أنت هنا

قراءة كتاب هدنة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هدنة

هدنة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجليل
الصفحة رقم: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمي إيال أرليخ، يهودي ومواطن إسرائيلي، وأنا لست سياسيا ولا جنرالا، بل أنا رجل اعمال ومواطن من عامة الشعب أناهز الحادية والخمسين، وقد عملت في غضون السنوات القليلة الماضية بجد من أجل دفع مسيرة سلمية شجاعة وطموحة باتجاه المصالحة بين الشعبين، وأنا سعيد حقا وشديد التأثر وأنا أقدم نفسي والمبادرة السياسية التي أحاول دفعها إلى الأمام للقارئ العربي.

لم يكن صدفة أنني فضلت أن أستهل الطبعة العربية من كتابي بالآية الكريمة "بسم الله الرحمن الرحيم"، وهي الآية التي يفتتح بها القرآن سوره، والتي تبدو في رأس كل سورة (باستثناء سورة واحدة(، الآية التي يكررها كل مسلم مؤمن ثماني وعشرين مرة يوميا على الأقل خلال صلواته الخمسة.

وأنا أعتبر أن هذه الآية هي بمثابة جملة لا يوجد أهم منها، ففي المرة الأولى التي يوصف الله فيها في القرآن لم يوصف بالرحمن فقط بل يوصف بأنه الرحمن الرحيم، وهناك مغزى هائل للتأكيد المزدوج على طابع الغفران المليء بالرحمة لله، ولا شك أن الأمر لم يأت هنا صدفة، إن إلهنا، إله أبناء إبراهيم مسلمين ويهود هو قبل كل شيء رحمن ورحيم, ونظرا لأن هذه هي صفات الله فإننا نخرج بخلاصتين على الأقل :الأولى هي أنه لا يوجد ولايمكن أن يوجد أي تبرير للمساس بالأبرياء، فمثل هذا العمل يتعارض وإرادة الله، والثانية : أنه يتوجب التطلع من أجل التوصل إلى حل بالطرق السلمية لأي نزاع ينشب بين الجانبين- هذا من وجهة نظري- الأمر العلوي الناجم عن كون الله هو الرحمن الرحيم، لا تبرير أبدا لأية عملية قتل لا لزوم لها وللمساس بالأبرياء ثم الإدعاء بأن الأمر تم باسم الله.

أنا أؤمن بأن بالإمكان التوصل إلى مصالحة تاريخية بين إسرائيل وبين جيرانها: وعلى رأسهم الفسطينيون، وأيضا مع باقي شعوب المنطقة الأخرى. لقد حاولت طيلة السنوات التسع الماضية دفع فكرة أساسية لمعت في عقلي عام 2001، أي بعد أشهر معدودة من بداية الحوادث الدموية لانتفاضة الأقصى.

وتقوم الفكرة على أستخدام آلية المصالحة التقليدية في النزاعات الدموية في المجتمع العربي، وتطبيقها على النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وأقصد الآلية التي ترمي لوقف عملية الانتقام والتي تبدأ بإرسال وفد من الوجهاء ووفد مصالحة إلى بيت الضحية لاقتراح فترة هدنة متفق عليها مسبقا، ومن المألوف أن عائلة الضحية تقبل الهدنة، وتقبل مبلغا مقدما تحت حساب التعويضات المسماة – العطوة، وقبل انتهاء الهدنة، تقوم لجنة المصالحة بتنظيم مراسيم الصلحة، والتي تقوم خلالها عائلة الضحية بتلقي باقي مبلغ التعويض، ثم تجري مراسيم رمزية يتم خلالها الإعلان عن انهاء النزاع.

وعندما لمعت الفكرة في رأسي توجهت إلى صديقي القديم عبد الوهاب دراوشة- أبو باسل- والذي عمل عضو كنيست في إسرائيل طيلة خمس عشرة سنة (1984- 1999) وسألته عن وجهة نظره في الفكرة فأثنى على الفكرة ، وقال أن بالإمكان أن تنجح، وأنها ستتيح الفرصة للمتطرفين من المعسكرين لوضع السلاح لفترة متواصلة، وقررنا العمل معا لدفع الفكرة إلى الأمام.

نجحنا في نهاية عام 2001 في إقناع رئيس دولة إسرائيل آنذاك موشيه قصاب بتأييد المسيرة وترؤس وفد وجهاء إسرائيليين للتوجه إلى المجلس التشريعي في رام الله لاقتراح هدنة متواصلة، وقد طلب منا رئيس الدولة أن نتفحص موقف الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وهكذا تحولت أنا وأبو باسل إلى رسل غير رسميين لرئيس الدولة، اجتمعنا بياسر عرفات في منتصف شهر كانون الأول2001 وسعدنا حينما اكتشفنا أنه متحمس جدا للمبادرة، وأعلمنا أنه يعتزم عقد اجتماع للمجلس الوزاري الفلسطيني لهذا الغرض، ولم تكد تمضي بضعة أيام حتى تلقينا ردا رسميا لتوجهنا: الزعامة الفلسطينية تدعو وفد الوجهاء الإسرائيليين للمجلس التشريعي في رام الله، وهي ملتزمة بالاستجابة لمبادرة الهدنة لمدة سنة، والتي سيكون بالإمكان تمديدها فيما بعد.

ولإسفي البالغ، قرر رئيس حكومة إسرائيل آنذاك أرئيل شارون - بعد أسبوعين من جس النبض الذي قمنا به- رفض الفكرة، وقد أصدر مكتب رئيس الحكومة شارون بيانا جاء فيه أن رئيس الدولة اقترح مبادرة غبية لهدنة لمدة سنة، وقد رفض مكتب رئيس الحكومة المبادرة.

