كتاب " اللفظة الاقصائية في النقد العربي القديم اركيولوجيا السلطة والمعرفة " ، تأليف محمود خليف خضير، والذي صدر
أنت هنا
قراءة كتاب اللفظة الاقصائية في النقد العربي القديم اركيولوجيا السلطة والمعرفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

اللفظة الاقصائية في النقد العربي القديم اركيولوجيا السلطة والمعرفة
نجده اكثر حدة في حكمه على هذا البيت الذي مثل نصه الشعري كفرا، لايجوز شيوعه بين الناس فقال احمد بن يحيى النحوي لزبير بن بكار (من قال هذا الشعر؟ قال قيس بن ذريح، قلت: من ايوب؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم: قال قلت: والله لا يحل لك ان تروي هذا، هذا كفر قال: اذهب لا صحبك الله علىّ انا من كفره شئ)([33]) يشير تعليق يحيى النحوي على هذا البيت مدى ملازمة او مطابقة معيار النقد مع المعيار الدينية في اصدار حكم نقدي على هذا النص الشعري.
وتتعزز سلطة اللفظة الاقصائية الكفر بوصفها ادات قمعية نفعية تنطوي على حقيقة مطلقة عندما يتحول السلطان او الخليفة الى ناقد للشعر اذ تعمل دائرة السلطة او جلسائه الذين يمثلون أعلى هرم في السلطة ترعى وتحافظ على منظومة الخطاب السلطوي الثابت من خلال المحافظة على وقارة الخلافة وممارسة سلطة مراقبة للنشاطات الابداعية والفكرية التي تتجاوز الحدود و التابوات والمحرمات التي يستحق عليها الشاعر العقاب كنظام يبعث ثنائية تضبط مسار الفكر والثقافة بما يخدم خطاب السلطة مما يتمظهر فعل السلطة في صورة المراقبة والعقاب([34]) التي تشتغل على تهميش او تغييب واقصاء الشعراء والشعر الذي لا يدور في فلك السلطة او خطابها،فقد ذكر المزرباني مجلس من مجالس الرشيد كان فيه يتذاكر مع الحضور الشعراء المطبوعين والمحدثين الى ان وصل الذكر الى شعر ابي نؤاس، فاتهمه سليمان ابن ابي جعفر بالكفر محرضا الخليفة هارون الرشيد ضد ابي نؤاس في كونه منظما كلاما فاحشا لا يمثل الشاعر الملتزم في قوله:
يا ناظراً في الدين ما الأمرُ !
لا قَدَرٌ صحّ، ولاجَبْرُ!
ما صحّ عندي مِن جميع الذي
تَذْكُر الا الموتُ والقبرُ
ثم انشد قوله:
باح لساني بمُضر السرّ
وذاك أني اقول بالدهر
وليس بعد الممات مُرتْجَعٌ
وانما الموت بَيضة العُقْر
فاشطط غضب الرشيد([35]).
لو وسعنا الرؤية في الابيات الاولى لوجدنا ان النص متضمنا لخلاف عقائدي بين القدرية والجبرية محاولا الشاعر ابو نؤاس ان يدلو دلوه بقوله: ان الصحيح لديه هو الموت والقبر لانه مدرك محسوس، ولكن فجوره والالحاده وفساده يتجلى في تجاوزه الحد باشارته الى فكرة ملحدة ترتبط بعدم الاعتراف بوجود القيامة،اما الأبيات الأخرى فتشير فيها بصورة واضحة الى انه ملحد من جماعة الدهرية وهذا خلاف عقائدي مرفوض عند المذاهب الاسلامية ؛ لذلك كان على الخليفة الذي يمثل القانون الذي يحمي المسلمين ويحافظ على دينهم ان يأخذ موقف صارما من هذه الابيات، و يمثلان هذان النصان مرحلة تجاوزت النسق الثقافي والدين الذي كان يمثل عمود السلطة وهو وجود المسلمين،فان الشاعر ابي نؤاس الذي يعد شعره رافضا للعقيدة الاسلامية يستحق ان يطلق عليه كافرا ملحدا لكون شعره يتماهى مع شخصيته الملحدة والشاكة.
