قراءة كتاب الفصل والوصل في القرآن الكريم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفصل والوصل في القرآن الكريم

الفصل والوصل في القرآن الكريم

كتاب " الفصل والوصل في القرآن الكريم " ، تأليف د.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

أو شرح للمصطلح.

والذي يخيل إلينا هنا أن د. لاشين صائب فيما ذهب إليه، بدليل ما تقدم من الحديث عن جهود سيبويه والفرّاء في التعرض لبعض صور الفصل والوصل وإن لم يصرحا بالاسم، في مواضع كثيرة من كتابيهما أشرنا إلى بعضها فيما سبق([87]). كما تناول ابن قتيبة(ت 276هـ9 في كتابه(مشكل تأويل القرآن) الذي هو أهم كتبه في البحث البلاغي (أسلوب الفصل والوصل) وكان رأيه في السجع والفواصل يناقض ما ذهب إليه الفرّاء" حين قال بزيادة الحروف في رؤوس الآيات ونقصانها، مراعاة للموسيقى القرآنية، واتساق الآية مع ما قبلها وما بعدها لأنه اعتبر هذا نوعاً من التعسف السقيم الذي لا يتفق مع جلال القرآن ومعانيه"([88]).

ولكن دراسة ابن قتيبة هذه أيضاً لا تدخل في باب الفصل والوصل، وإنما في موضوع الوقف والابتداء من علم القراءات القرآنية لذلك لا داعي للخوض فيها وبيان وجوه الترجيح بينها وبين رأي الفرّاء هنا.

أما المبرّد(285هـ) فقد تناول في كتابه( المقتضب) وضمن كلامه عن الألوان البلاغية" الفصل والوصل من خلال حديثه عن واو الابتداء ومتى يتحتم وجودها ومتى يجوز"([89])، فهو يشير فيه إلى بعض مواضع الفصل والوصل في نحو(كمال الانقطاع) و(التوسط بين الكمالين) عند البلاغيين ويخصّ(شبه كمال الاتصال) كذلك حينما يكون الكلام جواباً لسؤال مقدّر، فهذه الموضوعات هي في صلب الفصل والوصل وإن لم يصرّح باسمه.

أما أبو هلال العسكري(395هـ) فقد ردّد مصطلح الفصل والوصل في مطلع الفصل الخاص الذي عقده في(الصناعتين) لهذا الموضوع وسماه" في ذكر المقاطع والقول في الفصل والوصل" ونقل أقوالاً للسلف تعظم أمر الفصل والوصل دون أن يوقف القارئ على حقيقة الفصل وماهية الوصل"([90]).

وقد قصر العسكري كلامه في هذا الباب على تقصي" ما يتصل بفصول القضية ومقاطعها....وتطرّق إلى فواصل كتاب الله"([91]).

ويظهر جليّاً أن دراسة أبي هلال وغيره من البلاغيين والنقّاد القدامى تختلف عن دراسة البلاغيين المتأخرين لهذا الموضوع، ولذلك لا نجد في دراساتهم ما تطرق إليه أبو هلال"([92]) والسبب في ذلك أن دراسة القدماء لأسلوب الفصل والوصل" تقرب من اصطلاحات القرّاء وما يذكرونه في الوقف والوصل"([93])، وأن أكثرها لا يمكن إدخالها في هذا الباب بالمفهوم العلمي المحدد، بل يمكن إرجاعها إلى موضوع الوقف والابتداء أو القطع والاستئناف في آيات الذكر الحكيم وهو تابع لعلم القراءات القرآنية.

وتلا هؤلاء شيخ البلاغة العربية ومؤسسها عبد القاهر الجرجاني(471هـ) الذي يعدّ بحق واضع أصول بحث الفصل والوصل وثبت قواعده ذلك لأن له" في هذا الباب خلقاً وإبداعاً لم يسبقه فيه سابق"([94])، فبحث عبد القاهر الجرجاني هذا الموضوع في(دلائل الإعجاز)" بحثاً منظماً يقوم على التقسيم والتحديد والتعليل، وربطه بباب العطف بعد أن ربط البلاغة بمعاني النحو"([95]).

