كتاب " منهجية الإخراج المسرحي " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب منهجية الإخراج المسرحي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مجموعة سراج لم ينطفئ القصصية 1993م
وعن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في القدس، صدرت مجموعة(سراج لم ينطفئ) القصصية،وقد اشتملت على عدد من القصص القصيرة، ومسرحية ذات فصل واحد عنوانها (مستوطن) وقد امتاز أسلوب الكاتب في هذه المجموعة بغنى التجربة والبراعة في تصوير الأماكن والشخصيات ووصف الأحداث، وبالواقعية الملتزمة التي ناقش من خلالها الكاتب حقيقة الأوضاع في الأرض المحتلة.
ففي مسرحية (مستوطن) 1993م عرض الكاتب قضية غاية في الأهمية ألا وهي قضية الاستيطان، إذ أن العدو الصهيوني ومنذ قدومه إلى فلسطين عمل على تهويد الأرض الفلسطينية، فقد ركز بعد الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م على سياسة التهجير العسكري للفلسطينيين عن أرضهم، واتجه إلى إنشاء مستوطنات أراد من خلالها استيعاب الإعداد المتزايدة للمهاجرين من يهود العالم.
ويختار (بنورة) أحد المواقع الاستيطانية المقامة على إحدى قمم الجبال كمكان للأحداث، حيث تتقاسم الأدوار خمس شخصيات هي: (المستوطن شاؤول وصديقته يوديت واليهودي الأمريكي ديفيد وعامل عربي وصحفي أجنبي).
إن المستوطن وصديقته ينقلان أحلامهما لتحقيقها على (أرض الميعاد) ظنا منهما أن قوة الدولة العبرية وإمكاناتها ستحقق لهما الأمن والسعادة لاسيما بعد اعتلاء الإرهابي (مئير كهانا) لسدة الحكم في الكيان الصهيوني:
(يوديت: لماذا لا نستطيع أن نعيش في سلام !! هل تعتقد أنهم سيتركوننا نعيش في سلام... ؟ !!
شاؤول: سنجبرهم..
يوديت: هل تعتقد أن باستطاعتنا ذلك ؟!
شاؤول: إسرائيل دولة لا تقهر.. !
يوديت: أعرف ذلك.. لكن العرب ينغصون عيشنا.. لو نستطيع أن نتخلص منهم بضربة واحدة...!
شاؤول: سيكون لنا ذلك في المستقبل... إذا استطاع الرب كهانا أن يصل إلى الحكم...)(28).
إن هذا التفاؤل الذي يعيش في أجواءه كل من المستوطن وصديقته يختلف عن إحساس صديقهما اليهودي الأمريكي (ديفيد) الذي قدر طبيعة الموقف وتعامل مع الواقع على حقيقته، رافضا التسليم بأحقية العيش في هذا الوطن لان اقتلاع شعب من أرضه يتنافى مع المبادئ والقيم الإنسانية التي يؤمن بها، لذلك فهو لا يتوانى في النهاية عن الإفصاح عن قراره بالسفر والعودة إلى أمريكا موطنه الأصلي.
وفي ظل إصرار (شاؤول) على موقفه، يجتمع أبناء القرية المجاورة للمستوطنة معلنين احتجاجهم على إقامتها، مما يضطر (شاؤول) لاستدعاء الجيش لقمعهم، وأثناء المواجهات يصاب (شاؤول) بحجر في رأسه فتسارع صديقته (يوديت) إلى احتضانه، مؤكدة أن لا حياة لهما على تراب هذا الوطن، بينما يكون قراره أن الحصول على هذه الأرض يحتاج إلى تضحيات، وبذلك فهو يعلن استمرارية الصراع بينه وبين الفلسطينيين في ظل بقاء أطماعه الاستيطانية:
(يوديت: (بلهجة تنضح بالأسى وهي تتحسس موقع إصابته، التي نفر منها الدم) ارض إسرائيل لا ترحب بمقدمنا... ولا تفتح لنا ذراعيها...!
شاؤول: وهل كنت تعتقدين أنك ستنالينها بسهولة ؟ !)(29).
أما شخصية (العامل) فهي تتأرجح بين السلبية والإيجابية في موقفها، ففي البداية يظهر (العامل) ضمن موقف سلبي متخاذل وذلك حينما يعلن عن إنجاز عمله في بيت المستوطن، ورغم قناعة (العامل) بأن عمله عند المستوطن يتضمن الموافقة على مصادرة الأرض، إلا أنه يبرر أن عمله يأتي بحثا عن لقمة العيش في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه جراء الممارسات التعسفية اليومية للاحتلال، ورغم ذلك يبدو موقف (العامل) إيجابيا وينم عن وطنيته التي لوثها المحتل، وذلك حينما يرفض وبشدة بيع الأرض التي ورثها عن أبيه لليهود رغم كل الإغراءات المادية، ورغم كل الظروف الاجتماعية والسياسية القاهرة التي يسببها المحتل.
وفي قصة (الشبح) عرض الكاتب صورة للجلاد الصهيوني الذي يحاول النيل من السجين وإجباره على الاعتراف، ولكن كلما ازدادت سياطه شدة يزداد السجين قوة وتحملا، وهذا ما يجعل المسؤولين يقومون بتوبيخ المحقق الجلاد الذي فشل ذريعا في تحقيق رغباتهم وأوامرهم، فأصبحت المأساة بذلك مأساة الجلاد وليست مأساة السجين، وهذا الموقف يمكن أن نجد له معادلا موضوعيا في مسرحية (المتهم) وذلك حينما تتحول المأساة عن المتهم إلى المسؤول، الذي لم يجد المقدرة على تنفيذ أوامر من هم أعلى منه رتبة في كلا الحالتين.
وفي قصة (خمسة أيام في الفارغة) يعرض جمال بنورة صورة أخرى من الأوضاع الحياتية للشعب الفلسطيني، تتمثل بالحديث عن واقع المعتقلين في سجون الكيان الصهيوني وما يتعرضون له من ممارسات تعسفية.
إن مجاميع (جمال بنورة) القصصية تعري الواقع المرير للفلسطينيين جراء الممارسات الإرهابية لسلطات الاحتلال، فهي تلعب دورا فعالا في حركة النضال الفلسطيني من خلال التزامها بفضح سياسة المحتل ونواياه الخبيثة موضحة صمود الشعب الفلسطيني بكل شرائحه الاجتماعية وفئاته، وبذلك فقد قدم (جمال بنورة) من خلال كتاباته صورة مشرقة من الأدب السياسي الملتزم.
ومما يؤشر على مجموعتي (حمام في ساحة الدار) و (سراج لم ينطفئ) هو حالة التطور في الأسلوب الفني للكاتب، وبما أن موضوعات الكاتب القصصية قد بقيت مستمدة من الواقع الفلسطيني، فقد ركز في مجموعتيه السابقتين على تقديم قصص ارتبطت بالانتفاضة الفلسطينية وأحداثها التي وقعت بعد عام 1987 م، مركزا على تصوير المراحل النضالية التي مر بها الإنسان الفلسطيني بكل سلبياتها وإيجابياتها.