لهم في نقدهم للابيات الشعرية التي يحاول الشاعر فيها ان يخرج عن النسق المغلق المتبلور في هيمنة السلطة الثقافية،والمعرفية،والاجتماعية، والسياسية بانه كافر، اذ يقدم الصولي نص يشير به الى ان الشاعر دُعبل اتهم بالكفر، وفي مقاربتنا للنص الصولي يكشف عن اصدار الحكم من شاعر علي بن الجهم على الشاعر اخر دعبل؛ لانه كذب على ابي تمام، اذ يقول الصولي: (حدثني محمد بن موسى قال: سمعت علي بن الجهم ذكر دعُبلا فكفره ولعنه، وطعن على اشياء من شعره، وقال: كان يكذب على ابي تمام، ويضع عليه الاخبار، والله ما كان اليه ولا مقاربا له واخذ في وصف ابي تمام، فقال له رجل: والله لو كان ابو تمام اخاك مازاد على مدحك له، فقال: الاّ يكن اخا بالنسب، فانه اخ بالادب والدين والمودة)([30]) يتجلى لنا من خلال قراءتنا لهذا النص ان الشاعر علي بن الجهم يدافع عن ابي تمام ضد خصم آخر، وهو الشاعر دُعبل واصفا اياه بالكافر والملعون،ولعل وصف الكفر من الالفاظ التي ارتبطت بالخطاب الديني المنسجم مع طرح القرآن والسنة النبوية، اذ ان كلمة كفر اطلقت على كل من لم يدخل الدين الاسلامي ولا يؤمن بالله لاسيما المشركين بالله؛ لذلك كان لهذه اللفظة وقعتها المهيمنة في الاحكام النقدية العربية القديمة على الشاعر والشعر، وان تحيز علي بن الجهم لابي تمام يتخذ منحى اخر عند الناقد الصولي في موضع اخر من كتابه اذ يدافع عن ابي تمام محاولا ان يفرق بين شخصية الشاعر وشعره في كون ان الشاعر ان كان مؤمنا او كافرا وملحدا لا يمثل معيارا علميا وموضوعيا في اصدار الحكم عليه وعلى شعره، فقد وجد ان اكثر الذي انتقدوا شخصية ابي تمام انطلقوا من خلفية معرفية ارتبطت بسلطة التقاليد والقديم المتجلية في هيمنة نموذج او شكل خاص من القصيدة القديمة التي مثلت هيمنة ثقافية حافظت على استمراريتها وتجددها ومن يحاول الانعتاق والخروج من سلطتها وهيمنتها يتهم بالكفر، ولقد حاول ابو تمام ان يجدد او يُحدّث القصيدة العربية من داخلها متجاوزا ركن من اركان عمود الشعر العربي في البحث عن الغريب والبعيد من الاستعارات والافكار، فكان هاجس الخروج على هذا الركن الشعري تقويضا لهيمنة وفهم الجماعة المفسرة التي لم تستوعب هذا الخروج والانزياح في كون شعر ابي تمام ارتفع وتجاوز المفاهيم والمعايير المعروفة لدى جماعة النقاد التي هيمنة عليها سلطة ومعايير الشعر الجاهلي وقيمه الشعري، لذلك انتقد ابو تمام بخروجه عن عمود الشعر العربي وتركيبة القصيدة القديمة وبنائها الفني ولغتها واستعارتها وافكارها التي اتجهت في شعر ابي تمام الى حدود ومناطق بعيدة عن المعروف والمعهود، فاستعارته وافكاره غير مألوفة ومعانيه بعيدة المنال،اذ كانت تتصف بالالتواء والتعقيد والغوص في متاهات بعيدة خرقت عمود الشعر العربي القديم مما سبب له اتهامات كثيرة من ضمنها الكفر؛ لذلك حاول الصولي ان ينصف الرجل بان الكفر او الايمان لا يمكن ان يكون معيارا يقاس به الحكم على الشاعر في قوله: (قد ادعى قوم عليه الكفر بل حققوه، وجعلوا ذلك سببا للطعن على شعره، وتقبيح حسنة وما ظننت ان كفرا ينقص من شعر، ولا ان ايمانا يزيد فيه، وكيف يحقق هذا على مثله، حتى يسمع الناس لعنه له. من لم يشاهده ولم يسمع منه، ولا سمع قول من يوثقا به فيه؟ وهذا خلاف ما امر الله عز وجل، ورسوله عليه السلام به، ومخالف لما عليه جملة المسلمين لان الناس على ظاهرهم حتى ياتوا بما يوجب الكفر عليهم بفعل او قول)([31]).
ولو وسعنا الرؤية فاننا نتلمس احكاما نقدية تصدر عن شعر ضد شاعر متهمه بالكفر والتي لا يمكن الا ان نضعها في حقل التحاسد والغيرة، وان كان الشاعر في الاحكام النقدية العربية القديمة قد وقع بين سلطتين سلطة تمثل النسق المغلق الذي مثله غالبية الشعراء في المحافظة على نسق الشعر العربي القديم ودخولهم في دائرة السلطة في مدح الخلفاء وغير ذلك،وما ترغب السلطة بسماعهم واخرى تحاول ان تحافظ على تقدمها وعلى خاصية عصرها الذي وجدت فيه اذ ان تقادم العصر وتطوره في جميع المجالات يؤدي الى انعتاق الشاعر والبحث عن الحداثة ومما تستجده متطلبات العصر مثل ابي نؤاس وابي تمام؛ لذلك لا يمكننا ان نطمئن او نثق في حكم شاعر ضد اخر،اذ يعترف بعض الشعراء بان خصمهم خير منهم و ان كان على استحياء او خفاء،ولقد كشفت النصوص النقدية ان لفظة الكفر هي نقص من شخصية الشاعر وليس من شعره،فعندما سئل نوح ابن جرير اباه قائلا له: أي اشعر انت ام الاخطل؟ فقال جرير: (اني اعنت عليه بتوليه من سنة وكفر من دينه وما رايته في موضع قط الا خشيت ان يبتلعني)([32]) ان هذا النص يحمل في طياته اعترافا ان الاخطل وان كان نصرانيا فقد اعيب على دينه؛ لذلك مثل لدى النسق النقدي المغلق كافرا لا يمكن ان يضاهي المسلم الا اقل منه شعرية. ومن يقرأ حديث احمد بن يحيى النحوي في تعليقه على بيت قيس بن ضريح في قوله:
نُباحُ كلبٍ بأعلى الوادِ من سَرِف
اشهى الى النفس من تأذِين أيُّوب