كتاب " أسباب سقوط حُكم الإخوان " ، تأليف بروفيسور صالح شمس الدين إسماعيل ، والذي صدر عن مؤسسة شمس للنشر والاعلام .
أنت هنا
قراءة كتاب أسباب سقوط حُكم الإخوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أسباب سقوط حُكم الإخوان
مـقـدِّمـة
لا أستطيع كمواطنٍ من أصلٍ مصري؛ حتى لو كنتُ أحد علماء العلوم النووية، وأحمل الجنسية النمساوية، وأعمل بالخارج منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي؛ أنْ لا أتفاعل مع مجريات الأمور بمصر خلال السنوات الماضية.
إنَّ أغلب المصريين بالخارج يعيشون ومصر في قلوبهم؛ فإنَّ مياه النيل جزءٌ من دمائهم وأنسجة أجسادهم... بعد الأحداث المتلاحقة عقب 25 يناير وحتى الآن، أصبح هذا الاهتمام والانشغال بالمشهد السياسي والاقتصادي بمصر لحظة بلحظة، فلم أجد إلَّا قلمي لأُعبِّر عن فرحتي؛ وأحيانًا أكثر قلقي وخوفي، وأحيانًا أخرى عن ألمي وحزني من مجريات هذه الأحداث، ولكي أُقدِّم بعض الاقتراحات من أجل الاستقرار والأمان.
هذا الكتاب يعبِّر عن نظرة أحد علماء مصر بالخارج لمجريات الأمور والأحداث، خاصةً بعد أنْ تولى مرسي رئاسة الجمهورية، ويتعرض للأحداث التي أعقبتْ فوز الدكتور مرسي بالانتخابات الرئاسية في يونيو2012 بنسبة 51.7%، وانتاب النصف الآخر من الشعب المصري؛ خاصةً المثقفين والكُتَّاب؛ القلق الشديد من تمكُّن التيارات الإسلامية من المجالس التشريعية، والسلطة التنفيذية بالكامل.
كان من الضروري ومن الحنكة السياسية، بل من الواجب على مرسي وقيادات تيار الإسلام السياسي؛ العمل الجاد المُخلِص لنزع فتيل بوادر فتنة، والتي بدأتْ بوادرها باستقطابٍ شديد بين طوائف المجتمع المصري منذ نتائج انتخابات المجالس التشريعية.
التيارات السياسية والاجتماعية وقفتْ على صفيحٍ ساخن، يُزيد من لھيبه الإعلام غير المسئول الذي أصبح أيضًا مقصدًا لبعض رجال الدين، وأساتذة الجامعات، والمفكرين المھتمين بالتواجد الإعلامي بقدر أكبر من اهتمامهم بوقار مناصبهم، كذلك فعل بعض أھل الأحزاب والتكتلات السياسية الذين لم يكن لھم أي وجودٍ شعبي بدون الصراخ والبكاء لتواجد الإسلاميين بالساحة السياسية المصرية، إذ أعلنوا حربًا صريحة لحصار وسقوط التيارات الإسلامية.
على الجانب الآخر وقفتْ قيادات التيارات الإسلامية الهُواة في عالم السياسة والتشريع، وكانت كل مهمتهم "النفخ" في موقد الفحم المشتعل غير مدركين أنَّ مفاصل الدولة المصرية وقوتها ليستْ معهم، حتى وصلنا إلى ٣ يوليو وما أعقبها من أحداث.
كنتُ أتمنى؛ كما تمنى الكثيرون من المصريين بالداخل والخارج؛ أنْ ينتصر أھل الحكمة والفكر، وأنْ تكون المرحلة الانتقالية بعد أنْ تولى مرسي الرئاسة مرحلة بناء دولة المؤسسات، ولا تكون ھناك أيَّة مؤثراتٍ أو بنودٍ دستورية مؤقتة تصدر قبل أو أثناء حُكم مرسي، فتزيد من حدة التوجس والحساسية بين التيارين، فتعرقل أو تسيء للمسيرة الديمقراطية المصرية.
