كتاب " اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار " ، تأليف عمر أمين مصالحة ، والذي صدر عن دار الجليل للنشر والدراس
أنت هنا
قراءة كتاب اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت نهاردعا في الشمال، والى الجنوب منها فومبديتا (قرب الفالوجة حاليا، وبالقرب منها يمر الجسر الذي تقطع منه وسائل النقل نهر الفرات في طريقها من بغداد الى الاردن)، كانت سورا الى الجنوب من فومبديتا، قرب مدينة الحلة حاليا، وقرب اطلال بابل القديمة.
ظلت مدرستا سورا وفومبديتا مركزين ثقافيين لليهود حتى بعد اتمام وضع التلموذ. لقد اهتم الحاخامات في هاتين المدرستين، في تفاصيل وضع الصيغة النهائية للتلمود وتدقيقه وبأيضاح تفاصيل مضمونة. سمي حاخامو هذه الفترةِ "السابورائيون"، وبعد هذه الفترة كرس الحاخامات جهودهم في تدريس التلمود في حلقاتهم، وباصدار (الفتاوى)، أي ما يطلق عليه اليوم "بِْسكي هلاخاه" وهي الإجابة على الاسئلة المتعلقة بالاحكام المختلفة التي وجهها اليهم اليهود في اماكن مختلفة من العالم. كان اللقب الرسمي الذي اطلق على رؤساء الحاخامات في هذه الفترة "هجاؤونيم" أي النابغين، وبإسمهم سميت هذه الفترة. استمر قيام هاتين المدرستين قرابة ثمانية قرون: منها ثلاثة قرون برز فيها "الامورائيون"، ونحو نصف قرن برز خلاله "السابورائيون"، في حين ترأس الغاؤونيم الفترة المتبقية والتي تتراوح مدتها 450 سنة. (في نهاية عهد الغاؤونيم انتقلت المدرستان الى مدينة بغداد الجديدة، واليها انتقل رئيس الجالية، أيضا).
انتشرت هذه المدارس، التي كانت طبق الاصل للمدرسة الدينية الأولى، في جميع أوساط الشعب اليهودي، وما زالت قائمة حتى اليوم، ولم يسمح لأي شخص بالتدريس في المعاهد التعليمية الدينية، أو القيام بمهمة حاخام (راب) الا لمن تأهلوا في مدرسة دينية معروفة. لقد ساهم التعليم والتأهيل في المعاهد الدينية المتخصصة على دعم الروابط بين الجاليات اليهودية المتفرقة، بحيث قدم كثيرون من المناطق النائية الى المدارس المشهورة، ليحصوا على التأهيل الديني من خلال هذه المؤسسات.
بعد اغلاق الحلقتين في سورا وفومبديتا، حافظت المدرسة الاسرائيلية في البلاد على البقاء زمنًا طويلا (بحيث انتقلت الى اورشليم، ثم مدينة صور وبعدها الى دمشق). تـأسست في بغداد مدرسة جديدة، استمرت قرونًا طويلة، لكن رؤساءها لم يحظوا من التقدير والنفوذ بمثل ما حظي به رؤساء مدرستي سورا وفومبديتا، بالرغم من كونهم حملوا، هم الآخرون لقب "غاؤون". بعد اغلاق حلقتي سورا وفومبديتا انتقل المركز الثقافي للشعب اليهودي من العراق الى اوروبا. وبرزت في اوروبا وعلى فترات مختلفة، مدارس اسبانيا، وفرنسا، والمانيا، وهولندا، وبولندا، وأخيرا في لتوانيا ومناطق شرق اوروبا
سبق للجاليات اليهودية أن استوطنت اوروبا الجنوبية والغربية منذ أيام الحكم الروماني في البلاد، وكان معظم هؤلاء اليهود من أسرى الحرب الذين أبعدوا عن البلاد، أو من أولئك الذين غادروا البلاد بمحض ارادتهم وبسبب مشاغلهم.
لم يفلح الرومان في اخضاع القبائل الجرمانية في اوروبا الوسطى، فشددت هذه القبائل هجماتها على الامبراطورية الرومانية في وقت لاحق، فقوضتها، واكتسبت هذه القبائل عن الرومان المنهزمين ديانتهم المسيحية وعداءهم لليهود، وأن كان هذا العداء قد اختلف في مداه من بلد الى آخر، ففي ايطاليا سمح لليهود بممارسة حياتهم الدينية والثقافية وتوطدت الروابط بينهم وبين باقي التجمعات اليهودية التي بقيت في البلاد وشملت العلاقة، القيام بفرائض الحج الى اورشليم، وارسال التبرعات، واستيراد الكتب الدينية، الامر الذي ساهم في أزدهار وانتشار أدب المواعظ والأشعار في العديد من الدول الأوروبية. أثر يهود ايطاليا بدورهم وبروحهم الابداعية على الجاليات اليهودية الكثيرة التي انتشرت في فرنسا، أما في اسبانيا فقد استمرت قبيلة القوط (الزيغوت) الغربية التي احتلت البلاد في اضطهاد اليهود، محاولة اكراههم على ترك اليهودية والتنصر.
في غمرة هذه الاضطهادات ضد اليهود، اقتحمت الجيوش الاسلامية اسبانيا قادمة من افريقيا الشمالية، وساعد عدد من اليهود هذه الجيوش على احتلال البلاد. تكلم اليهود الذين استوطنوا اسبانيا بعد احتلال المسلمين لها، اللغة العربية، في حين تكلم اولئك الذين استوطنوا الشمال المسيحي والمناطق المجاورة لفرنسا، لغات اخرى. اراد الادباء اليهود في اسبانيا الاسلامية لاشقائهم أن يفهموهم ويطلعوا على احوالهم فوضعوا مؤلفاتهم باللغة العبرية، وقاموا بترجمة المؤلفات التي وضعت بالعربية الى اللغة العبرية، واصبحت العبرية عند اليهود في اسبانيا لغة العلوم الطبيعية، فضلا عن علوم الفقه التي حواها التلمود بالعبرية قبل ذلك. يمكن التلخيص بالقول: ان الحكم الاسلامي لم يعارض استخدام العبرية الى جانب اللغة العربية.