أنت هنا

قراءة كتاب فن القصة وجهة نظر وتجربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فن القصة وجهة نظر وتجربة

فن القصة وجهة نظر وتجربة

لكتابة القصة همومها وشجونها، كما هو شأن كل أنواع الإبداع الإنساني، وقد صارت الحاجة ملحّة للبحث فيها على خطى متزنة، بعد أن كثرت النزعات التجريبية، وتعددت الاتجاهات النقدية، وساد الخلط واللغط، مع نشوء نوع من الكتابة، تتستر بالحداثة، وتعطي أهمية خاصة للنص المف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
القصة والحياة
 
 
 
أحببت القصص المكتوبة والمروية منذ طفولتي، وقبل أن أتعلم القراءة، ولا غرابة في ذلك، فقد كان والدي يحضر لي القصص المصورة ويبسطها أمامي ويقرأ ما تيسر، وكانت والدتي، وأحياناً جدتي لأبي ، تقصّان عليّ القصص التي تحمل في طياتها
 
عظات حسنة، ولكنها تحمل أيضاً قدراً من الإثارة، مما جعلني أفتن بالقصص وأتشوق إليها. تعلمت القراءة وصرت أقرأ بمفردي القصص التي دأب والدي على توفيرها لي، وفي ما بعد، تلك التي توفرت في مكتبة المدرسة، ثم القصص التي صرت أختارها بنفسي وأشتريها.
 
ولأنني أحببت قراءة القصص، فقد أكثرت منها، وهذا ما جعلني أرى في حياة الناس قصصاً منثورة، شبيهة بالقصص المكتوبة، كما أرى في الناس شخصيات قصصية، كتلك التي تعرفت عليها في الكتابات القصصية، والعكس صحيح. استهوتني تلك العادة ودفعتني، عن قصد أو عن غير قصد، لملاحظة كل علامة فارقة وكل ظاهرة إنسانية وكل سمة بشرية مميزة ومقارنتها بما قرأت، أو البحث في ما قرأت عن تلك الملامح والصفات الفارقة. وإذ دأبت على ملاحظة الحياة في جريانها، بعمومها وتفاصيلها، والتمادي بمقارنة ما تجمع لدي من ملاحظات بما قرأت، نمت لديّ الرغبة في القص، في وقت لم أكن فيه أمتلك أدوات الكتابة القصصية، فالكتابة القصصية تحتاج أكثر مما توفره الحياة من قصص، تحتاج إتقان اللغة الحاملة للمعاني، ومعرفة أدوات القص وأساليب الكتابة، وقبل كل هذا، نضج التجربة الحياتية والفنية. مادة الحياة هي المنهل وهي الأساس والجوهر في الكتابة القصصية، ومن دونها لا تقوم قائمة لهذا الفن الرفيع. التزود بفن الكتابة، والتدرج في محاولات الكتابة، والمتابعة الحثيثة، واكتساب الخبرة، شروط لا غنى عنها لكتابة القصة، وهذا ما يفسر محاولاتي العديدة الفاشلة في هذا الشأن قبل الأوان.
 
في ما بعد، وللعادة التي جريت عليها، بمقارنة ما أقرأ بما يحدث في الحياة أو العكس، صرت أميز بين القصص الحافلة بالحياة وتلك التي تخلو منها، أعني تلك التي تستعيض عن الحياة المعاشة ونبضها ودفئها بالأفكار الباردة الجاهزة، فأحب الأولى وأنصرف عن الثانية. كنت أقرأ وأصدق أن الشخصيات التي قدمها الكاتب هي تلك التي أصادفها وأعرفها، وأن الأحداث التي ساقها وأحوال النفس التي كشف عنها، إنما يحدث مثلها في الواقع، وأنها على هذا القدر من الخصوصية والغرابة أحياناً، فالحياة ليست نمطية تماماً. 

الصفحات