ويعلل الحاتمي لابي الطيب المتنبي في اثناء لقاء له مع الشاعر (المتنبي) انه كافر محاولا حصر القضية بيه وبين المتنبي عندما يحول ان يناقش المتنبي في ابيات رأها الحاتمي تمس العقيدة الاسلامية فدافع عن ابياته المتنبي،ولكن الحاتمي ومن خلال قدرته النقدية يرد على المتنبي بانه قد تناص مع القرأن،وان هذا المعاني موجودة في القران الكريم كاشفا الحاتمي للمتنبي خطأه وعدم الصوب في فهمه للمعانى الايات التي يرتكز عليه في دفاعه، مما دفعه على التحامل عليه ـــ المتنبي ــــــ في قوله:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع
فان لحت حاضت في الخدور العواتق
فقال الحاتمي للمتنبي (اهكذا ينسب بالمحبين؟ فقال: اما هكذا في كتابكم؟ فكفر، لعنه الله، فقلت: اين؟ فقال في قوله تعالى (فلما راينه اكبرنه) أي حضن شهوة له واستحسانا لصورته، فقلت: لم يقل هذا احد من محصلي اهل العلم، ولا شهد به ثقة)([36])، ولعلنا في قراءتنا لهذا البيت الشعري نجد ان تفسير الشاعر لكلمةحاضت لا تستحق الكفر وان اخطأ في فهم معنى (أكبرنه) والتي هي بمعنى اعظمنه، ولكن تحامل الحاتمي وجد فيه خطأ يدخله دائرة الكفر، وان كان المتنبي من خلال الاستشهاد بأيات القرآن دافع عن شعريه شعره محاولا ان يثبت ان شعره لم يخرج عن المألوف وما جاء بالقران الكريم؛وذلك لان النص القرأني هو معيار اللغة الفصيحة والمعجزة وخير دفاع للمتنبي ولكن الحاتمي ترصد له خطأه متهم اليه بالكفر.
ويرى ابن وكيع التنيسي ان المتنبي قد كفر في اثناء تعليقه على ابيات شعرية في قوله:
أي محل ارتقي
أي عظيم اتقي
وكل ما قد خلق اللـه
وما لم يخلق
محتقر في همتي
كشعرة في مرفقي
(هذه ابيات فيها قله ورع: احتقر ما خلق الله عز وجل، وقد خلق الانبياء والملائكة، والصالحين، وخلق الجن والملوك والجبارين، وهذا يجاوز في العجب الغاية، ويزيد على النهاية، وقد تهاون بما خلق وما لم يخلق، فكأنه لا يستعظم شيئا مما خلق الله، وهو من خلق الله عز وجل، الذي جميعه عنده كشعرة في مفرقة، وهذا مما لا احب آتيانه في ديوانه لخروجه عن الحد الكبر، الى حد الكفر)([37]). ولو تأملنا هذا النص الشعري لتلمسنا انه من الكذب والمبالغة التي يجوز للشاعر ان يقوله اذ انه يحق للشاعر ان يقول مالم يقله غيره وهو من الكذب في الشعر، اذ ان المتنبي حاول ان يبين انه قد تمكن من صنعته واصابه الكبر والغرور اذ يجد نفسه خير الناس واعظم الشعراء ولا يوجد احد يضاهيه في صنعته؛ لذلك فانه قد بالغ الى حد الافراط وبذلك يحق للشاعر ان يكذب ولا يحق لغيره.
ويؤكد الباقلاني ان الشاعر الملتزم بحدود الاسلام ومبادئ وقيمة لا يمكن للشيطان ان يزله ويجرفه بحباله الى الخذلان والكفر؛لذا كان موقفه من حسان بن ثابت،ولبيد بن ربيعة العامري،وكعب بن زهير([38]) موقفا ايجابيا لانهم حسن اسلامهم واعتمصوا بهدي الله في كون شخصية الشاعر الملتزم بحدود الله والمدافع عن العقيدة الاسلامية هو المعيار الذي يبحث عنه الباقلاني.
ويتمظهر معيار الالتزام االدين عند ابن فورجه في تقنية الكتابة والاسلوب والمعنى الوسط الذي لايتجاوز المألوف البياني والبديعي، اذ انتقد الشاعر الذي يعمل على الانحراف عن المعتاد والمألوف في كتابة الشعر واستخدام اسلوب جديد يطغي عليه المخادعة مؤسسا طريقة في اللعبة التي يحاول الشاعر من خلالها ان يصوغ معنى عظيم لاسيما المتنبي الذي مدح في قصيدة له ابا القاسم طاهر بن الحسين العلوي الذي يستمد ويعود نسبه الى علي بن ابي طالب رضي الله عنه ونظرا لارتباطه بهذا النسب،فقد حاول المتنبي ان يعلي من شانه وذلك بالتصحيف الذي راه بن فورجه (من التصحيف فخرج ان يكون كفرا فقال:
واكبر ايات التهامي اية
ابوك واجدى ما لكم من مناقب
يعني به علي بن ابي طالب عليه السلام ولا ينكر انه اية من ايات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته وكبراها)([39]).