أنت هنا

قراءة كتاب نازك الملائكة حياتها وشعرها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نازك الملائكة حياتها وشعرها

نازك الملائكة حياتها وشعرها

نازك الملائكة، شاعرة عراقية من مواليد بغداد عام 1923، تخرجت من دار المعلمين العالية ببغداد، وحصلت على الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة، وأجادت اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، لكن عشقها الكبير كان للغة العربية ونحوها وصرفها وآدابها

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
وبدون أن تقصد نازك الملائكة، فقد كان هذا التل الرملي، أحد مظاهر شاعريتها فيما بعد، حيث وجدت فيه الصديق الذي لا يضربها، وشكّل لها عرش خيالها.
 
وفي هذه المرحلة من مراحل حياتها، لفت نظرها أشياء كثيرة، كان منها وجه «الفراشة»(15) الذي ظل ماثلاً أمام عينيها، تلك المرأة الطويلة السمراء، ضئيلة الوجه، صغيرة العينين، ذات السن الذهبي في ناحية الفم اليمنى، فكانت تسبب لها الضجر بحكاياتها التي كانت تقصها على الأطفال وهي تداعبهم فوق تل الرمل، كما كان يقلقها صوت ذاك اللقلق الذي كان يقف أحياناً فوق المنارة القريبة من الروضة ويصدر صوته الغامض، فيثير في نفسها صورة مجهولة ليوم بعيد، وذكرت نازك أنه صادف في تلك الفترة حدوث كسوف كامل للشمس أثناء وجودها في الروضة، فخافت من تلك الظاهرة، ووقفت تبكي مع بقية الأطفال في الساحة الكبيرة، ملتصقة بأحدهم دون أن تشعر بما حصل لها.
 
كانت الطفلة نازك تقضي فترات الظهيرة في الساحة الخلفية للروضة، بعيدة عن أعين المعلمات، منزوية تراقب الأطفال الهاجعين، وتقارن بين الأشياء من حولها، وذات يوم مرت بها طفلة ضخمة كما صورتها نازك فطلبت منها أن تحتفظ بكتبها وأقلامها حتى تعود إليها، فحملتها نازك، لكن توازنها اختلّ، فسقطت الأغراض من يدها على الأرض، فلما عادت صاحبة الأغراض ووجدتها مبعثرة، صرخت في وجهها وصفعتها، فصكت نازك أسنانها، ونزلت دمعتها دون أن تخرج صوتاً، وكان أحد الأطفال يراقب المشهد، فاستغرب صمتها واقترب منها وقال لها: «لماذا لم تضربيها؟ لماذا سكت لها؟ لو كنت مكانك لأشبعتها ضرباً»، لكن نازك لم تجبه ولم تفكر بما قاله، وقالت في النهاية: «إنني خير منها... آه لو عرفت أمي هذا الحادث...» وقررت في داخلها أن تكتم ما حدث لها، لكنها أحست بأن الحادثة تركت أثراً في نفسها.
 
كانت نازك عنيدة بطبيعتها، متمسكة برأيها، متمردة داخل نفسها، إلى حد يضايق أبويها ومعلماتها، وكانت تكتم ما ترغب بقوله، فتصمت، ومن مظاهر تمردها، أنها لم تكن تكلم أحداً ولا ترضى بأفعال أترابها، وكانت تصر على فعل ما تريد، وهذا واضح عندما انتقلت في الروضة من سنتها الأولى إلى الثالثة دون أن تفهم مسار هذا الحدث، ولم تعرف كيف حصل الأمر دون اعتراض إدارة الروضة.
 
وفي عام 1930، انتقلت نازك من الروضة إلى الصف الأول الابتدائي في المدرسة المركزية للبنات، وأصبحت على عتبة الدراسة، ولم تكن حينها تهتم بهندامها أو ترتيب شعرها، وفي اليوم الأول من السنة الدراسية، اصطفت على رأس الصف الطويل، ودخلت مع الطالبات حجرة الصف، فجلست مع طالبتين على رَحْلَة واحدة، فكانت هذه أول علاقة لها خارج البيت مع زميلتيها في المقعد «كاملة وماجدة» وظلت ذكرياتها مع صديقتها كاملة محفورة في ذاكرتها حتى كبرت، فقد كانت تشبهها في شكلها وحجمها، وعندما تجمعت عواطفها أهدتها قصيدتها «ذكرى مولدي»(16) مع أنها افترقت عنها ولم تعرف شيئاً عنها بعد ذلك العام، وقدمت لقصيدتها بعبارة تقول فيها: «إلى صديقة طفولتي البعيدة التي لا أعرف منها الآن إلا اسمها وحده» وجاء في أبياتها: 
 
أين أصبحت يا رفيقة أمسي
 
ما الذي قد شهدت فوق الوجود؟
 
 
 
أترى تذكرين مثلي أيا
 
م صبانا وحلمنا المفقود؟
 
 
 
أم تري قد نسيتني ونسيت الأ
 
مس في فرحة الشباب الرغيد؟

الصفحات