أنت هنا

قراءة كتاب منهجية الإخراج المسرحي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
منهجية الإخراج المسرحي

منهجية الإخراج المسرحي

كتاب " منهجية الإخراج المسرحي " ، تأليف د.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 9

مجموعة الشيء المفقود القصصية 1982م

وفي هذه المجموعة عرض (جمال بنورة) المضامين الفكرية نفسها التي عرضها في قصصه السابقة، والمرتبطة بصراع الإنسان الفلسطيني اليومي المتواصل مع الاحتلال.

ويعبر المؤلف في قصة (أمومة) عن حالة القلق الفكري التي تعيشها الأم في ظل عاطفة الأمومة وحالة الخوف من المجهول، فبعد أن فقدت (أم احمد) زوجها على أيدي جنود الاحتلال، تضخمت حالتي الخوف والقلق لديها على ابنها الذي لم يبق لها غيره في الوجود، لذلك كانت تحضره إلى المدرسة وتظل في انتظاره حتى ينهي دراسته وتعيده معها إلى البيت.

لكن (احمد) هو الآخر يستشهد في مواجهة مع العدو، فتهيم الأم في الخلاء بسبب وقع المعاناة عليها، ثم تعود إلى المدرسة وتبقى تنتظر على بابها كما كانت في السابق، وترى أصدقاء (احمد) الذين تعلن لهم أنها تحبهم وأنها ترى إنهم كلهم (احمد) وذلك في إشارة إلى استمرارية المقاومة: (ولم يستطع أحد أن يقنع المرأة بان احمد مات.. وتظل تصر على موقفها :

- احمد لم يمت.. احمد موجود.. إنه في مكان ما.. لابد أن يعود.. قد يكون بينكم.. بل انه بينكم.. انه واحد منكم.. انتم هو.. هو انتم..)(24).

وفي قصة (الحصار) يضرب الاحتلال طوقا أمنيا حول إحدى القرى الفلسطينية ويحاصرها بحثا عن بعض الفدائيين الفلسطينيين، وإزاء ذلك تبرز شخصية (أبو محمد) التي تبدي اعتراضها على ممارسات المحتل وإرهابه للمواطنين الآمنين، وهذه الشخصية تذكرنا بشخصية الجد في قصة (حكاية جدي) والتي تتشابه معها من ناحية البناء الفكري والنفسي، فهي شخصية شعبية تتصف بالشاعرية وبعفوية الطرح السياسي أثناء مقاومتها للمحتل، حيث تعبر عن حالة التشبث بالأرض رافضة كل محاولات التهجير والتشرد. يقول (أبو محمد) الذي يخاطب زوجته بعد أن تخبره رغبتها بالتخلص من هذا السجن الذي يفرضه الاحتلال:

(قال ساخرا : - وهكذا يا امرأة.. عرفت أخيرا طعم السجن.. بعد أن بلغت من العمر أرذله.. ولكنك لا تعلمين أننا نعيش في سجن داخل البيت وخارجه..(...). علينا أن نصبر قليلا.. لقد مرت بنا أيام وحروب كثيرة..

- ولكنها لم تكن أسوء من هذه..

- إننا نعيش رغم كل شيء..

- إننا نعيش.. لأننا لا نموت.. لقد حرمونا حتى رؤية أولادنا.. أي عيشة هذه ؟.

- إننا نعيش لتمتد جذورنا في هذه الأرض.حتى يصعب اقتلاعنا منها.

- إلى متى.. ؟ إلى متى..؟

- ليس أمامنا إلا أن نصبر وننتظر.. أن نصبر.. أن نصبر)(25).

إن (جمال بنورة) في مجاميعه القصصية المبكرة، يركز على تلك الموضوعات الملتزمة التزاما مباشرا بواقع الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني في الأرض المحتلة، وصور القمع الفاشية التي يمارسها الاحتلال في مقابل الأشكال المتعددة للنضال، وكل مجاميعه القصصية تشتمل على تلك النماذج البشرية المتناقضة في توجهاتها السياسية والاجتماعية، وإذا كان الأنموذج الطلابي قد أخذ سيادة واضحة كأنموذج نضالي إيجابي في قصص (جمال بنورة)، فإنه لم يختف من قصصه كل من الأنموذج الحيادي، والأنموذج السلبي المتهالك إلى حد السقوط في قائمة الخيانة، مما كان له أثره الواضح في تعميق مرتكزات الصراع، وتوسيع دائرة الأحداث ببناها الفكرية والعاطفية بين الشخصيات المتصارعة.

إن ما يميز معظم قصص (جمال بنورة) هو استخدامه للهجة الفلسطينية في حوارات الشخصيات الممثلة للإنسان الفلسطيني، وهو بذلك يريد تأكيد هوية الشخصيات، ثم أن اختياره للأمكنة مرتبط بالذاكرة الجمعية للإنسان الفلسطيني، فالمخيم والمستوطنة والشارع والسجن ومكان التحقيق هي أمكنة تشكل مسرحا للأحداث اليومية التي لا تنفصل عن أزمة الإنسان الفلسطيني.

ويؤكد (جمال بنورة) دائما في قصصه على العنصر النسوي كأنموذج نضالي إيجابي، مثل الطالبة (خولة) في قصة (حتى لا ننسى) و (أم احمد) في قصة (أمومة) والمعلمات في قصة (أربع وعشرون ساعة توقيف).. وغيرها.

