كتاب " بيع الأوطان بالمزاد العلني " ، تأليف د. عبدالله الصالح العثيمين ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب بيع الأوطان بالمزاد العلني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مُقدّمة
الحمد لله رَبِّ العالمين، والصلاة والسلام على سَيِّد الأولين والآخرين، نَبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قُدِّر للجيل الذي ينتمي إليه كاتب هذه السطور أن يرى أُمَّته تَمرُّ بتقلُّبات مختلفة. لقد صُدِم؛ وهو في المرحلة الأخيرة من طفولته، بوقوع نكبة فلسطين، عام 1948م؛ مُتمثِّلة بقيام الكيان الصهيوني العنصري على أرض فلسطين، ونزوح كثير من الفلسطينيين من وطنهم ليصبحوا لاجئين يعيشون في مُخيَّمات هي البؤس بعينه. وبعد ست سنوات من تلك النكبة انطلقت الثورة الجزائرية المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي، الذي لم يَكتفِ باحتلال الجزائر واستلاب خيراتها الاقتصادية فحسب؛ بل كان يهدف، أيضاً، إلى طمس هُويَّتها؛ دينياً ولغة وتاريخاً. ومَرَّت ست سنوات بعد تلك الانطلاقة حدثت خلالها حوادث تبعث على التفاؤل. ومن تلك الحوادث انطلاق الفدائيين الفلسطينيين من قطاع غَزَّة، التي كانت تحت الإدارة المصرية، في عمليات جريئة ضد العدو الفلسطيني، وصمود مصر؛ قيادة وشعباً؛ مُؤيَّدةً من أُمَّتها العربية والمُحبِّين للحق في العالم، ضد العدوان الثلاثي التآمري. ومن تلك الحوادث، أيضاً، قيام الوحدة بين مصر وسورية، والإطاحة بالحكم في العراق المُتبنِّي لحلف بغداد.
على أن تلك السنوات الست انتهت حوادثها بحوادث ست سنوات أخرى كان منها ما كان مُبهجاً؛ وهو حصول الجزائر على استقلالها، لكن بدايتها شهدت ما كان محزناً؛ وهو انفصال الوحدة بين مصر وسورية. ولم تَنته إلا وقد حَلَّ بعدها عام أصِيبت فيه أُمَّتنا بهزيمة عسكرية فادحة كان من نتائجها احتلال الصهاينة لكامل أرض فلسطين؛ بما فيها القدس ومسجدها الأقصى؛ إضافة إلى مرتفعات الجولان السورية. ومع أن تلك الهزيمة العسكرية كانت فادحة، وأن نتائجها على الأرض كانت كارثية، فإن إرادة الزعامات العربية ذات الوزن الأكبر في المنطقة حينذاك بدت قوية. وتَجلَّت قوة تلك الإرادة في لاءات مؤتمر الخرطوم الثلاث المشهورة. والمتأمِّل في مجريات حرب الاستنزاف التي برهنت فيها مصر؛ قيادة وشعباً، على عظمة بطولتها؛ يدرك مدى ما تَحلَّت به الزعامة المصرية والشعب المصري من عظمة. لكن المؤسف والمؤلم أن الجبهة المصرية كانت هي الجبهة العربية الوحيدة التي انفردت بتلك العظمة. وكان من المحتمل جداً أن تتغيَّر إيجابياً أوضاع الأمة لو واكب تلك الحرب الاستنزافية تَحرُّك جبهات أخرى على حدود فلسطين، وتحرُّكٌ فلسطيني داخل تلك الحدود.
وبعد مرور تلك السنوات الست، التي كان فيها ما يَسرُّ، كما كان فيها ما يؤلم، وقعت حرب 1973م، التي أثبت في بدايتها المقاتل العربي عظمة كفاءته وبطولته، لكنها انتهت بما لا يَتَّفق مع تلك العظمة. ولم يكن مُستغرباً؛ وقد انتهت تلك الحرب بالنهاية التي انتهت بها، أن تُختتَم تلك السنوات الست التي تلتها باتِّفاقية كامب ديفيد، التي قال عنها عدد من زعماء الكيان الصهيوني إن انتصارهم بها لا يَقلُّ أَهمِّية عن انتصارهم بإقامتهم ذلك الكيان عام 1948م. وحُقَّ لهم أن يقولوا ذلك فإن تحييد مصر؛ بكل ما لها من ثِقَل سكاني وموقع جغرافي، عن مسرح المواجهة مع الصهاينة نجاح وأَيُّ نجاح لهم. وكل من قرأ التاريخ قراءة تَأمُّل صحيحة يدرك أن مصر كانت هي المنطلق لتحرير فلسطين من المُحتلِّين لأراضيها. ومجريات حوادث الحاضر - كما هو المُرجَّح في المستقبل - تَدلُّ على أن مدلول ما حدث في ماضي القرون ما زال هو الأمر المحوري في المنطقة.
بعد ذلك التحييد للجبهة المصرية في ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني توالت الكوارث النازلة بِأُمَّتنا. وكان من أسباب تلك الكوارث اتِّخاذ بعض الزعامات العربية سياسات هوجاء بعيدة عن الحكمة. ومن ذلك دخول الزعامة العراقية في حرب مُدمِّرة مع الزعامة الإيرانية التي قامت بثورة أطاحت بالشاهنشاه الذي كان يُمدُّ الكيان الصهيوني بالنفط، وأَحلَّت مَحلَّه حكومة قطعت العلاقات معه. ولما وصلت تلك الحرب إلى نهايتها، وفرح المخلصون من العرب بتلك النهاية، ارتكب زعيم العراق جريمته الرعناء المُتمثِّلة باحتلال الكويت. وكان من نتائج تلك الجريمة تحطيم قوة العراق الحربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. وكان ذلك التحطيم - كما قال وزير خارجية أميركا حينذاك، جيمس بيكر - أكبر خدمة قَدَّمتها إدارة دولته للصهاينة. ذلك أن قوة العراق كانت هي الخطر الاستراتيجي الحقيقي على كيانهم. وكان من نتائج ذلك اجتماع السياسيين العرب مع زعماء الكيان الصهيوني في مؤتمر مدريد؛ وهو الاجتماع الذي ظَلَّ أولئك الزعماء الصهاينة يحلمون به أكثر من أربعين عاماً. ثم جاءت اتِّفاقية أوسلو بكل ما فيها من مواد حَتَّمت على السلطة الفلسطينية التي وَقَّعتها تغيير بعض الثوابت التي تَضمَّنها ميثاق منظمة تحرير فلسطين، وجعلت من تلك السلطة عوناً للصهاينة على الذين يَتبنَّون مقاومة الاحتلال. وتسارعت التنازلات عن المواقف التي كانت ثوابت حتى وصلت قَضيَّة فلسطين إلى ما وصلت إليه من وضع ينذر بتصفيتها.