نعم، كنتُ أتمنى أنْ يعمل الجميع على تحمُّل المسئولية بالدولة المصرية، ودعم السلام الاجتماعي، واحترام الإرادة الشعبية، وأُسس المسيرة الديمقراطية.
القضية باختصار أنه يجب أنْ نتعلَّم الحياة في إطارٍ ديمقراطي، في عصرٍ يرفض كل أشكال الوصاية والطبقية، وندعم بناء واستقلال دولة المؤسسات، والأجهزة القضائية والرقابية والقومية.
المشكلة ليستْ في الأغلبية أو المعارضة، ولكنها تتمثل في وجود هؤلاء الذين يؤمنون بأنَّ الديمقراطية بدونھم ھي حكم الغوغاء، وعليهم منعھا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، سواء كانت التيارات الإسلامية أو غيرها هي الحاكمة.
إنَّ ما حدث، ومازال يحدث في معظم وسائل الإعلام بالدعوة بأنَّ ھذا التيار أو ذاك لا يرقى لقيادة البلاد؛ غير مقبول إطلاقًا.. مَنْ يقول أنَّ التيار اليساري أو الليبرالي ھو الأفضل من الإسلامي أو أي تيارٍ آخر؟.
مَنْ يدَّعي أنَّ الديمقراطية ھي سياسة التوافق والمشاركة الجماعية، ھو واھمٌّ ويجھل مفھوم الديمقراطية الليبرالية البسيط. الديمقراطية ھي حُكم الأغلبية بدون الاعتداء على حقوق الأقليات، وإذا حكم الشعب بأنَّ التيار الإسلامي ھو تيار الأغلبية، فلھم كل الحق في "التكويش" باسم الشعب، لكنَّ مرسي لم يفعل فسقط سريعًا.
التيارات الإسلامية كان يجب أيضًا أنْ تتفهم أنَّ خوف قطاعات عريضة من المجتمع المصري لمحاولة سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم مشروعة، فتاريخ ھذه التيارات والظروف التي كانت محيطة بھا خلال السنوات السابقة، بالإضافة لتصريحات الكثيرين ممن ينتمون لھا في الإعلام، تدعِّم إلى حدٍ ما ھذه المواقف.
نعم، كان عليهم أنْ يثبتوا أنهم جزء من الكيان السياسي المصري وأمنه القومي، ويعملوا جاهدين على اكتساب ثقة الأجهزة الأمنية والعسكرية، والتي طالما وقفتْ موقفًا سلبيًا تجاه هذه التيارات طوال ستين عامًا.
الحل الأمثل، كان تغليب سياسة التوافق والمشاركة على سياسة الأغلبية والصندوق خلال مرحلة التحوُّل الديمقراطي، حتى لو كان ذلك من حقِّ مَنْ حصل على الأغلبية واستحقاقاتٍ عملية ديمقراطية. كان لا يجب أنْ توجد حساسية من التيارات الإسلامية المنتخَبة بناءً على رغبة جميع التيارات الأخرى في المشاركة بالحياة السياسية بعد الثورة، هذا أمر مفھوم وطبيعي لطبيعة المرحلة الثورية، والمشاعر الوطنية لدى كل مَنْ شارك في الثورة، مع انعدام وجود تقاليد وثقافة ديمقراطية.
الديمقراطية ثقافة، وترسيخ ھذه الثقافة في مجتمعٍ به نسبة أُمية عالية، وانحصار المصادر الثقافية في العموم على البرامج التليفزيونية الموجھة أو الخاصة وبعض الصحف؛ حتى عند النخبة المتعلِّمة؛ ثم الفقر وانعدام القدرة على العيش الكريم لقطاعاتٍ عريضة، تُظھر مدى التحدي لدفع المسيرة الديمقراطية، ھذا يُظھر أيضًا مدى أھمية مسئولية وحكمة مَنْ يتصدى لقيادة الفترة الانتقالية.
