أنت هنا

قراءة كتاب اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار

اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار

كتاب " اليهودية ديانة توحيدية أم شعب مختار " ، تأليف عمر أمين مصالحة ، والذي صدر عن دار الجليل للنشر والدراس

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار الجليل
الصفحة رقم: 10

اهتم حاخامات اليهودية في اسبانيا بعلم اللغة، وسهلوا عملية الكتابة بالعبرية، بحيث اصبحت تستجيب لكل موضوع بشكل واضح ودقيق. تجددت في اسبانيا المفردات العبرية الكثيرة، واكثر الحاخامات من الاهتمام بقواعد العبرية، استناداً الى المبادئ العلمية التي حصلوا عليها من اليونانيين القدماء، ومن خلال ما ورد في المؤلفات العربية، ومبادئ الصرف والنحو عند العرب. لقد ساهم علم اللغة في وضع التفاسير الحديثة للتوراة، وكان مهما بالنسبة للمفسرين معرفة الوضع اللغوي والمعنى الدقيق لكل كلمة وكلمة، وتفهم المبنى العام للجملة كلها.

اسهم يهود اسبانيا في اعمال التفسير والشروح الخاصة باصول الديانة اليهودية، كما واهتموا بصونها، وفي الحفاظ عليها من التاثيرات الاجنبية. لقد تبع اليهود في اسبانيا نهج "الحاخام سعاديا" (الذي عرف أيضا باسم سعيد الفيومي، نسبة لمنطقة الفيوم التي عاش فيها بمصر) بأعتباره احد نوابغ سورا، والذي قام بترجمة التوراة الى العربية، وقام مناحيم بن ساروق بوضع اسس القواعد العبرية، وكان الحاخام دافيد قمحي احد كبار الباحثين في حقل اللغة العبرية. واعتبر ابرز المفسرين والشارحين للتوراة الحاخام ابن عزرا (الطليطلي) والحاخام دافيد قمحي والحاخام موشي بن نحمان، والحاخام ليفي بن غرشون والحاخام اسحاق ابربنئيل.

يمكن القول أن مؤلفات الحاخام بن عزرا، ومؤلفات القمحيين (عائلة الحاخام دافيد قمحي) ساهمت في نشر علوم اللغة العبرية بين يهود العالم كله.

كان من ابرز الفلاسفة الحاخام شلومو بن غبيرول، والحاخام باحيا بن فقودا( الذي اشتهر في أوساط الشعب من خلال كتابه "واجبات القلوب")، والحاخام يهودا هليفي مؤلف "كتاب الكوزاري" والحاخام حسداي قريسقس، واشتهر في كتابة الشرائع اليهودية الحديثة، أما الحاخام موشيه بين ميمون "الرمبام"، المعروف باسم ابو عمران موسى بن ميمون القرطبي، والذي كان من مواليد اسبانيا ولكنه رحل الى مصر، والف هناك كتابه "موريه نبوخيم" أي دلالة الحائرين، ومؤلفه "مشناه توراه" أي مثنى التوراه. ومن بين اليهود الذين سكنوا جنوب فرنسا تجدر الاشارة الى الحاخام ليفي بن غرشون.

لم يكتب كل هؤلاء الفلاسفة مؤلفاتهم باللغة العبرية، فكان هناك الكثير من الحكماء والمتمرسين في الترجمة الذين كرسوا الكثير من الوقت لترجمة المؤلفات اليهودية من العربية الى العبرية، واشتهر من بين المترجمين ابناء عائلتي "تيبون وقمحي".

انهمك الفلاسفة الذين عاشوا في فرنسا الجنوبية وشمال اسبانيا، في البحث وراء العلاقة بين الخالق والانسان بوجه خاص، فوضعوا في ذلك طريقة فلسفية خاصة، سميت بعلم الباطنية، لانها تبحث في الاسرار الالهية، وتتطلع الى اتحاد روح الانسان بروح الخالق بطريقة غامضة، وقد آمنوا بان هذه الطريقة قد انتقلت اليهم من كبار الحكماء القدامى، ولهذا اطلقوا عليها اسم "القبلاه" أي اسلوب التناسخ والنقل، وقد وضع أول مؤلف لهذه الطريقة في اسبانيا، كتباً بالآرامية، وهو كتاب " الزوهر" (النور)، الذي قام بوضعه الحاخام شمعون بار يوحاي أحد رجال الحركة السرية إبان حكم ادريانوس، وخلافا لفلسفة موسى بن ميمون (الرمبام) التي اعطت الاهتمام للعقل والمنطق، اسهم اصحاب نهج "القبلاه" التركيز في العاطفة، (ويضاهيهم في ذلك بعض المتصوفين في الاسلام).

