كتاب " الليلة الخالدة " ، تأليف الشيخ عبد الكريم تتان ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب الليلة الخالدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بطاقة دعوة
نزل جبريل الأمين سفيراً يحمل بطاقة الدعوة الحفية إلى الحبيب درة الأكوان، دعوة من الله جل جلاله إلى سدة التشريف والتكريم، وكان معه البراق واسطة الانطلاق اللائقة ببعد المسافة الكونية بين المسجدين، ثم جيء بالمعراج لينقل الضيف الكريم عبر المعارج إلى حيث بلغ قاب قوسين أو أدنى، أجل:
أرسل الروح بالبراق كما تفعله للكرامة الكرماء
فعلاه البدر التمام أبو القاسم ليلاً فضاء منه الفضاء
راح يهوي به وحد انتهاء الطرف منه إلى خطاه انتهاء
ويطيب لنا هنا أن نقدم بين يدي الانطلاقة المباركة مجموعة من المعاني والحقائق والمواقف والرقائق، وقبل أن نصحب الضيف الأكرم عبر النصوص إلى الملأ الأعلى، وهذه المجموعة عبارة عن إضاءات تبلور فهماً مطلوباً لما سبق تلك الرحلة، لتأتي في موقعها التاريخي من الأحداث التي بدأت بغار حراء، ويصبح القارئ أقدر على الإحاطة بالحدث العظيم، بكل أبعاده وإيحاءاته؛ إذ يراه ضمن إطاره الزماني وعبر الأحداث التي سبقته، فيبدو بجملته عملاقاً لا يدرك إلا بمقدار تحت عنوان: "إن جفاء من جفا من أهل الأرض لجهالته بالمجفو، يقابله ترحيب الملأ الأعلى به أيما ترحيب، وإنزاله حبيباً منزلته اللائقة"، وإن إغلاق مكة أبوابها في وجهه بعد عودته من الطائف فتح له أبواب السموات باباً باباً، يلجها سماء بعد سماء ليلقى في كل واحدة منها رسولاً من الرسل الذين تلقوه بالترحاب والدعاء له والثناء عليه، حتى بلغ ما شاء الله له أن يبلغ مما سنجليه في هذه الرسالة.
- وإن سفاهة أهل الأرض تجاه من جاءهم بالحياة فقابلوه بالحجارة تلقيها أيدي السفهاء، انتصب لها كرامة اقتداء أعقل عقلاء الناس به إماماً في رحاب الأقصى المبارك، وعموماً: تتجلى أهمية الحدث في أنه يحملنا إلى آفاق لا يحاط بمداها، فهي علاوة على أنها تجلي منزلة الحبيب في الملأ الأعلى، تكشف لنا بعض أبعاد هذا الوجود الذي ما ظهر لنا منه سوى قطرة، وإلا فخضمه تلاطمت أمواج أبعاده، ومن هنا من وقف على الحدث أمن من الاختناق في ضيق الأرض، ووقف على بعض ثمرات السلوكيات التي يجسدها الناس في حياتهم، فيحسن بذلك الاختيار، ويحذر مما فيه الضنك والتبار، وتجلى له في أفق الحياة الفسيح أن الهمّ الصادق هو أن تكون لك منزلة عند الله ومقام محمود في رحابه، ومقعد صدق لدى جنابه، وأن من له ذلك عند الله فلا يبالِ ولو أعرض كل الخلق عنه، وقطبوا في وجهه، ومن الآفاق التي ترتاد أن تتعرف إلى عوامل البناء والهدم في حياة الناس، وتقف على السلوك الذي يعود على الناس بالضرر ليتقى ولتحفظ الحياة منه. وأختم دون أن ينتهي العطاء بأن المحن والشدائد في سبيل الله ما هي إلا ألوان منن وارتقاء في المنازل وأدلة صدق وإخلاص،وإن بدت مؤلمة، وكم من منحة تولدت من بطون المحن.
ولأبدأ - ههنا - بالتقاطات من الإضاءات التي حرض عليها الحدث الكبير والرحلة التي كتبت حروفها بمداد من النور، وتعطرت أنفاسها بعبير التقريب، وأعلنت ببعض مضامينها عن آفاق تطل عليها الدعوة في مستقبلها، رحلة أتت فاتحة لنفحات الفرج وانكشاف الشدة، وكشفت عن سعة هذا الوجود وروعة مكانة هذا الإنسان فيه.
رحلة الصفي النجمي في رحاب الملأ الأعلى يصفها خطوة خطوة ومشهداً مشهداً وحالة حالة، لكأننا نشاهدها عبر القرآن بإجماله في سورتي الإسراء والنجم، ومن ثنايا الأحاديث التي فصلت فيها واستوعبت كل ما أراد أن يبلغنا إياه الضيف الكريم.