كانت تلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها كلمة "الهدنة" القاموس السياسي فيما يتعلق بالنزاع الشرق أوسطي، ومنذ ذلك الوقت بقيت فكرة الهدنة المتواصلة على جداول الأعمال بين الطرفين المتنازعين، على أية حال لم تكن هناك اقتراحات مجدية لحل النزاع المتواصل بين الشعبين.

وطيلة أربع سنوات عكفت بصورة دؤوبة على القيام بمحاولات متواصلة من أجل إحلال المصالحة بين الشعبين، لقد كانت هذه المحاولة بالنسبة لي رائعة ، ويمكنني القول أنني انجذبت إلى أتون المغامرة، لقد تطرقت في مرحلة متقدمة جدا إلى تدخلي في المجال السياسي كمغامرة مثيرة، وقد أجريت خلال المسيرة لقاءات رائعة مع عرفات، بل وكنت في مرحلة معينة شاهدا على الخلافات التي قامت بين زعامة حماس وزعامة حركة فتح.

وعندما قررت كتابة كتاب حول القضية قررت أن أسميّه "هدنه.. مغامرة سياسية" وقد صدر الكتاب عام 2005 وأصدرته دار أرييه نير، وقد وقعت منذ ذلك الحين أحداث كثيرة جدا، لقد حرص شرقنا الأوسط المجنون على إثارة كم هائل من التطورات الدرامية والتي أثرت على حياة ملايين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما ولد شرخ بين حركتي حماس وفتح، والذي وصل إلى ذروته بسيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007.

وفي مرحلة لاحقة شهدنا عملية تشديد الحصار الإسرائيلي على غزة، وإطلاق الصواريخ وقنابل الهاون بصورة دائمة من غزة باتجاه مدن وقرى في جنوب إسرائيل، ووصلت أعمال العنف إلى ذروتها في كانون الأول 2008 عندما اندلعت حرب الرصاص المصبوب، هذا إضافة إلى العديد من الأمور الأخرى، مثل نجاح بنيامين نتنياهو في الوصول إلى السلطة في إسرائيل، وانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة.

ولا زلت أواصل جهودي من أجل إحلال الهدنة بالتعاون مع حفنة من الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعتقدون – مثلي- أن هدنة لمدة ثلاثين سنة هي أكبر إنجاز وأكبر المسائل الواقعية التي يمكن أن نستقيها من الشرق الأوسط في هذه الآونة.

وأعتقد أنا وأصدقائي أن من واجب الأطراف أن تعد لنفسها بوليصة تأمين قبل أن تتخذ قرار الدخول في مفاوضات حول التسوية الدائمة، وأقصد التوصل إلى اتفاق مفصل يكفل لسكان المنطقة حياة عادية لفترة متواصلة إلى أبعد قدر ممكن، حتى لو فشلت المحادثات حول التسوية الدائمة.

وبناء على التقاليد العربية العريقة فإن آلية المصالحة تبدأ بأن تقوم لجنة المصالحة المؤلفة من أناس محترمين، مستقيمين، عقلاء وليسوا طرفا في النزاع، بالعمل على إحراز هدنة بين طرفي النزاع.

أنني وأصدقائي نحلم بوفد وجهاء يقوده أناس رفيعو المستوى من أنحاء العالم ويأتي إلى منطقتنا ويجتمع مع جميع أطراف النزاع- بما فيها زعامة حماس وفتح والزعامة الإسرائيلية- ويحاول أن يحل الهدنة لمدة ثلاثين سنة، ونحن نعتقد أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ندفع خلالها حركتي فتح وحماس إلى الموافقة على أسلوب مشترك لصالح الشعب الفلسطيني يجب أن تأتي في الإطار الواسع للتوصل إلى حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وخلال الهدنة المتواصلة – ربما سنة أو سنتان بعد بداية المسيرة- ستقام في نهاية المطاف الدولة الفلسطينية داخل حدود مؤقتة.

إن أحد العوامل المركزية في مبادرتنا هو جمع عشرة مليارات دولار على الأقل مسبقا من الدول المانحة، وإرسال هذا المبلغ فورا ودون أدنى تأجيل لبناء دولة فلسطينية عصرية. إن الاستثمار المكثف في البنى التحتية سيخلق عشرات آلاف أماكن العمل، وسيحسن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في غزة والضفة الغربية إلى حد كبير جدا.

ورغم جميع العوائق والموانع القائمة إلا أني لا أعتزم التسليم، بل إنني عازم على بذل قصارى جهدي من أجل دفع مسيرة تفضي إلى ثلاثين سنة من الهدوء في الشرق الأوسط، وأعكف أنا وزملائي في هذه الأيام على بناء موقع انترنت باللغات الثلاث – العربية والعبرية والإنجليزية- والذي سيحاول دفع مبادرتنا للمصالحة إلى الأمام والوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص عبر الانترنت. هذه المهمة مثيرة وتثير التحديات، وأنا أدعو القراء للدخول إلى الموقع والذي عنوانه www.hudna.org نحن في حاجة لأوسع دعم ممكن، وأنا على قناعة بأن غالبية الإسرائيليين وغالبية الفلسطينيين سيسرون جدا إذا ما استيقظوا على واقع يضمن لهم ثلاثين سنة من الهدوء، سيكون ذلك اليوم يوما كبيرا إذا ما تمكنا من الوصول إليه، وأنا على قناعة من أنه إذا ما عززنا نحن الناس البسطاء تكاثفنا وتآزرنا، فسوف نتمكن من تحقيق هذا الحلم.

وفي الختام أشكر دار الجليل وأشكر الناشر غازي السعدي على العمل الجيد والدعم والجهد.

إيال أرليخ

عمان- شباط 2010

الصفحات