أنت هنا

قراءة كتاب النشر الالكتروني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النشر الالكتروني

النشر الالكتروني

كتاب " النشر الالكتروني " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 1

مقدمة

يتعامل الجيل الذي نعيش وسطه، مع أدوات ووسائل وأساليب فريدة ومثيرة في مجال تداول المعلومات وإنتاجها، كانت قبل بضعة عقود، تُعدُّ نوعاً من الخيال أو السحر، حيث تقلص الزمن وتراجعت المسافات إلى الصفر، وأصبحنا نتواصل بسرعة الضوء، وراح العالم الجديد يتحدث الكترونياً عبر رقمين فقط هما (0) و (1) الذين تقوم عليهما التقنية الرقمية، كما أضحت شرائح السليكون تتضاءل حجماً وتزداد سعة، في الوقت نفسه، ومن العجيب أن هذه الشرائح، التي تعد أساس تقنية الحاسوب، تُصنّع من أرخص وأوفر مادة على سطح الأرض وهي الرمل!.. أليست هذه دلائل على أن القدرة الإلهية التي خلقت الإنسان في أحسن تقويم، ومنحته هبة العقل المفكر، تضعنا اليوم أمام امتحان عسير حول كيفية التعامل مع هذه الظواهر الخارقة، وسبل توظيفها في خدمة البشرية.

التحديات التي نواجهها إذاً، في ظل وفرة المعلومات الرقمية وتنوعها، ليس أمامنا إلا التعامل مع وقائعها و معطياتها، و ربما علينا، قبل ذلك أن نتخلى عن بعض فرضياتنا الخاطئة و عاداتنا البائسة، و تقبل الواقع الجديد بعقلية منفتحة، والنظر إلى المستقبل، واستشراف آفاقه الواسعة، على الرغم من الحواجز والعوائق المحبطة.

ولعلنا نبدأ من تلك الحواجز بالذات، لكي نعرف مدى الطريق الذي يتعين علينا التوغل في مسالكه.. نقول إن الكثير من تلك الحواجز قد تداعت إن لم تكن قد سقطت فعلا وليس قولا، منذ أن استطاعت تقنيات الاتصال الرقمية اختراق الزمان والمكان، ومن ثم بات من الواضح إن جدران التاريخ والجغرافيا في طريقهما إلي الانهيار‍‍‍.

التاريخ كما درسناه، يعود منشأه إلى تلك الحقبة التي استطاع فيها أجدادنا وجداتنا الأوائل إمساك القلم وتدوين الأفكار والأحداث، من أجل التواصل مع الآخرين، عبر الزمن والمسافة، ليجد الإنسان ذاته من خلال الجماعة بالمشاركة في الحوار والفعل، وليس مصادفة أن يقسم الباري عز وجل بنون الجمع وبالقلم ((ن والقلم وما يسطرون)) بيد أن تلك الألواح الطينية والجلود والأوراق لم تنقل إلينا سوى أخبار الحروب والكوارث والحكام الطغاة، وتجاهلت، بقصد أو بدون قصد، صانعي التاريخ الحقيقيين، وهم (الجماهير)، وكانت كتب التاريخ تروي لنا الوقائع الدموية والصراع، بدلا من أنواع التفاهم والمشاركة والتواصل التي تمثل أساس الوجود الإنساني وغايته الإلهية السامية. والأخطر من ذلك كله، أننا وجدنا أنفسنا محاصرين بمسلمات تاريخية، اعتبرها الكثيرون محرمات أو مقدسات لا يتجرأ أحد على مناقشتها، فكيف يمكن لأحد من ثم، أن يفندها أو يغيرها؟.. التاريخ، بهذا المعنى، بات مع الأسف، نوعاً من القيد على التفكير الحر السليم، وما أكثر الصراعات التي كلفت البشرية خسائر مرعبة في الأرواح والطاقات والثروات، وكانت تستند إلي حجج (تاريخية) واهية!