لقد ادعى هؤلاء ان العاطفة تقرب الانسان الى خالقه، وحدث بالفعل ان اجتذبت هذه الطريقة الكثير من المؤمنين وشدتهم الى الدين في أيام الاضطهادات، وخيبة الامل من السلطة الحاكمة ومن رجال الدين، ومن انعدام الامن.

انتشر تعليم التلمود في اسبانيا، ووضعت مؤلفات هامة في تفسيره وشروحه. لقد اكتسب هذا الموضوع، هو الآخر، صيغة جديدة في اسبانيا، بحيث اهتم رجال الدين بتبويب الاحكام المنصوص عليها في التلمود، شرحها وتفسيرها بالاسلوب الذي شاع استعماله بالنسبة لسائر العلوم الأخرى، كان من ابرز هؤلاء المؤلفين الحاخام اسحاق الفاسي الذي قدم الى اسبانيا مهاجرا من مراكش، والرمبام الذي كان مؤلفه "مشناه- توراة" انموذجًا واضحًا لاسلوب يهود اسبانيا في تبويب الاحكام والشرائع اليهودية، وتبسيطها.

لقد أعد هذا المؤلف ليكون مجموعة قوانين عملية للشعب، وقد اعتادت جاليات اسبانيا والشرق اصدار الفتاوى استنادا الى نصوص وفحوى المشناه- توراه.

كان الرمبام طبيبًا مشهورًا في عصره، وتبدو معلوماته في هذا الحقل واضحة من خلال مؤلفاته في المواضيع الأخرى، وكانت الجاليات المشهورة في قرطبة، وغرناطة، وإشبيلية، وطوليدو مراكز لتعليم التوراة، وكثرت فيها المدارس الشهيرة.

ذكرنا ان اليهود كانوا قد انتشروا في ارجاء الامبراطورية الرومانية في اوروبا منذ القدم، وتوقفوا حيث توقفت، أي عند نهري الدانوب والراين، فسكنت عبر هذين النهرين قبائل الجرمان المتوحشة في ثقافتها وحضارتها، ولم تفلح الامبراطورية الرومانية في الدفاع عن نفسها أمام زحفهم وهمجيتهم، ومع ذلك فقد اخذوا عن الرومان الديانة المسيحية، كما اخذوا بعض حضارتهم. ورويدا رويدا تطور الاهتمام لدى الجرمان بالتجارة، وبدا البحث عن البضائع الجديدة يزداد تدريجيا، الامر الذي ساهم في اتساع رقعة التجارة بين المدن الواقعة على ضفاف نهر الراين (الحدود الالمانية – الفرنسية حاليا)، وبدأت تقام المدن التجارية، داخل المنطقة الجرمانية القديمة وحتى في المناطق السلافية.

عانى اليهود في المجتمعات الأوروبية من الخرافات والمعتقدات العامة، ومن أخطر هذه الاشاعات، "فرية الدم" التي أشيعت وللمرة الأولى في مدينة بلوا الفرنسية سنة 1121 ميلادية وادت هذه الفرية الى حرق جميع يهود المدينة (واصبح هذا الحدث يوم صوم سنوي عند اليهود). منذ ذلك الوقت اصبحت "فريه الدم" سلاحا في أيدي الحاقدين على اليهود، يشهرونه متى شاءوا، وخاصة في اوروبا الوسطى والشرقية. كانت جميع التهم حول الموضوع تنتهي بتبرئة ساحة المتهمين في المحكمة، الا ان العامة لم تنتظر الى حين صدور قرارات المحاكم، بل استمرت في التنكيل واضطهاد اليهود، ولم يكن في مقدور قرارات المحاكم ان تستأصل هذه الاعتقادات من نفوس الكثيرين في اوروبا.

الصفحات