الفترة الانتقالية لدول الربيع العربي سوف تمتد لسنواتٍ طويلة، وقد تصل من ١٠ إلى ١٥ عامًا؛ لتتعاقب عدة انتخاباتٍ للمجالس النيابية ورئاسة الجمھورية، ويتم تجريب التيارات الإسلامية والليبرالية والثورية، عندئذٍ تصبح الأمور أكثر وضوحًا وشفافية لمعظم قطاعات الشعب المصري أو غيرهم، وستكون هذه الفترة من أخطر الفترات في تاريخ مصر الحديث والعالم العربي.
لقد تمنيتُ أنْ نظل جميعًا داخل إطار المسيرة الديمقراطية، ولا نخرج عنه مھما كانت الأسباب، وأنْ ينفصل مرسي تمامًا وفعليًا عن جماعة الإخوان؛ ليكتسب ثقة ودعم قطاعات عريضة من الشعب المصري، وأنْ يشكِّل الوزارات برجال من ذوي القامات الوطنية والعلمية، البعيدة عن الأحزاب والتيارات، تكون متفھمة لمتطلبات الأمن القومي المصري.
نعم، لقد طالبتُ وعقب أسبوعين فقط من بداية فترة رئاسة مرسي، أنْ نقفز جميعًا على معظم الحواجز وهواجس الخوف، من أجل الاقتصاد المصري والأغلبية العظمى من الشعب المصري الفقيرة التي تريد الاستقرار ولقمة العيش الكريم، كان يجب ألَّا ينسى الجميع أنَّ أعمدة الاقتصاد المصري والهيئات الخدمية قد نحرها "سوس" الفساد لسنواتٍ طويلة وآيلة للسقوط، ولا يمكن إنقاذها إلَّا بالتكاتف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فلا يمكن تعليل الصراعات - حتى لو صدقتْ النية - للملايين من فلاحي وعمال مصر الذين يعملون عرقًا، وكل يومٍ يمضي عليھم بھذه الظروف يعتبر ظُلمًا.
للأسف بدأتْ المعركة للعصف بمرسي والإخوان من قبل أنْ يحلِّف اليمين بالدستورية، وقد استخدم الطرف الآخر كل الوسائل المتاحة لتحقيق هدفه، وإسقاط مرسي في أسرع وقت. لم يدرك مرسي أنَّ 50 % من الشعب المصري لم يؤيدوه، وأنَّ 50 % على الأقل ممن أيدوا التغيير وتجربة الإخوان؛ لا ينتمون إلى الإخوان أو التيارات الإسلامية، ولكنهم يدعمون الديمقراطية في الأساس ومسار وأهداف ٢٥ يناير، ووقفوا بجانب مرسي ببداية الأمر لعلَّه يحقق بعضها، وإذا لم يفعل سيكونون أول مَنْ يهتف بسقوطه.
للأسف لم يُقدِّر الإسلاميون ومرسي حقيقة الموقف، ولم يدركوا تفاصيل عملية حسابية بسيطة جدًا في عالم الانتخابات والمسار الديمقراطي، ولكنها كانت صعبة الفهم والإدراك لمَنْ دخل عالم السياسة مصادفةً، وجلس على كرسي رئاسة بلد في حجم مصر، وبدون سابق إنذار.
أكبر أخطاء مرسي أنه لم يهتم بمشاكل وهموم شريحة كبيرة من المصريين لا تنتمي إلى التيارات الدينية، وتعتبر الكتلة المتحركة الهلامية بعالم ممارسة الديمقراطية، وتُحدِّد في العالم أجمع مسار الحكم، وتؤدي تحركاتها إلى قلب الموازين وتغيير أنظمة الحُكم. في الدول المستقرة ديمقراطيًا تتحرك هذه الكتلة إلى صناديق الانتخابات، أما في الدول التي تعاني من شمولية النظام، فإنها تتحرك عادةً إلى الشوارع بالمظاهرات والاعتصامات العنيفة أحيانًا. هذا ما حدث في بداية 25 يناير، واُستخدمتْ لقلب الطاولة الإسلامية والعصف بها، وسوف تستخدم أيضًا في المستقبل.
