كتاب " الفصل والوصل في القرآن الكريم " ، تأليف د.
قراءة كتاب الفصل والوصل في القرآن الكريم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل والوصل في اللغة والاصطلاح البلاغي
إنّ الدلالة اللغوية لكلمتي(الفصل والوصل) أسبق ظهوراً من مدلولهما الاصطلاحي، والأصل في المعنى الاصطلاحي لأية كلمة أن يمت إلى معناها اللغوي بصلة، ولما كانت معرفة هذين المعنيين تلقي عليهما الضوء الذي يكشف عن حقيقتهما ويجعل من السهل تصورهما لذلك نبدأ بتعريف الفصل والوصل في اللغو والاصطلاح.
إذا ما أردنا التماس معنى الفصل والوصل لغة في المعجمات فلابد من المرور بالمدلولات الحقيقية والمجازية الكثيرة التي دارت عليها مادتا(فصل) و(وصل) للاهتداء إلى المعنى الأصلي لهما.
فالفصل لغة: مصدر الفعل فعل- يفصل(بالكسر)، و(فصل) يكون " لازماً وواقعاً، وإذا كان واقعاً فمصدره الفصل، وإذا كان لازماً فمصدره الفصول"([1]) جاء في الصحاح: " فصلت الشيء فانفصل أي قطعته فانقطع وبابه ضرب"([2])، ومنه قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ)
([3]) أي فاصل قاطع......" وفي حديث ابن عمر: (كانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَينَهُ) أي القطيعة التامة، والفصال الفطام، قال تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)([4]) .....وقال تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ)([5]) أي خرجت.
قال الزمخشري: " فصَّل الشاة تفصيلاً، قطّعها عضواً عضوا"([6]).
والفصل" الحاجز بين الشيئين. والمصنفون يترجمون به في أثناء الأبواب، أما لأنه نوع من المسائل مفصول عن غيره، أو لأنه ترجمة فاصلة بينه وبين غيره والفصل: الحق من القول.. وقال الليث: الفصل من المجد: موقع الفصل وبين كل فصلين وصل، وأنشد([7]):
وَصْلاً وَفَصْلاً وَتَجْمِيعَاً وَمفتَرَقاً
فَتْقَا وَرَتَقَاً وَتَأليِفَاً لإنْسَانِ
والفصل عند النحاة من البصريين" ضمير رفع منفصل يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله المبتدأ والخبر"([8])، كما في قوله تعالى:(إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) ([9]) .
وأطلقت لفظة(فصل) على معان أخرى متباينة، فالفصل(Act)" أحد الأقسام الرئيسة في المسرحية...والفصل عند علماء العروض من العرب، كل تغير اختص بالعروض، ولم يلتزم مثله في حشو البيت، والفصل أو الباب(chapter) قسم من الكتاب متصل الموضوع أو الحدث يرقم عادة، وقد يكون له عنوان"([10]).
وتأتي كلمة(الفصل) بمدلولات أخرى، فهي تطلق عند الفرّاء " على الوقف لأنه يقطع عما بعده فينفصل عنه، وعند الطبيعيين: قسم من أقسام السنة الأربعة..وعند المنطقيين: كّليّ يحمل على الشيء يقع في جواب أي شيء في جوهره كالصاهل بالنسبة إلى الفرس فإنه يفصله عن بقية الحيوانات"([11]). والفصل(Asyndetoa) عند علماء المعاني في ترك العطف، وفصل بين الشيئين، فرق وفصل الحاكم بين الخصمين: قضى....فصل الشيء عن غيره أبعده، وفصل الخطيب القول: أحكمه، ...... وفصل الأثر: بيّنه، ... ويوم الفصل، يوم القيامة، وفصل الخطاب: ما كان الحكم فيه قاطعاً لا رادّ له"([12]).
ونخلص من ذلك إلى انه إذا كانت لفظة(فصل) في اللغة تأتي بمدلولات كثيرة في نحو: القطع والفطام والخروج والحاجز وموضع الفصل والحسم والقضاء والحكم والتبيين والأبعاد وترك العطف وضمير العماد أو الفصل أو أحد أقسام المسرحية وتغيير معيّن في علم العروض والوقف عند الفراء وقسم من السنة الشمسية أو كل يحمل على الشيء عند المناطقة وغيرها من المعاني، فإن الأصل من هذه المدلولات(القطع) والتجزئة، فالفصل- إذن- في اللغة(القطّع)([13]).
وقد أخّرت تعريف الفصل اصطلاحاً إلى ما بعد الوصل لغة لكي نسوق التعريف الاصطلاحي للفصل والوصل معاً فإن ذلك متبع لدى جميع البلاغيين مراعاة لوحدة التعريف.
أما الوصل لغة: مصدر فعله: وصل-يصل-وصولاً(من باب وعد) جاء في تاج العروس: " وصل الحبال وغيرها توصيلاً وصل بعضها ببعض....، واتصل الشيء بالشيء لم ينقطع، وليلة الوصل آخر ليالي الشهر لاتصالها بالشهر الآخر، ...وواصل الصيام مواصلة ووصالاً إذا لم يفطر أياماً تباعاً، والتواصل ضدّ التصارم"([14]).