علينا ابتداء أن نتخلى عن النظرة المتعصبة إلي التاريخ، وأن نبحث عما يقرب بين الشعوب ولا يفرقها، وهذا يقتضي نوعا من التسامح على صعيد العرق والدين والمذهب والبلد والقبيلة، فقد خلقنا الله تعالى شعوباً وقبائل لنتعارف ونتواصل، لا لنتحارب ونتصارع..وعلى ذلك ينبغي أن نقرأ التاريخ من زاوية الإنجازات الحضارية التي أصبحت أرثاً وملكا للبشرية كلها، وأن نعيد قراءة وقائع الصراع من أجل تجنب الوقوع في تلك الدوامة مرة بعد أخرى.

وفي السياق ذاته، وقفت حواجز المكان والجغرافيا تتحدى نزعة الإنسان التواقة إلى الحرية والانفتاح والتشارك والتعاون، فأصبحت الخرائط والحدود الطبيعية والتضاريس والبحار، أساساً لرسم حدود سياسية وظهور دول وكيانات هي أقرب إلى السجون منها إلى الأوطان، وبات السفر والانتقال والهجرة تخضع لقيود، هدفها تكبيل حرية الإنسان وحرمانه من تلك الهبة الربانية الكريمة التي لا تقدر بثمن!..لا يمكن بالطبع إلغاء الأوطان، فحاجة الإنسان إلي وطن يحميه مثل حاجته إلي بيت يأويه، ولكن هل يمكن العيش في بيت مغلق؟..ومن ثم في وطن محاصر!؟

واليوم هل بدأنا نرى سقوط حواجز التاريخ والجغرافيا؟..لقد بات من الواجب أن ندرك أن الحقيقة الوحيدة الباقية هي حرية الجماهير التي لا بد أن تجرف في طريقها كل الحدود والقيود.

رغبة الإنسان الأزلية، منذ ميزه الخالق تعالى بهبة العقل الحر المفكر، هي البحث عن الحقيقة، وهذه الحقيقة الموجودة من حولنا، في كل زمان ومكان، لا يمكن الوصول إليها وإدراكها إلا من خلال (المعلومات) التي ينبغي جمعها وربطها واسترجاعها وتحليلها وبثها، عبر وسائل وتقنيات متعددة، لإشباع تلك الحاجة التي استطاع البشر من خلالها معرفة أسرار الكون والطبيعة والتحكم في بعض جوانبهما، من أجل استمرار الحياة وتطورها، وفي سبيل ذلك، فإن جهد الإنسان وسعيه لا يتوقف لابتكار واختراع الأدوات والوسائل التي تساعده في الوصول إلي أهدافه، حتى لو كان بعضها يبدو بعيد المنال، إن لم نقل مستحيلا، وقد فتح الخالق سبحانه أمامنا هذا الطريق بقوله: ((يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض أنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان))، والى ذلك يمكن القول إن حاجة الإنسان إلى المعلومات لا تقل أهمية عن حاجته إلى الهواء والماء والغذاء، بل ربما تتقدم على هذه أحياناً !

من عصر التدوين إلى عصر الورق والطباعة، إلى عصر البث الإذاعي المسموع ثم المرئي، إلي عصر النشر الإلكتروني والوسائط المتعددة، مرت البشرية بقفزات وتحولات تاريخية تغيرت فيها موازين النفوذ والقوة والثروة، حتى وصلنا اليوم إلى عصر المعلومات الذي تقاس فيه مكانة الأمم والشعوب من خلال مقدار ما تنتجه وتبثه وتستهلكه من معلومات، وما تمتلكه من مؤسسات وأدوات لاستخدام المعلومات التي تعد المورد الوحيد غير الناضب. !..ويمكن أن نتمعن في بعض جوانب المشهد الرقمي الاتصالي الجديد، فيما يأتي.

الصفحات