أنت هنا

قراءة كتاب عقيلات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عقيلات

عقيلات

 كتاب "عقيلات " ، تأليف نادية يحيى الكوكباني ، والذي صدر عن دار الحوار للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

ما زلتُ ممسكة بمفكرة جود الخضراء. ما زلتُ أتأمل خطها وعنوانها، ما زلتُ أرتجف غير قادرة حتى على تقليب أوراقها! ما أبشعَ تلك الرجفة التي تشلك عن الحركة وعن التفكير لمجرد توقعك لما قد يحدث! الرجفة التي تهوي بك من هدوء استقرارك وسكينتك، وتحولك في لحظات إلى كتلة لحم غير قادرة على شيء. إنها عكس الرجفة التي تحلق بك في السماء نشوة، وتزهر في أعماقك حياة! يبدو أن الرجفات مثل البكاء! نبكي عندما نفرح ونبكي عندما نحزن، نبكي عندما نشعر بالخوف ونبكي عندما يغمرنا الأمان! تماماً كما نرتجف من شدة الحزن ونرتجف من شدة الألم ومن شدة الفرح ومن شدة الخوف! ترى أيهما أصدق!؟

لماذا أنا غير قادرة على البدءِ في قراءة ما تركته لي جود؟ هل تواطؤي مع نفسي في تخمين ما سأقرؤه السبب؟ هل "عقيلات" جود هنَّ المربوطات! المقيدات! المسجونات؟ هل هن المصونات ذوات الخدر! المتسترات من الرجال! وتحت أمر الرجال أيضاً؟ ألهذا ثُرتِ يا جود؟ ألهذا رفضت أن تكوني عقيلة فلان! ألهذا أردت إثبات أن بإمكانك أن تكوني أنتِ، أنتِ دون أن تكوني عقيلة أحد؟

معكِ حق! لا شيء يشفع لنا في مجتمعنا مهما كان منطقياً سوى تلك المسميات التي يبحثون عنها: "زوجة" مسمى يعشقونه! "مطلقة" مسمى يمقتونه! "عانس" مسمى يختلفون عليه! هم لا يبحثون عن جوهر تلك العلاقات التي تكّون سيرورة الحياة. قد تؤدي المطلقة التي قهرتها الظروف ومع ذلك تؤدي واجباتها تجاه أبنائها أفضل من الزوجة المهملة لهم ومع ذلك فهذه المهملة هي الأفضل في كفتهم غير العادلة وفي مسمياتهم الغبية.

يا إلهي يا جود كم يبدو عنوانك صادماً وقاسياً وصادقاً، يجمع تناقضات عدة، وخلف حروفه تخمينات مربكة وربما محيرة أيضاً... ترى كم عقيلة حوت مفكرتك؟ هل أنا وأنت ضمن عقيلات مفكرتك؟ هل نحن أولهن يا صديقة عمري أم آخرهن أم في الوسط؟

لا أنسى اليوم الذي قررتِ فيه مغادرة صنعاء إلى قريتك، بعد أن ضقت ذرعاً بكل ما حولك، بعد أن جعلك شقيقاك مجرد كيانٍ جامدٍ له صفات يتباهون بها، ويبحثون له عن مبررات للحياة في المجتمع وفي القيام بكل ما يرضيه بنتنا متعلمة، مهندسة، عرسانها كُثر، آخرهم ابن عمنا الذي رفضناه لأنه لا يناسبها، نحن أدرى بمصلحتها وبما يناسبها. بنتنا لا عيب فيها متناسين بأن للآخرين من حولهم ألسنة يتحدثون بها ومنطقاً يفوق منطقهم لأنه الأقوى، لسبب واحد فقط أنه صادر من رجل.

لم يصدر من ابن عمها شيء يؤذيها أمام ما قامت به أمه حين قالت: كان المفروض أن تحمد الله وتشكره لأن ابني سيتزوجها، لقد أصبحت عانساً، من سيتزوج فتاة عمرها خمسة وعشرون عاماً ومتعلمة أيضاً؟ سأزوجه أحسن وأجمل وأصغر منها، وستندم طيلة حياتها على أنها رفضته

ابتلعتِ كل ذلك يا صديقتي وغادرتِ. شعرتُ بالوحدة من بعدك، تمنيت كثيراً لو سمح لكِ شقيقاك بالعمل بشروطهما كما فعل أبي الذي اقتنع بأن العمل مثل التعليم حماية للمرأة من غدر الزمان، حتى لو كانت غير محتاجة للمال. لقد أشفق على ابنته التي تخطت الأربعة وعشرين عاماً وهو مستمر في رفض كل خُطابها على أمل أن يُفصل لها عريساً بمواصفاته هو، ويحقق مصالحه هو!

وافقتُ على كل شروطه، لم أمارس مهنة الهندسة المعمارية التي تعلمتها وتفوقت فيها وأبدعت طوال سنوات الدراسة الخمس كما حلمت، خاصة بعد حصولي على المركز الأول، وفرصة عملي في الجامعة متاحة وبشكل كبير. قبلت أن أكون مُدرسة للمرحلة الابتدائية في المدرسة القريبة من منزلنا. وافقت على التدريس وقلت: لا يهم، نصف البلاء ولا كله، بعد أن كاد الملل يقتلني وأنا أقضي أيامي بين أربعة حيطان.

ربما لذلك يا صديقتي كانت ثورتك عارمة وتمردك حقيقياً، صادقاً، لقد دافعتِ بكل سنيّ قهرك وحرمانك واستعبادك!!!

الصفحات