أنت هنا

قراءة كتاب عقيلات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عقيلات

عقيلات

 كتاب "عقيلات " ، تأليف نادية يحيى الكوكباني ، والذي صدر عن دار الحوار للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

عادت جود من المدرسة، كل ما فيها يوحي بالغضب، لم تنتظر لأسألها ما بها لكنها انفجرت قائلة: كنت على يقين من أن ما حدث في العام الماضي سيتكرر هذا العام أيضاً. كل ما هو سيئ وقبيح ينتشر بين الناس بشكل مذهل كالوباء، بل كالنار في الهشيم فعلاً!

لم تنتظر مني أي رد أو تعليق يُهدئ حالتها وأكملتْ: تصوري أن أمهاتنا الأُميات غير المتعلمات كن أكثر ايجابية معنا في تربيتنا وأكبر حرصاً على إنهاء تعليمنا في الستينيات، أكثر من المتعلمات ونحن على مشارف انتهاء العقد الأول من الألفية الثالثة!

لن تصدقي يا روضة أن أحدى طالبات المدرسة في العام الماضي تزوجت حال انتهائها من الثانوية، رغم نصيحتي وكلامي المقنع المنطقي لأمها الجامعية وأبيها الجامعي أيضاً، بخطر ذلك عليها صحياً ونفسياً وحياتياً في المستقبل، وضرورة تأجيل الزواج لتكمل تعليمها وتكون قادرة على تحمل المسئولية التي ستلقى على كاهلها، لأن الزواج ليس فستاناً أبيض، وحفلة زفاف كبيرة، ضخمة وفخمة كما تحلم به الفتيات وتتنافس الأمهات في إبراز ما لديهن من مال وجاه، دون فائدة!

صباح اليوم فوجئت بدعوة زفاف أنيقة باهظة الثمن موشاة بالدنتيل ومعها هدية في علبة مخملية، ووجدت المُدرسات يفتحن هداياهن وكل واحدة تقول إن هديتها هي الأجمل (مصاحف مغطاة بالمخمل الأرجواني، تماثيل أنيقة لعروسين على عربة تجرها الخيول، شموع معطرة وورود مجففة...) يا إلهي! شعرت بأن دخاناً كثيفاً يتصاعد من وسط رأسي وأنا أرى منظراً مستفزاً لكل مشاعر البساطة والتواضع والقيم بأسرها!

أين أبسطه وأيسره وأبركُه؟ أين مراعاة مشاعر الآخرين غير القادرين حتى على طباعة ورق ملون لدعوة زفاف في مجتمع يعيش أكثر من ثلثه تحت خط الفقر حسب تقارير التنمية البشرية! أين الوسطية التي لم يعد لها وجود: إما غناء فاحش أو فقر مدقع! غير هذا وذاك حتى لو افترضنا أنهم أحرار في المال الذي أنعم الله به عليهم، وكما يرددون دائماً ((وأما بنعمة ربك فحدث...)) ألم يفكرا أن امتحانات نصف العام الدراسي بعد اقل من أسبوع؟!

هل تعرفين ماذا أجابت الأم وأنا اسألها هذا السؤال؟ لقد قالت: "ستكمل دراستها في كندا، زوجها سيكمل تعليمه الجامعي هناك، الزواج حماية له يا أستاذة جود". ووجدتني أرد عليها وأنا فاغرة فاهي من الدهشة: (حماية له وابنتك ألم تفكري فيها وفي حياتها ومستقبلها وتعليمها! وفي حمايتها أيضاً فيما لو قرر يوماً استبدالها بأخرى لها مواصفات أحسن كما يفعل أغلب الرجال؟)

امتقع وجهها وأنا أقول ذلك وقالت: "فال الله ولا فالك يا أستاذة جود ما يقع إلا خير، لا تتأخري في الحضور..." لم أجد شيئاً أقوله للأم التي أصرت على أن تسلم لي دعوة زفاف ابنتها بيدها، لمحبة ابنتها لي واحترامها اللا محدود لي كما تقول، غير أن أردد في أعماقي "أتمنى أن لا يحدث شيء مما أخشاه بعد حين"

ابتسمتْ جود وبدأتْ تردد عبارتها وهي تقهقه: هل تعلمين يا روضة أنني خشيت أن تفسر أم العروسة حنقي وغضبي من هذا الزواج المبكر غير المتكافئ بالمرة على أنه وسواس وغيرة، وربما قهر امرأة عانس ليس إلا!؟ عندئذٍ لفّتنا عندها نوبة ضحك طويلة قبل أن نتوجه للمطبخ لتناول طعام الغداء.

الصفحات