أنت هنا

قراءة كتاب إبرة الرعب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إبرة الرعب

إبرة الرعب

كتاب " إبرة الرعب " ، تأليف هيثم حسين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 1

- 1-

أنا رضوان ابن موسو اللبنانيّ. أُعرَف بالممرّض رضوان، أو يُكتفى أحياناً، حين الإشارة إليّ، بالممرّض فقط. وهو لقب حصّلته بجهودي ومثابرتي على حدٍّ سواء. أتفرّد به في القرية التي كانت تُسمَّى قرية الأسرار، أو القرية المقدّسة، قبل أن تعرف بقرية الأشرار، كما باتت تشتهر الآن.

أتعرّف إلى العالم عبر المؤخّرات، أحلّل نفسيّة كلّ امرئ من خلال مؤخّرته، عندما أحقن الإبرَ، أستكشف النفسيّات وأستطلع الخبايا.. تخبرني تلك العوالم بما يعترك في نفوس أصحابها، تخلق عندي الولع الذي لا يُروَى إليها. أصادق من الناس مؤخّراتهم. اكتشفت نفسي في عالم المؤخّرات، الذي بات يختصر عالمي كلّه. أو هكذا خمّنت..

أستطيع القول إنّني تربّيت دون أبٍ. كنتُ الأب لأخي كاوا الذي يصغرني بسنة وثلاثة أشهر. نغدو ونروح معاً، كنّا في الصفّ نفسه، كان متفوّقاً في دراسته على عكسي تماماً، كنت أكره المدرسة منذ البداية، لم أستطع تحمّل ظلم المعلّم، ولا تحمّل عصاه الحارقة التي كان يسوط بها يدي كثيراً لإهمالي دروسي. على الرغم من إقراره بذكائي وسرعة بديهتي في تلقّف الدروس، لكنّه كان يغتاظ جدّاً لإهمالي.

فقدت كاوا في الصفّ السادس. إذ كفّ عن القيام بدوره، عندما أقعدته الضربة التي تلقّاها في عرس ابن البردكيّ عن الاستمرار في دراسته. كعادته كان يلعب مع أترابه، يتنقّل معهم من زقاق إلى آخر، كان الأولاد يتراشقون بالحجارة، أصابت إحداها رأسه، شجّته، بقي مغمىً عليه أيّاماً، وعندما فاق تغيّرت حالته رأساً على عقب. بات يلازم البيت، يتكلّم قليلاً، يتعب إذا تحرّك، تجتاحه أحياناً نوبات غضب يكاد يقتل فيها نفسه. تجده في بعض اللحظات يتكلّم كلاماً واعياً جدّاً، ينمّ عن شخصيّة عبقريّة، لكنّه لا يلبث أن يعاود الرجوع إلى حالته التي استعصت على أمهر الأطبّاء والمشايخ. تنقّلت به أمّي وجدّتي من عيادة طبيب إلى تكية شيخ، لم يجد نفعاً لا من الأدوية الكثيرة التي خرّبت معدته، ولا من الرقى والأحجبة العديدة التي أثقلت رقبته وكتفيه، فألقى بالأدوية والرقى جميعها، وقرّر أن يكمل حالته منعزلاً الآخرين، ومبتعداً عنّي أنا الذي استوحشت لغيابه.

كان ينكبّ على كتبـي يقرأ بسلاسة ومتعة، ثمّ يرميها بعد دقائق، ويمسك رأسه. حار الجميع في أمره، فلا هو بمجنون ولا هو بعاقل. عند الأطبّاء يغادره جنونه، أمّا عند الشيوخ فيهدأ ويستكين. تتناهبه حالات متناقضة غريبة. حالة واحدة فقط أظهر فيها شراسته، عندما أعطت جدّتي النقود على استحياء وبتخاذل وتذلّل للشيخ الذي أشار إلى ابنه البليد أن يلفّ حجاباً، قبل أن يأتي ابنه بالحجاب، وقبل أن يضع الشيخ النقود في جيبه، انقضّ كاوا على النقود، كانت تبلغ أربعاً وخمسين ليرة، أربع ليرات حديديّة، والبقيّة ورقيّة، واحدة من فئة الخمس والعشرين ليرة، واثنتان من فئة العشر ليرات وواحدة من فئة الخمس ليرات، رماها في فمه، بلع الحديديّة منها، وظلّ يمضغ الورقيّة حتّى فتّتها، ثمّ بصقها على ابن الشيخ وهو يقهقه في وجهه، وينعته بالمجنون ابن المجنون. سردت جدّتي تلك الحادثة وهي ترثي لحال الشيخ وابنه، تستغفر لكاوا فعلته المجنونة، هي التي استبشرت في تسميته أن يكون البطل الشجاع، لكنّه انتهى إلى درويش يُرثى له..

الصفحات