أنت هنا

قراءة كتاب منهجية الإخراج المسرحي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
منهجية الإخراج المسرحي

منهجية الإخراج المسرحي

كتاب " منهجية الإخراج المسرحي " ، تأليف د.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 8

مجموعة حكاية جدي القصصية 1981 م

يستمر(جمال بنورة) في هذه المجموعة بتعرضه للواقع السياسي للإنسان الفلسطيني المعاصر ومدى انعكاسه على الأوضاع الاجتماعية، ففي قصة (حكاية جدي) التي سميت المجموعة باسمها، يطالعنا المؤلف بشخصية الجد التي تتخذ موقفا نقديا إزاء حالات القمع والاضطهاد المستمرة، وذلك حينما ينطلق الجد من الحاضر إلى عرض صور الماضي وتداعياته منذ الحكم التركي وحتى الانتداب البريطاني الذي أفضى في النهاية إلى إنشاء وفي مجموعته القصصية (حكاية جدي) الصادرة عام 1981 م، يؤرخ (جمال بنورة) للواقع السياسي للإنسان الكيان الصهيوني على تراب فلسطين.

ويؤكد الجد عروبته منذ البداية حينما يرفض التعاون مع الأتراك حيث يهرب من الجندية رافضا الخدمة في الجيش التركي :

(أنا لا اخدم دولة ظالمة.

وأردف : يأخذوننا للموت من أجل ماذا؟ كانوا ينهبون زيتنا وطحيننا طعاما لجنودهم.. ويقطعون شجرنا لتسيير بوابيرهم ونقل جيوشهم، هذا غير الضرائب وغير أبنائنا الذين أخذوهم للذبح)(19).

وفي موضع آخر تعبر القصة عن حالة تشبث الإنسان الفلسطيني بأرضه، وذلك من خلال إظهار موقف الجد وهو يعلن عما تعنيه الأرض بالنسبة له حيث يصفها بأنها منبع الحياة والسعادة، فالعلاقة بين الجد والأرض علاقة وثيقة وهي تبقى رمزا للثبات والدوام ولا تحتاج إلى جدال، لأن علاقة الجد بأرضه تشكل حالة من حالات الولاء والارتباط العاطفي.

إن ذكريات الجد تتناثر من خلال السرد القصصي في محاولة لرواية تفاصيل الزمن في مشهد بانورامي من الصعب امتلاكه قصصيا، وتحفل القصة بعرض أنظمة العلاقات الخاصة بالشخصيات لاسيما شخصيتي الجد والحفيد، مما كان له الأثر الواضح في خلق حالة التفكك في النص، (أي إن القصد غير المباشر في القصة يختفي ويغيب لتحل محله حكايات كثيرة لا ينتظمها النص، بل إن القول الأيديولوجي الحاضر في كل سطر من سطور قصص جمال بنورة يختفي في هذه القصة دون أن يدع الجنس تصهره في أتونها، أي إن القصة تحاول أن تصنع من لغة التفاصيل اليومية المختزلة إلى مكوناتها الأولية ضابطا للفكر الذي تحمله القصة، ولكنها لا تنجح في تركيب هذه التفاصيل لتغلب القول الأيديولوجي في النص على حيوية الفن وروحه)(20).

إن قصص مجموعة (حكاية جدي) تزخر بالإيديولوجيا العفوية التي ترتبط بعفوية الشخصيات وشعبيتها، وهذه الإيدولوجيا تحضر من خلال لغة الشعار السياسي وشكله التي تؤدي إلى تفكك النص.