الأخطاء التي أدَّتْ إلى الإطاحة بمرسي، وبداية مصير مظلِّم للإخوان وكافة التيارات الإسلامية يمكن تقسيمها إلى نوعين:
ـ الأول: متصل مباشرةً بالجماهير وتطلُّعاتها، وعندما لم يهتم بها مرسي بشكلٍ محوري وسريع وقاطع مستخدمًا ما يُسمى في عالم السياسة بـ"السرعة القاتلة" خسر مرسي أرضية حُكمه؛ بمعنى تعاطف الشارع المصري خاصةً المجموعة الثورية، حتى لو أنه لم يُمنح الفرصة ليعمل في هدوءٍ وبدون ضغوطٍ لفترة كافية. لم يكن مطلوبًا من مرسي أنْ يمسك بعصا سحرية، وحل قضايا تراكمتْ على مرِّ أربعين عامًا خلال عامٍ واحد، ولكنه على الأقل لم يتخذ قراراتٍ جوهرية تُشعر المواطن بأنَّ طريق الألف ميل قد بدأ باختيار القيادات المناسبة والوزراء الأكفِّاء ذوي السمعة الطيبة، وأنَّ هناك أملًا في حل قضايا، مثل:
1) الدعم والفقر والعشوائيات.
2) الضرائب والأجور.
3) خدمات المحليات كالمرور والمياه والنظافة والإسكان.
4) الطاقة والصحة.
5) التعليم.
هذه القضايا الخمس، هي في الأصل السبب في أنْ ينتخب أغلبية المصريين التيارات الإسلامية بعد 25 يناير كنوعٍ من الاعتراض على ما حدث في عصر مبارك، وأملًا في التغيير... لم يتعرض مرسي لكل هذه القضايا بطريقة جدية، وانشغل بدلًا من ذلك بمشروعٍ وهمي يسمى "النهضة"، لا يمس مشاكل الجماهير الحقيقية ومتاعبهم اليومية مباشرةً، ولكنه مشروع "إنْ شاء الله بكرة تُفرج".
ـ الثاني: أخطاء سياسية واستراتيجية الأصل، وتتصل بالحكم والتمكُّن من مفاصل وأركان الدولة المصرية، مثل:
1) العلاقة بالمؤسسة العسكرية والأمنية والقضاء.
2) السياسة الإعلامية في ظل إعلامٍ خاص، وفضائيات.
3) إعداد الدستور.
4) ملف المصريين بالخارج.
5) التوافق بين القوى السياسية، وتشكيل الوزارات.
لم يعطِ مرسي الأهمية الكافية لمثل هذه النوعية من القضايا، والتي كانت المفتاح لنجاحه في استمالة الطبقات المؤثرة إعلاميًا، وكذلك أجهزة الدولة المصرية المهمة لضمان نجاح المسيرة الديمقراطية. قوَّض مرسي بذلك إمكانية مساندة قطاعات مؤثرة من الشعب المصري خاصةً من الطبقة المتوسطة، هذه الطبقة لم يكن لديها أي استعدادٍ للتسامح أو إعطاء الفرصة مع مزيدٍ من الوقت للإخوان والتيارات الإسلامية عمومًا، خاصةً في ظل هذا الإعلام الذي لم "ينفخ" فقط في الفحم المشتعل، ولكنه أشعل النيران، وبنى الشِباك العنكبوتية لمرسي وحزبه في كل مكانٍ وعلى مدار 24 ساعة.
هذا الكتاب هو في الأساس مجموعة من المقالات (بتعديلاتٍ محدودة لزوم نشرها بكتاب) نُشرتْ على مدار عامٍ كامل، وتعرضتْ إلى الواقع السياسي المصري ومشاكله، وتقدِّم بعض الحلول لها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال عرضٍ أدبي يتضمن معلوماتٍ، أو إشاراتٍ لقضايا في إطار التمسُّك بخمس أسس:
ـ أولًا: دعم مسيرة ثورة 25 يناير.
ـ ثانيًا: تقديم بعض الاقتراحات للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
ـ ثالثًا: محاولة دمج الإخوان في النسيج السياسي المصري.
ـ رابعًا: تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والسلام الاجتماعي.
ـ خامسًا: التمسُّك بالإطار الديمقراطي.
صالح إسماعيل
فيينا
2014