كتاب " الصوت والمعنى في الدرس اللغوي عند العرب في ضوء علم اللغة الحديث " ، تأليف د.تحسين عبدالر
قراءة كتاب الصوت والمعنى في الدرس اللغوي عند العرب في ضوء علم اللغة الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصوت والمعنى في الدرس اللغوي عند العرب في ضوء علم اللغة الحديث
المحور الأول: اللغة:
لم يؤلف كتاب له صلة بالبحث في اللغة، لا يحتوى كلاماً على اللغة وحدها، وسأذكر في هذا المجال تعريفات للغوينا الأوائل، وما استقر عليه تفكيرهم في هذا الشأن موازناً، بما توصل إليه حد اللغة عند المحدثين، ولن أتطرق إلى حد اللغة عند المعجميين العرب، بل سأتناول الحدود الاصطلاحية مما له صلة بالموضوع.
وأشير هنا إلى أن العرب في بداية التفكير في الدرس اللغوي، أولعوا كثيراً بالحدود والتعريفات، لغوية، واصطلاحية، وغرضهم من ذلك إيصال ما وقر من تفكيرهم في هذا الأمر، أما سبب ذلك فيرى عبده الراجحي أنه متأتٍ من تأثرهم بالمنطق الأرسطي([1]).
ومع هذا الاهتمام الشديد بالحدود، لم نجد لهم تعريفاً في اللغة على كثرة ما ألفوه في الدرس اللغوي إلى أواخر القرن الرابع الهجري، وفيما وصلت إليه معرفتنا، أن أول تعريف للغة يظهر العالم العربي ابن جني (392هـ) أواخر القرن الرابع الهجري، إذ هو يقول في اللغة([2]): "أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".
لقد أدرك ابن جني منذ ذلك الزمن الطبيعة الصوتية للغة، وهذا فيما يبدو وقت مبكر لمثل هذا الحد، وهو بهذا الحد يكون قد أثار دهشة الدارسين فذلك اللغوي الذي ابتعد عن تطور الحياة العلمية العربية، يقترب بتعريفه هذا اقتراباً شديداً من تعريفات المحدثين([3]).
وأزعم أنه مؤسس في تعريفه هذا، ولست بدعاً في هذا الأمر؛ مع أنه لم يكن من علماء التشريح، إنما هو عالم تجريبي، يعرف طبيعة الأشياء بالتحسس، فيكف بالمحدثين وقد توصلوا بالتجريب، وبالمخابر العلمية إلى هذا الكشف؟ وهو أن اللغة أصوات.
ويظهر تعريف ابن جني أن الأصوات هي الأصل في اللغة، بمعنى أنه يعطي للطبيعة الصوتية الأولوية في حدة اللغة، وهو بهذا قد أخرج الكتابة، وذلك دليل واضح على أن العلماء العرب حينما كانوا يدرسون اللغة يدرسونها وهي منطوقة، ولم يدرسوها مكتوبة وهذا مطابق لوجهة نظر علم اللغة بمفهومه الحديث أيضاً([4]).
وأرى ما يراه الدارسون المنصفون من المحدثين أن مصطلح فقه اللغة عند العرب مساوٍ لمصطلح علم اللغة عند الغربيين.
لا يبتعد تعريف اللغة عند المحدثين كثيراً عما أقره ابن جني، من أنها أصوات، فلقد تبين د.التهامي الراجحي الهاشمي تعريفات متعددة تناولت اللغة، أكثرها كان لغربيين، وأورد تعريف اللغوي الألماني همبولت Humboldt إذ يقول فيه([5]): (اللغة جهاز عضوي، ويجب معالجته على هذا الأساس)، إن هذا التعريف قد ساد الأوساط اللغوية في القرن التاسع عشر، وأن عضوية جهاز اللغة تنطلق من أنها – اللغة – الكلام، واللغة عنده وعند من تابعه من اللغويين شرط لازم للفكر، و(إن عملية الكلام تنحصر كلها في منحها للفكر مادة يعتمد عليها، بإزالتها الإبهام عما تتركه الأصوات المقطعة من أثر ثابت بإجبارها الذهن على أن تنتظم جميع معانيها بانتظام الألفاظ المتعاقبة)([6]).
ويقرر فرنز بوب Franz Bob ما أٌره سابقه في تعريف اللغة على (أنها الجسم العضوي الحي)([7])، إن منحى ربط اللغة بالفكر يكون قاصراً عن فهم اللغة، ولو أن همبولت قد أقر بالطبيعة الصوتية، وهذا ما يهمنا.
أما السلوكيون فيرون أن اللغة واحدة من الأشكال المادية العلمية على وفق نظرتهم، فهي سلوك للفرد الحي، تظهر على شكل استجابات يصدرها بإزاء المثير الذي يتلقاه في بيئته، وهذه الاستجابة التي يصدرها الكائن الحي بإزاء المثير تنتج من إشباع لبعض الحاجات أو الرغبات([8]).
ويتجلى في ضوء هذا الفهم للغة المظهر الصوتي فيها، لما فيه من إلقاء، واستجابة تكون رد فعل لمقتضى حاجة يروم الكائن البشري إلى تأديتها، لأن اللغة لا تكون إلا للكائنات البشرية، وهي حاصلة بين اثنين، متكلم وسامع، وإلا لما تحصل الفائدة – الاستجابة -.
ويرى سابير Sapir وهو من رواد المدرسة الاجتماعية (أن جوهر اللغة يكمن في إسناد أصوات وضعية، ومقطعة إرادياً أو ما يناظرها إلى مختلف عناصر التجربة) ([9])، على أنه يربط بين اللغة حقيقة لغوية لا يمكن إدراكها إلا من خلال الواقع السمعي الحادث على الأذن، وهذه الحقيقة لا يدركها الجهاز السمعي ما لم يكن هناك جهاز نطقي، يكوّن الحدث اللغوي من أصوات (حروف)، وحركات تنطق بحسب نظام مخصوص.
ويطالعنا دي سوسير بتمييز اللغة Language من اللسان البشري الناطق باللغة language، في بداية تعريف اللغة التي هي من وجهة نظره – اللغة - جزء محدد من اللسان، مع أنه جزء - جوهريه فاللغة هي النتاج الاجتماعي - من مظاهر المجتمع - لملكة اللسان، واللسان متعدد الجوانب - غير متجانس- يشتمل على عدة جوانب في آن واحد([10]).
وهذه الجوانب التي يظهرها دي سوسير هي:
- الجانب الفيزياوي (الطبيعيّ).
- الجانب الفسلجي (الوظيفة).
- الجانب السايكولوجي (النفسي).