وفي قصة (صباح قارس) يتناول المؤلف قضية تتعلق باشتغال الفلسطينيين في الشركات والمصالح الصهيونية، حيث يعرض المؤلف لمأساة الإنسان الفلسطيني على حواجز التفتيش وهو في طريقه للعمل، وهذه (القصة في بساطتها وعفويتها تستشف من خلال لعبة السرد والاستبطان الداخلي والاسترجاع الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني تحت الاحتلال، ومن خلال تملكها للواقع وتوظيفها له في بنية القصة لإقامة بناء عالم إنساني، تسعى القصة لامتلاك جنسها الأدبي في لعبة سردية ناجحة وقادرة على الفيض بمكنوناتها من خلال تركيب العلاقات لا تفكيكها، على الرغم من اعتمادها على تحديد رؤيتها بشكل مباشر وواضح ومركب على الجسم القصصي)(21).

وفي قصة (المواجهة) تظهر حالة التشاؤم عند شخصية(أبي خالد) منذ الصباح الباكر، وذلك حينما يعلن عن عدم رغبته الذهاب للعمل تفاديا لمذلة التفتيش وللصدام مع العدو، إذ إن هذا اليوم سيكون يوما للإضراب العام في الأراضي الفلسطينية وذلك ردا على معاهدة (كامب ديفيد) بين مصر والكيان الصهيوني.

وإزاء هذا الموقف السلبي الذي يقفه (أبو خالد)، نجد موقف ابنه (خالد) إيجابيا وذلك حينما يختار الخروج للتظاهر مع زملائه في المدرسة احتجاجا على هذه المعاهدة، ويثير الأنموذج الطلابي بوصفه أنموذجا إيجابيا للاحتجاج والمقاومة حقد بعض المعلمين والأهالي لاسيما بعد أن يشتبك الطلاب وطالبات المدرسة المجاورة مع جنود الاحتلال، وينهالون عليهم رميا بالحجارة التي تتساقط كالمطر على رؤوس الجنود، وإزاء ذلك يذهب بعض الوجهاء والمحاسيب وأصحاب النفوذ لمقابلة رئيس البلدية وذلك لوضع حد لتجاوزات الطلبة :

(- متى يكف هؤلاء الأولاد عن خلق المشاكل لنا ؟ أليس هناك من يضع لهم حدا ؟

قال آخر : هل ستعملون شيئا معهم أم نذهب بأنفسنا إلى الحاكم ؟. (...).

- إنهم يعطلون مصالحنا.. ويلحقون بنا أفدح الضرر.

- يجب الكشف عن أسماءهم ومعرفة أهلهم.

- يجب فضحهم وفضح أهلهم حتى يتأدبون.

- إنهم يقلقون راحتنا.. نحن لا نريد أن يفرض منع التجول علينا.

- حتى البنات.. يتظاهرن..!

- هؤلاء بنات متروكات على حل شعرهن، بدهن أزواج يظبوهن.

قال الرئيس في هدوء :

- أنا لا أستطيع أن اضر بأبناء بلدي)(22).

وهذا الموقف السلبي الذي يقفه أصحاب القضية هو موقف مغاير لموقف فئة من جنود الاحتلال، فبينما يعلن غالبيتهم حقده الأعمى على أولئك الذين لا يملّون من المواجهات ويتمنى القضاء عليهم، نجد أن أحد الجنود يبرر لأبناء الشعب الفلسطيني ما يقومون به بوصفهم أصحاب حق، وان التعايش السلمي مع الفلسطينيين هو خير وسيلة للخروج من مأزق المقاومة.

إن قصة (المواجهة) هي قصة مركبة من مشاهد غير ملتحمة إذ تعد شخصية الجندي الصهيوني شخصية غير مقنعة في بنية القصة، فلم يستطع القاص إتقان التعامل مع هذه الشخصية واستبصار وعيها وإقحامها في جوهر الصراع، مما كان له الأثر في إيراد حوارات زائدة على لسان الشخصية مغلبا في الوقت نفسه الإيديولوجيا على الفن(23)، لكن صورة (خالد) في القصة بقيت صورة ذات طابع نضالي بوصفه يمثل الأنموذج الطلابي المضحي والمكافح بكافة الوسائل المتوفرة لديه دفاعا عن وجودة، متجاوزا بذلك كل حالات التخاذل والضعف إيمانا منه بعدالة قضيته.

الصفحات