ومن الواضح أن عبد القاهر أول من أشاد بصعوبة هذا الباب- كما ذكرنا- وقد فصّل القول فيه وضرب الأمثلة الكثيرة عليه، وهو لم يقصر هذا الباب على الجمل بل جعله يشمل المفردات أيضاً، لذا جعل حديثه عن المفرد سبيلاً إلى الحديث عن الجملة، إلاّ أنه ركّز في كلامه على الجمل وحدها لأن الإشكال يقع فيها بدون المفردات.

وقسّم عبد القاهر الجمل إلى ثلاثة أقسام: قسم لا يكون فيه العطف ألبتة، وقسم حقّه العطف، والقسم الآخر حقّه ترك العطف ألبتة.

ويخرج من هذا بنتيجة مفادها أن ترك العطف الذي يسمى(الفصل)"يكون إما للاتصال للغاية، أو للانفصال إلى الغاية، والعطف لما هو واسطة بين الأمرين وكان له حال بين الحالين"([96])، وهو ما يسمى(الوصل)، فجاء علماء المعاني فاستفادوا من بحوثه ورتبوها وبّوبوها وهم يقتفون أثره في كلها، لذا نرى أن علماء البلاغة الذين أعقبوه بأجمعهم عالة عليه في باب الفصل والوصل، لأنه لم يكد يترك لمن بعده شيئاً يضيفونه إلى ما سجله من قواعد"([97])، لاسيما في هذا الباب، مع علمنا أن تحديدهم كان" أدق ضبطاً وقواعدهم أكثر تعبيراً منه"([98]).

أما الزمخشري(538هـ) في تفسيره(الكشاف) فاستغل" كل ما كتبه عبد القاهر في الدلائل من قواعد الفصل والوصل بين الجمل بالواو"([99])، في تطبيق هذه القواعد على آي النظم الإلهي المعجز ويتوسع فيها ويتوجها بالشرح والتصوير البارع الدقيق.

ويبدو أن أهم ما أضافه الزمخشري على هذا الباب وقوفه عند الجمل المختلفة خبراً وإنشاءً بعد أن تابع أبا علي النحوي(377هـ) في تقسيم الجمل الخبرية إلى أربعة أضرب: "فعلية واسمية وشرطية وظرفية"([100])، ونرى تفصيل ذلك في موضعه من البحث بمشيئة اللّه.

أما الفخر الرازي(606هـ) فقد خصص الباب الثالث من كتابه(نهاية الإيجاز في دارية الإعجاز) للفصل والوصل وعمله فيه اختصار" كل ما ذكره عبد القاهر عن الفصل بين الجمل، إما لعدم المناسبة أو لأن الثانية تنزل من الأولى منزلة التوكيد أو الصفة"([101])، كما يتحدث عن الجمل الواقعة حالاً، ويعدّ كتابه هذا"حلقة الوصل بين عبد القاهر والسكاكي"([102])، كما يعدّ المراحل الأولى لضبط مسائل البلاغة، وتقنين قواعدها. وجاء بعد السكاكي(626هـ) فألف كتابه(مفتاح العلوم) الذي جعله أقساماً، ووضع لكل قسم تعريفاً دقيقاً وحدّد مباحثه وفنونه"([103])، وأفرد القسم الثالث منه للبلاغة" وقسمها على ثلاثة أقسام: المعاني- البيان- البديع- وبذلك تميزت علوم البلاغة، ومباحث كل قسم منها بالتفصيل"([104]) لأول مرة في تاريخ البلاغة، وتحدث في الفن الرابع ممن مفتاحه عن موضوع الفصل والوصل قائلاً: " إن تمييز موضع العطف عن غير موضعه في الجمل...هو الأصل في هذا الفن"([105]) وقصده من هذا أن الوصل والوصل يأتي في عطف الجمل والمفردات وفي العطف بالواو وأخواتها من حروف العطف"، وأن المعول عليه في ذلك هو الجهة الجامعة"([106]).ويظهر أن عمل السكاكي لا يتجاوز تلخيص آراء عبد القاهر ونقلها برمتها، وجعل منها قوانين خالية- من كل جمال وذوق إذ صاغها في قوالب منطقية جافة لا رونق فيها([107])، لذلك يرى د. أحمد مطلوب أن السكاكي" لم يوضح الموضوع ولم يبحثه بحثاًَ جيداً"([108]).

الصفحات