أنت هنا

قراءة كتاب الأديان في العالم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأديان في العالم

الأديان في العالم

كتاب " الأديان في العالم " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 10

(الديانة الجينية أو الجانتية)

Jainism

لقد تعرضت الديانة الهندوسية شأنها شأن الديانات الأخرى إلى انقسامات وهزات فخلقت فيها ديانات فرعية أو طوائف. وكانت الديانة الجينية والبوذية من تلك الديانات الفرعية.

وفي ظل النظام الطبقي الهندي القديم والذي كان يؤكد على قدسية طبقة البراهما فقد استبد هؤلاء وتعسفوا بطغيانهم.. وتمنى الناس ظهور روحانية ينقذونهم من ويلات البراهمة.

وكانت طبقة الكاشتريا (Kastria) من أكثر الطبقات الأخرى تحسساً لظلم البراهمة وطغيانهم باعتبارها الطبقة الثانية التي تأتي بعدها في المرتبة وفيها الملوك والمحاربون الذين يفقدون كلمتهم وسطوتهم أمام البراهمة.

وقد ولد (مهاويرا) سنة 599 ق.م زمن طبقة الكاشتريا وهو ابن أمير البلاد وبعد أن عاش في نعيم ويسر اتجه لدراسة الديانة والرهبنة على يد البراهمة وقد تعرف على أفكارهم وأسرارهم فانطلق بعد وفاة والده ليتعلم قسوة الحياة وتحسس آلامها([29]) فعاش على الكفاف بعيداً عن الغنى، صائماً عن الكلام طيلة أثني عشر عاماً([30]). حتى تمرس خلال تلك الأعوام على كل الويلات والمصائب وتعرف على جميع الأسرار الكونية وكشفت له حجب الحقيقة. فعاد بعد اثني عشر عاماً ليبشر بعقيدته الجديدة التي تبدو لأول وهلة أنها تماثل الهندوسية. إلا أنها اختلفت عنها اختلافاً بيناً ولما صارت هذه الدعوى تمثل ثورة على البرهمية فقد تبعه الملوك والقادة والأهالي، وتوفي مهاويرا بعد أن ترك تراثاً ضخماً من التعاليم والوصايا صارت الأساس الأكبر لمعتقدات الطائفة الجينية في الهند.

والجينية التي دعا لها مهاويرا عبارة عن حركة عقلية حرة من سلطة تعاليم الفيدا عمادها الرياضة الجسمانية الشاقة وهروبها من الملذات بالعيش في تقشف شديد، ويتبع أفرادها سياسة رهبانية تختلف عن رهبنة البراهمة حيث يهتم (الجيني) بإفناء العواطف الشخصية.

والتعاليم الأولى للجينية تعكس ثورة على معظم معتقدات الهندوسية بما فيها ألآلهة فهي أقرب إلى الديانة الإلحادية حيث لا تعترف بآلهة كبيرة للكون خالقة له.

وتنصب اعتقاداتها بأن هذه الأرواح خالدة يجري عليها التناسخ.

وبينت فكرة الجينية على المسالمة وعدم الاعتداء والعنف حتى على أصغر المخلوقات والحشرات الصغيرة. ومن مواعظهِ الأخيرة: "لا تقتل الحيوان لتتخذ منه طعاماً ولا تصد براً ولا بحراً ولا تقتل أدنى المخلوقات في أي وقت ولا تقتل البعوضة التي تعضك أو النملة التي تلسعك.. ولا تذهب إلى الحروب ولا تقاتل من يهاجمك ولا تدس دودة على الطريق.. فحتى الدودة لها روح".

ولم ينف مهاويرا آلهة الهندوس رغم عدم إيمانه بها فولد موقفه هذا بعض الغموض عند أتباعه اضطروا إلى اعتباره إلها لهم. وقد راحوا إلى الاعتقاد بأن في الكون أربعة وعشرين (جنياً) أو آلهاً. كان آخرهم صاحب التعاليم الواسعة مهاويرا. ولكنهم رغم ذلك لم يتمكنوا من إيجاد صيغة معينة للتعبدات والصلاة أو تقديم القرابين. فكان أتباع تعاليم مهاويرا في التدريب على الصبر والمسالمة وتجويع النفس وترويضها على الآلام هي صورة التعبدات التي مارسها الأتباع إلى اليوم.

وتؤمن الجينية كأمها الهندروسية بالكارما (Karma) (أي قانون الجزاء) وتعتقد بأن التخلص من هذا القانون يتم بالتقشف بالحرمان من الملذات لأن الروح ضعيفة بالكارما أسيرة في يدها ولا سبيل لتخليصها منها إلا بالتطهر من الرغبات وحين ينتهي الإنسان على مر الأيام وبالتناسخ من الرغبات البشرية تتخلص روحه بالكارما وتبقى في نعيم خالد وهذا ما يسميه الجينيون النجاة (Salation) الذي يعادل (النرفانا) في الهندوسية والبوذية([31]).

وهناك طريق للوصول إلى النجاة بأن يتبع الجني ثلاثة سبل في حياته يسمونها بواقيت، فالياقوتة الأولى هي الاعتقاد الصحيح فعمل الذنوب والرغبات يضعف الاعتقاد الصحيح بالديانة أما الثانية فهي العلم الصحيح بما في الكون فلا يكون هنالك علم صحيح بأمور الحياة ما لم يكن للمرء اعتقاد صحيح في دينه. والياقوتة الثالثة هي الخلق الصحيح في التخلي عن السيئات والابتعاد عن الاعتداء على المخلوقات والصدى والعفو والإستقامة والتواضع والنظافة والإيثار واعتزال النساء الخ([32]).

وتتلخص الديانة الجينية بالتالي:

1- عدم الإيمان بالطوائف... ولا بالأصنام وعبادتها.. ولا بالصلاة وتقديم القرابين... ولا باله أسمى أو أعلى.. ومن هنا سمي وأتباعه (ملاحدة) ومن قوله: "لا بالصلاة ولا بالقرابين ولا بعبادة الأصنام يمكن أن تجدوا الغفران والطريق إلى الحياة الصالحة ولكن بالعمل الطيب يمكن أن تبلغوا النيرفانا.. في داخل نفوسكم الخلاص".

2- يؤمن الجيني بالجنة والنار والجنان عنده ست وعشرون.. فالروح الصالحة النقية ترتفع حتى تصل إلى الجنة السادسة والعشرين... وعندئذ تدخل النيرفانا والنيران – عندهم – سبع وتقع تحت سطح الأرض.. فالروح الشريرة تهبط وتهبط حتى تجد نفسها ملقاة في أسفل درك الجحيم.

3- وبمضي الزمن لم يثبت الجينيون على تعاليم سيدهم "مهايرا" وإنما بنوا المعابد وعبدوا الأصنام وعلى رأسها تماثيل مهاويرا، إلا أنهم تمسكوا بالتعاليم الأخرى.

فلم ينشغلوا – مثلاً – بالزراعة خوفاً من إلحاق الضرر بالكائنات الحية ورفضوا الانخراط في الجيش.. ولكنهم شقوا طريقهم في الهند بمزاولة الأعمال التجارية والمصرفية. لأنه يقل فيها الاعتداء على الأحياء إلى أقصى حد... وكان سبباً في تراثهم الكبير واحتلالهم منزلة رفيعة في الهند. ويبلغ عدد الجينين الآن حوالي مليون ونصف نسمة من مجموع سكان الهند.. وهم يعيشون على الأغلب – في أعالي الهند على طول نهر الجنجز وفي كلكتا.

الصفحات