مجموعة حمام في ساحة الدار القصصية 1990 م

وفي هذه المجموعة، وتحديدا في القصة التي تحمل الاسم نفسه، يقدم لنا المؤلف من خلال شخصية المرأة أنموذجا نضاليا واعيا لمسؤوليته تجاه الوقائع والأحداث، إنها تعيش في المخيم تحت وقع المداهمات والاعتقالات اليومية والممارسات التعسفية من حصار وعقاب جماعي.

إن أحداث هذه القصة تتحرك ضمن زمن واقعي يرتبط بالانتفاضة الفلسطينية ضد المحتل، وفي اليوم الذي تنطلق فيه إحدى المظاهرات، تتجه النساء إلى إبقاء أبواب بيوتهن مفتوحة، وذلك لتسهيل هرب الشباب إذا ما طاردهم الجنود وضيقوا الخناق عليهم.

وأثناء المظاهرة يشتبك الجيش بأسلحتهم وهراواتهم، والشباب بحجارتهم ومقاليعهم، وإزاء حالة القمع التي يقوم بها الجنود للمتظاهرين يهرب غلام في العاشرة من عمره من هروات الجنود، حيث يسعفه الحظ في الدخول إلى بيت المرأة التي أسرعت بسحب الولد من يده وبدأت تخلع ملابسه عن جسده..

(- ماذا تفعلين ؟

كانت له رائحة، قالت :

- أنت من زمان مش متحمم..!

- الميه ما وصلتنا من أسبوعين..

وهي تنزع ملابسه : هيا.. بسرعة.. ستنال حماما ساخنا..

بعد أن خلعت القميص والبنطلون، وضع الولد يده بحركة لا إرادية على سرواله باستحياء. قالت مازحة : طيب خليك لابسه.. أنت زي ابني ليش مستحي ؟!.(...).

عندما دخل الجنود إلى الحوش صفعت الولد برقة على رقبته :

- قلت لك أنت وسخ من زمان بدك حمام.

- وين الولد ؟ صرّح أحد الجنود..

- انو ولد يا خواجة..

- اللي فات عالبيت.

- وحياة عينك أنا ما شفت غير هالولد..هذا ابني...)(26).

وفي قصة (أم الشهيد) يصور لنا القاص رباطة جأش الأم بعد استشهاد ابنها (تيسير)، إذ أنها ترى في الموت ولادة لشعب بأسره عانى كثيرا من ظلم المحتل وأصفاده، وتتضح صلابة الأم حينما تؤكد للنسوة اللواتي حضرن للتشييع أن طريق المقاومة والاستشهاد التي اختارها (تيسير) هي الطريق الصحيح، فهو رمز لكل مظلوم ومقهور ومستلب ليس على ارض فلسطين فقط وإنما في كل ساحات النضال، وما الزغاريد والهتافات التي أطلقتها النسوة والشباب بما فيهم (أم الشهيد) أثناء التشييع، إلا لتأكيد العمق النضالي للإنسان الفلسطيني ومدى إيمانه بعدالة القضية التي يقاتل لأجلها.

إن الطابع الرومانسي لم يختف عند معظم شخصيات (جمال بنورة)، ومع إحاطته بظروف الإنسان الفلسطيني وقضيته كان لا بد وأن تنمو تجربته وتتضح رؤيته، حيث اتجه إلى إبراز الشخصية الفلسطينية ومعاناتها بشكل واضح لا سيما في قصصه المتأخرة التي تجذرت فيها قدرته على كشف الواقع الحياتي النضالي وغير النضالي للإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال.

إن استخدام المؤلف للاغاني الثورية التراثية التي ترددها الشخصيات الممثلة للإنسان الفلسطيني من شأنه أن يكون سجلا مريرا للأحداث وملابساتها، وهي تحقق رفعا للروح المعنوية النضالية للفلسطينيين :

(زفة يابيه واطلعه عالعلية لا هو عريس ولا العروس مجلية

طلت البارودة والسبع ماطل يابوز البارودة من الندى مبتل

شلتك يا شاب تيسير شلتك ليش ما اجت في العدو وخلتك

خيمة الشهيد خضرة ومخضبة بحنا. (...).

وهتف الشباب بصوت واحد :

يا أم الشهيد وزغرتي كل الشباب ولادك)(27).

وفي قصة (الجنود يبكون أيضا) يعرض القاص لمواجهة بين مجموعة من الفتيان وجنود من جيش الاحتلال الذين تمكنوا من القبض على أحد الفتيان، حيث أوسعوه ضربا ثم قاموا بوضعه في السيارة العسكرية، وبينما كان أحد الجنود يحرس السيارة همس للفتى سامحا له بالهرب، فما كان من الفتى الذي تفاجأ لذلك إلا أن قفز من السيارة هاربا، ونلاحظ هنا أن الكاتب قد عرض أنموذجين متناقضين من المجتمع الإسرائيلي ليدلل على أن كثيرا من الصهاينة يرفضون هذا القمع الذي يقترفونه لأنه يعبر عن ظلمهم وعن مطالبة منهم بحق غير شرعي.

الصفحات